السبت 1 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكايات 60 سنة صحافة ـ الحلقة 62

إيهاب يعزف لوحاته كموسيقار

هذا فنان عبقرى متعدد المواهب، فهو يرسم الكاريكاتير ويصمم أفلام الرسوم المتحركة ويكتب ويرسم قصص الأطفال ويرسم لوحات غلاف «صباح الخير» واللوحات المصاحبة للروايات التى تنشرها المجلة.. ويصمم ملصقات الأفلام ويكتب مسرحيات العرايس ويصممها.. 



وأضيف مواهب أخرى يتمتع بها إيهاب شاكر، هى الذوق الرفيع والدماثة.. والبساطة بلا تصنّع ولا ادعاء.

إنه يرسم لوحاته كما لوكان يعزف ألحانا موسيقية فهو فنان نادر تمكن من تحويل الموسيقى إلى لوحات!

وعلى مدى أكثر من 60 عاما أشاع البهجة وارتقى بفنون الكاريكاتير والتشكيل.. وترك أثره على أجيال من الناس كبارا وصغارا.. فهو عمل فى صحف ومجلات أطفال كثيرة، لكنه فى «صباح الخير» كان أحد معالمها الفنية..

 

إيهاب شاكر وطقوس خاصة للإبداع -   صورة خاصة من أرشيف الكاتبة سميرة شفيق
إيهاب شاكر وطقوس خاصة للإبداع - صورة خاصة من أرشيف الكاتبة سميرة شفيق

 

 شقيقه أستاذى

عندما أخبرته أن شقيقه الدكتور ناجى شاكر هو أستاذى فى كلية الفنون الجميلة زاد ذلك من تقاربنا.

وعندما حكيت له أن أستاذا آخر لى فى الكلية هو الذى أتى بى إلى المجلة سنة 1964 هو الأستاذ عبدالسلام الشريف بعد أن تابع بإعجاب مجلة الحائط التى كنت أكتبها ويرسمها بالكاريكاتير زميل دفعتى محسن جابر، فاجأنى إيهاب بأن هذا الأستاذ نفسه هو الذى أدخله الصحافة قبل ذلك بـ 11 سنة! 

 وعلمنا فيما بعد أن الأستاذ عبدالسلام الشريف نفسه هو الذى ألحق حسن فؤاد بالصحافة منذ سنوات طويلة.

وهذه حكاية أخرى..

 أما حكاية إيهاب شاكر مع الصحافة فقد رواها كالتالى: كنا نصدر مجلة حائط فى الكلية (كما فعلت أنا ومعى محسن) ويضيف: كانت مسئوليتى فيها هى أن أرسم كاريكاتير للأساتذة.. وكان الكاريكاتير يثير حماس الجميع ويعبر دائما عن التحدى الذى كان كامنا فينا نحن شباب تلك الأيام.

وذات يوم فوجئ إيهاب برسالة تركها له الأستاذ عبدالسلام الشريف يطلب منه أن يقابله فى مبنى جريدة «الجمهورية» فى السابعة مساء.

لكنه لا يعرف هذا الأستاذ.. فسأل شقيقه ناجى الذى يدرس فى الكلية أيضا، عنه فأخبره أنه أستاذه فى مادة الديكور والتصميم.

وأنه أول رواد فن الإخراج الصحفى.

فذهبت للموعد، ويروى: فى الطابق الرابع كانت مقابلتى الأولى مع الأستاذ.. بابتسامته الدائمة ونظارته السميكة.

بادرنى قائلا:

أنا انبسطت من رسومك الكاريكاتيرية بخطوطها البسيطة التى رسمتها فى مجلة الحائط فى الكلية، واخترتك تنضم لنا هنا ترسم معانا فى جريدة «الجمهورية» اللى حتصدر بعد أيام.. ثم قال: انتظرنى لحظة.. وشعرت بخليط من الفرح والخوف.

وعاد ليقول لى: تعال معى.. ودخلت حجرة مكتوب على بابها «رئيس مجلس الإدارة» وقدمنى هو: ده إيهاب اللى كلمت عنه.

 

مع الفنانين: جمعة فرحات وجورج بهجورى وسمير عبدالغنى وأحمد عبدالنعيم فىمنزله
مع الفنانين: جمعة فرحات وجورج بهجورى وسمير عبدالغنى وأحمد عبدالنعيم فىمنزله

 

كان الجالس على المكتب هو البكباشى أنور السادات يدخن البايب.. ذهلت!

وأفقت على نفس الصوت الذى أذاع بيان مجلس قيادة الثورة يرحب بى ويقول: 

خلاص..انت من النهارده معانا هنا يا إيهاب.

رسام فى العشرين!

هكذا دخل إيهاب شاكر الصحافة ونشرت رسومه يوميا فى جريدة «الجمهورية» من سنة 1953 فى السنة الثانية من دخوله كلية الفنون الجميلة.

وبعد 11 سنة جرت واقعة مشابهة حيث قدمنى الأستاذ نفسه لرئيس تحرير «صباح الخير».. وكنت فى أول سنوات الدراسة فى كلية الفنون الجميلة.

 فكان إيهاب يرسم كاريكاتير الصفحة الأخيرة من «الجمهورية».. وفى الصفحة نفسها يرسم لوحة مصاحبة لكتابات بيرم التونسى الشعرية.

