هل ما زلنا فى حاجة إلى الطبيب النفسى بعد CHAT GPT
الشيزلونج الرقمى
تحذر منه: هيام النحاس
لا شك فى مهارة الذكاء الاصطناعى وأدواته وتطبيقاته المختلفة وغزوها جميع مناحى الحياة، لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية وقراءة النفس البشرية ربما تتغير مهارة هذا التطبيق الذكى.
ومع الهروب من الوحدة والاحتياج الدائم للتواصل والحديث قد يلجأ البعض إليه على سبيل الفضفضة التى قد تتحول مع الاعتياد إلى تعلق عاطفى هو فى حد ذاته فى حاجة إلى علاج.
الخطير هو تطور الاستخدام والاحتياج ليصبح طبيبًا نفسيًا لأحدهم فيحكى معه أزمات نفسية قد تكون فى حاجة حقيقية إلى طبيب نفسى يقرأ ما لا يقال ويحلل كل حركة ونظرة حتى الصمت يكون فى علمه له تفسير.

تحكى صديقة فى جمع من الصديقات عن سعادتها مع تطبيق «شات جى بى تى» الذى أصبح صديقًا مقربًا لها حتى أنها تستشيره فى أدق تفاصيل حياتها الزوجية.
وقد نجح كما قالت فى إخرجها من الضغوط التى دائمًا ما تشعر بها مع مسئولية البيت والزوج والأولاد خاصة أن زوجها دائم السفر بحكم عمله وعدم مشاركته لها فى أى مسئوليات تخص الأولاد أو البيت، وعدم تقديره لها مع كل هذه الضغوطات.
تحكى مستفيضة «زادت عصبيتى وخاصة على الأولاد وزاد إهمالى لنفسى ودخلت فى حالة اكتئاب وأصبحت فى دائرة مغلقة من الضغوطات التى لا تنتهى، وبالبحث عن مخرج فى ظل هذه الظروف بعد أن مللت الشكوى للأهل والأصدقاء المقربين الذين لم تخرج نصيحتهم عن التحمل من أجل الأبناء، وجدت ضالتى فى هذا التطبيق بعد العديد من الترشيحات الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعى».
قالت: «وبالفعل كان ملاذًا لى بالكلام دون خجل أو تنميق حتى أننى كنت أحيانًا أصرخ دون توقف».
وبسؤالها عن عدم لجوئها لزيارة طبيب نفسى مع أنها قد تكون فى حاجة إلى علاج بشكل جدى.
أجابت بأن زوجها يرفض ذلك بشكل حاسم قائلًا «انتى عاوزة تفضحينا»؟!
حالات كثيرة أصبح «شات جى بى تى» جزءًا من حياتها يسمع ويشخّص ويسطِّر فى النهاية روشتة علاجية فى كلمات قد تحمل صوابًا أحيانًا إذا جاءت فى سياق من النصائح العامة، ولكن نسبة الخطأ لا شك ستكون الأكبر إذا ما دخل فى تشخيص ما هو أعلى من حدود إمكانياته.

مساومات وابتزاز
الدكتور هشام ماجد استشارى الطب النفسى أكد أنه لا يمكن لـCHAT GPT القيام بمهام الطبيب النفسى لأكثر من سبب.
أولًا: التشخيص فى الطب النفسى يعتمد على مقابلة المريض ولا توجد أشعة أو تحاليل يتم الاعتماد عليها فى تشخيص المرض النفسى، ولكن عن طريق أفكار وكلام المريض يتم التشخيص.
وهنا يفتقر الذكاء الاصطناعى إلى مشاعر الود والإحساس بالمريض ومعاناة المرض.
ثانيًا: اختلاف المعايير الاجتماعية من بلد إلى آخر، فالسلوك المسموح فى بعض البلاد قد يكون سلوكًا ممنوعًا فى مجتمع وبلد آخر ويدل على عدم استقرار الحالة النفسية، وهذا لا يمكن أن يتحقق مع GPT.
ثالثًا: الخطأ فى التشخيص أو العلاج مع الطبيب النفسى وارد ولكن يتم إدراكه فى الاستشارة وإصلاحه، ولكن هذا غير متوفر مع GPT.
أما بالنسبة إلى أخطار استخدامه فقد تكون كارثية لو حدث اختراق للبرنامج من «هاكر» فتصبح أسرار المريض النفسى على المشاع ويمكن استغلال تلك الأسرار فى ابتزاز المريض ماليًا أو جنسيًا.
