السبت 8 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

استحقاق البوكر عن جدارة

الإحساس بالنهاية!

جوليان بارنز
جوليان بارنز

وصفت ستيلا ريمنجتون، رئيسة لجنة تحكيم جائزة مان بوكر، رواية جوليان بارنز الحائزة على جائزة البوكر فى أكتوبر 2011، (الإحساس بالنهاية)، بأنها تتمتع بمزايا الأدب الكلاسيكى، وأنها تتحدث للإنسانية فى القرن الواحد والعشرين.



وقال عنها جستن جوردان، محرر باب الأدب فى مجلة الجارديان الأمريكية: إن الرواية تعد تأملًا عميقًا فى قضايا التقدم فى العمر والذاكرة والندم، كما أثنى مايكل بروجر محرر الفاينانشال تايمز على قدرة مؤلفها فى تطويع اللغة لهذا الغرض، ألا وهو الغوص فى أعماق النفس الإنسانية، لذلك هى تستحق أن تقدم لأفضل الجوائز الأدبية فى العالم. وقالت عنها أنيتا برونكرمن (الديلى تلجراف) إنها تشبه روايات الكاتب الأمريكى المعروف هنرى جيمز لما تصوّره من مأساة للقلب والذاكرة. أما الرواية فمؤلفها هو (جوليان بارنز) المولود فى لايستر بإنجلترا فى يناير عام 1946م. 

 

 

 

ولم تكن هذه هى الجائزة الأولى التى تفوز بها رواية له، لقد فازت روايته (مترولاند) بجائزة سومرست موم عام 1981، وروايته (ف. ب) فازت بجائزة جيفرى فيبر ميموريال عام 1985، بل رشحت رواياتان له فى القائمة المختصرة لجائزة البوكر، وهما (ببغاء فلوبرت) (1984)، و(إنجلترا،إنجلترا)(1988). 

الرواية ترجمها د.خالد مسعود شقير، راجعها د.حسين على الديحانى، وأصدرتها سلسة إبداعات عالمية عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت. وقول مترجمها عنها إنها تغوص فى أحد الصراعات الإنسانية الخالدة بين حاضر الإنسان وماضيه وهيمنة الماضى على الحاضر، بحيث يصبح شبحًا يطارد الشخصية الرئيسية وراوى القصة (أنتونى وبستر) ويلوّن وعيه الحاضر، لا سيما أنه فى أواسط العمر وعلى عتبة الشيخوخة، وبهذا فإن الراوى يحاول أن يتصالح مع ماض مشوّه ويبحث عن الخلاص من ندم على أحداث ماضية لا يستطيع تغييرها، فالندم، كما يصفه الراوى، هو شعور أكثر تعقيدًا، متخثر وبدائى. 

شعور سمته الرئيسية أنه لا يمكن فعل شيء حياله: زمن طويل جدًا مضى، ودمار كبير جدًا وقع، إلى درجة لا يمكن معها إصلاحه. فى ذكريات أنتونى وبستر علاقة ثلاثية مع حبيبة صباه، فخرج من حياتها بهدوء. بشكل جبان، غير مسئول. فيرونكا بعد فترة فى علاقة مع أدريان. علاقة لها طابع عجيب وترتيب غامض أدى فى النهاية وبشكل غير مفهوم إلى انتحار أدريان. وتمضى أربعون سنة من عمر أنتونى فى هدوء وسكينة بلا مطبات أو متاعب أو على حد وصفه (كانت الحياة تحدث له) تزوج زيجة ناعمة من مارجريت ومنها أنجب ابنته الوحيدة سوزى، وفى هدوء وتحضُّر طلّق زوجته واستقال من عمله وترك كل شيء. لتصله رسالة من فيرونكا التى ماتت عن قريب تاركة له خمسمائة جنيه وورقة كتب فيها أدريان يومياته قبل انتحاره. 

بشكل بروستى يبدو الماضى مشوشًا ويتداخل مع الحاضر، وعليه الآن إعادة تركيب ذكرياته وذاكرته، فى انعكاس لضلال الذاكرة الإنسانية، وبينما يتوقع أى شخص نهاية عمر هادئة ومنطقية، مكللة بالنضج والاستقرار، لكنه ينبغى أن يتوقع صدمة كالتى تحدث لأنتونى عند إحساسه بالنهاية، ويعرف أن البحث عن الذات مشوار مستمر لا يوقفه إلا الموت. 

أما رواية الإحساس بالنهاية فتنتهى بأمر لم يكن بطلها أنتونى يتوقعه على الإطلاق، وأن الرواية الجميلة تنتهى بصدمة للقارئ نفسه لم تكن لتخطر له فى بال، وتترك لديه الشعور بالرغبة فى إعادة قراءتها من جديد. ثمة لعبة من ألاعيب التذكّر والدماغ المنتبه وحنين المرء لماضيه الخاص. فما يبقى فى ذاكرتنا فى نهاية الرواية ليس هو ما قرأناه. أو كما قال أنتونى فى بداية الرواية: إننى أتذكر، ولكن ليس بترتيب معين!