 ولا أريد أن أنسى معلومة مهمة هى أن إيهاب شاكر، ظهر كرسام كاريكاتير فى سن العشرين، قبل سنوات من ظهور جورج البهجورى وصلاح جاهين الذى قاد فيما بعد كتيبة فنانى الكاريكاتير فى «صباح الخير» التى غيرت وقادت هذا الفن وطورته فأصبحت مدرسة تتلمذ عليها نجوم هذا الفن فى مصر والعالم العربى.

 وعندما زرت إيهاب فى بيته كنت قد تعرّفت من قبل على زوجته الكاتبة الصحفية ومؤلفة قصص الأطفال سميرة شفيق.

وأدهشنى أن كل جدران البيت مغطاة بلوحات من أعمال الفنان إيهاب شاكر فى براويز أنيقة.

وكانت المفاجأة الثانية هى ابنته «شهد» التى سارت على طريقه وأصبحت فنانة تشكيلية نشرت لها فيما بعد لوحات على غلاف «صباح الخير».

وانتقل صديقنا الفنان من «الجمهورية» ومجلة «التحرير» مع مجموعة كبيرة من زملائه هناك بقيادة حسن فؤاد للمشاركة فى إطلاق «صباح الخير» سنة 1956

 وتكونت كتيبة رسامى الكاريكاتير من صلاح جاهين وجورج البهجورى وزهدى وناجى كامل (زميل إيهاب فى دفعة الكلية سنة 1952) وحجازى وبهجت ورجائى ودياب.. وانضم إليها بعد ذلك اللباد وصلاح الليثى.. ورؤوف عياد.. (الثلاثة عينوا فى المجلة فى وقت واحد).

وعن بداياته الأولى نعرف أنه كان يهوى الرسم والألوان من صغره هو وشقيقه ناجى فألحقهما والدهما بمرسم أستاذ إيطالى هو «كارلو مينوتى» وأيضا بمعهد ليوناردو دافنشى الشهير.

كان ذلك قبل التحاقهما بالكلية.

ومن الطريف أنه يتردد - ولست متأكدا من هذه المعلومة فلم يشر هو إليها - وهى أن هذا الفنان المدهش التحق بكلية الطب أولا- لكنه لم يستمر هناك، فقد أخذته نداهة الفن إلى كلية الفنون الجميلة كما واصل هو وشقيقه الدراسة المسائية الحرة فى «دافنشى».

ومع أن نشأته قامت على الثقافة الفرنسية والاستماع للموسيقى الكلاسيكية وقراءة مجلة الفنون التشكيلية الفرنسية الشهرية، إلا أن روحه المصرية الأصيلة وجهته إلى متابعة الفنون الشعبية.. الأراجوز  وخيال الظل وغيرها بجانب الاهتمام بالتعرف على التراث الأدبى العربى، فكان يزور الأحياء الشعبية ويذهب لشراء الكتب والمجلات من سور الأزبكية ومن مكتبات الصحف والكتب الأجنبية أيضا.

ومن هنا تشكلت روح إيهاب شاكر التى انعكست فى أعماله وفى سلوكياته. وحبه للموسيقى ودراسته لها حولاه إلى موسيقار يعزف اللوحات ويحول الموسيقى إلى لوحات!

 سينما الأطفال

كان قد غادرنا فى «صباح الخير» فى السبعينيات إلى باريس لدراسة سينما الرسوم المتحركة والعمل فى مجلات الأطفال الفرنسية.

وحقق نجاحات ملحوظة ونال بعض الجوائز المهمة ثم عاد إلينا.

ولاحظ وقتها أننى مهتم بمعايشة عمليات إنتاج وإخراج وتصوير الأفلام، وعندما حكيت له عن ذلك روى لى عن عشقه للسينما وجاء معى إلى الاستوديو وعرّفته على صديقى الفنان محمود ياسين الذى كان وقتها نجم الشاشة الأول.

وبدأ إيهاب يبتكر أفلام كارتون للأطفال وشكل فى ذلك فريقا مكونا منه ومن زوجته هى تكتب القصص وهو يرسمها ويخرجها.. كما كان أحيانا يكتب القصص ويرسمها ويخرجها.. وفازت بعض هذه الأفلام بجوائز أيضا.

وعندما أخرج صديقى داود عبدالسيد رواية «مالك الحزين» فى فيلم سينمائى اختار له عنوان» الكيت كات» قام الفنان العبقرى متعدد المواهب إيهاب شاكر بابتكار ملصق للفيلم فاز بجائزة أفضل أفيش سينما!

ونعرف طبعا أنه أولى اهتماما كبيرا بكتب الأطفال وقد كرمه المجلس العالمى لكتب الأطفال بوضع اسمه فى قائمة الشرف تقديرا لرسومه فى كتاب «حكاية الأراجوز» الذى كتبت قصته زوجته سميرة شفيق وصدر فى سنة 2000.

تبقى حكاية ذات دلالة هى أن إيهاب عندما علم بأن صديقه وزميلنا فى «صباح الخير» الذى أسميه «مهندس الكاريكاتير» صلاح الليثى، سيسافر إلى لندن للعلاج من مشكلات فى القلب.. تحرك قلبه وقرر أن يرافقه ويسانده فى رحلته المهمة.. وهذا هو الإنسان الفنان إيهاب شاكر. 

وفى الأسبوع المقبل نواصل