وفى السياق نفسه أوضح الدكتور أحمد الموافى استشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان، أنه نظرًا لسهولة هذه التطبيقات فيلجأ الكثير إليه كنوع من الفضفضة والحديث عن مشكلات اجتماعية أو نفسية أملًا فى حلها.
ولكن يبقى الجزء الإنسانى أو العاطفى غير موجود لأنه يجيب بشكل معلوماتى بإجابات عامة ونصائح أساسية هى نفسها قد تجدها بنفس السهولة على محرك البحث «جوجل».
وفى النهاية هناك جزء دوائى لا بد من التعامل فيه بشكل مباشر مع الطبيب المعالج، لأن الطبيب النفسى ليس مجرد فضفضة وروشتة ولكن هناك الكثير من التفاصيل التى تشكل جانبًا كبيرًا فى العلاج إلى جانب الجزء الدوائى، ومنها مثلا متابعة الحالة وأعراضها ومدى تطورها.
فمن الممكن أن يكون لشخصين نفس المرض ولكن قد تختلف جرعاتهما وفقًا لحالتهما التى تختلف فى الأعراض ودرجة المرض.
فقد يعانى كلاهما من اكتئاب ولكن أحدهما الاكتئاب مصحوب بقلة حركة أو فقد شهية وآخر الاكتئاب مصحوب بكسل أو خمول أو شره.
كذلك تقييم الطبيب للحالة، فأنا أقوم بفحص المريض بعينى وبكلامى والتفاعل معه وملاحظة تعبيراته وملامحه حتى شكل ملابسه.
فقد نلجأ أحيانًا فى بعض الحالات إلى الكشف أونلاين ولكن فى هذه الحالة نطلب بأن تكون «فيديو كول»، لأن الطبيب لا بد أن يقرأ الحالة بتفاصيلها التى تتدخل فى العلاج بشكل كبير.
كل ذلك بالتأكيد لن يراعيه هذا التطبيق أو غيره، إضافة إلى أن بعض المعلومات قد تكون مغلوطة لأنه فى النهاية آلة أو تطبيق بها معلومات ولكن غير دقيقة لأنه مفتقد لكل هذه التفاصيل الإنسانية والتى تساهم بنسبة كبيرة فى العلاج.
وعن لجوء البعض إلى chat gpt باعتباره طبيبًا نفسيًا خاصًا يقول موافى، إنه قد يكون مرضيًا للبعض على سبيل الفضفضة وأن احتياجهم لم يصل إلى درجة مرضية كبيرة؛ إنما من باب الاطمئنان بشكل ظاهرى. لكن الخطورة كما قال موافى أن يتم تشخيصه خطأ، ويترتب على ذلك دواء خطأ، إضافة إلى أن الأمراض النفسية أصعب من أن يتم حلها بالوصف أو مجموعة أعراض يوصف لها عقار معين؛ وإنما يتشابك الكثير من العوامل فى حلها، وقد لا يصف الطبيب علاجًا وتكون الحالة فى حاجة مثلا إلى جلسات علاج سلوكى فقط.
رغم الضجة المثارة حول تطبيق chat gpt قال الدكتور فؤاد الدواش معالج نفسى وسلوكى: إن هذا التطبيق لن يحل أو يقوم مقام المعالج النفسى وينتهى دوره بأن يقوم بإعطاء معلومات نفسية أو سلوكية وهذا لأسباب عدة.
وأضاف الدواش: الذكاء الاصطناعى قائم على فكرة نموذج التعلم العميق التى لم تصل من العمق أن تقوم بدور معالج نفسى، وخطورة هذه الأنظمة التى منها chat gpt أنها تختصر وتحجم كل فرص البحث والعمليات العقلية التى يقوم بها عقلك إلى عدد محدود من الأفكار قائم على مصدر واحد فقط، وهو بدوره مستمد من عقل الشخص الذى علمه، وبالتالى أهملت فكرة تعدد المصادر والبحث ووجهات النظر المتعددة واعتمدت فقط على فكرة المساعد.
وبالتالى ينفى الفكر المشاع أن الذكاء الاصطناعى يفتح آفاقًا متعددة للتعلم، لأن الحقيقة العكس تماما وما يحدث هو افتقار للمعرفة والمصدر.
وأكد الدواش أنه لا شك أن اللجوء لمثل هذه التطبيقات بكثرة يحدث نوعًا من الإدمان والتعلق المرضى، ومن ثم الدخول فى عزلة اجتماعية واكتئاب.