الإثنين 10 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لماذا يسهل النيل من كل مختلف

«لأنى أسود»..

سعداء الدعاس
سعداء الدعاس

رواية بقلم عربى وفى بيئة أجنبية، تجربة معروفة ومكررة من عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم إلى موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، ثم بعض قصص ما وراء الطبيعة للدكتور أحمد خالد توفيق وحتى شيكاغو علاء الأسوانى. لكن الأديبة الموهوبة سعداء الدعاس فى روايتها (لأنى أسود) تتأمل الاضطهاد الذى تتعرض له جوان القاطنة فى حى للبيض قبل أن تتعرف على فوزي، الطالب الكويتى الذى يتزوجها ويطير إلى بلده ليجلب أمه تشهد مولد حفيدها، لكنها تسخط عليه بسبب زواجه من أجنبية وتعتبرها نزوة غبية لكن ابنها يصر فتتنازل.



هنا لا نعرف أن خياراتنا لا معنى لها، فقبل سفر الأم إلى ابنها بيوم واحد يقوم صدام حسين بغزو الكويت، فلا يستطيع فوزى حضور ميلاد ابنه (جمال) الذى يتولى من هنا حكاية الرواية ونعرف عذابه وهو يحاول أن يعرف هويته، لكن مجتمع شيكاغو يفرضها عليه فى الفصل الذى يحمل عنوان (أن أكون نظيفًا) فهو لا يعرف من كونه عربيًا مسلمًا سوى أن أمه لأبيه تقول: (كل عام وأنتم بخير يا حبيبي) بعربية طليقة.

الحوار عند سعداء كاشف بطبيعة الحال فهى بالأساس مخرجة مسرحية بارعة، حتى فى الرسائل النصية التى ترسلها ناتاشا لأختها جوان وتعبيرها التلغرافى عن محل ماكدونالدز الذى تعمل فيه.

الطلاّب الجوعى والكاونتر الذى يلمع دائمًا بالدهون ورائحة اللحم المثيرة للغثيان. الرواية تتناول مسألة أن تكون مختلفًا وما ردود الأفعال المختلفة عندما يصطدم هذا الاختلاف بالرفض. أنت أسود وعربى ومسلم، والأدهى أنك ترفض هويتك نفسها وتحب المكان الذى ولدت فيه، لكن هذا المكان ينال من كل مغاير، حبشى أو سعودى أو فلبينى، حتى بنات فرقة ديكسى شيكس بلونهن الأشقر تعرضن للمنع والإقصاء عندما انتقدن سياسته، حتى جوان تجد الآسيويات المضطهدات فى كل مكان يبتسمن للشقراوات ويقطبن فى وجهها!

هذه رحلة لا تنتهى عن عالم الحق والفضيلة ومواطن النعيم والفراديس الأرضية والسؤال عن جدوى التفكير العنصرى فى حد ذاته صار عتيق الأهمية وبلا إجابة، وما هو فى هذه الرواية إلا مدخل استنكارى يبرر الهجوم على ظاهرة توحش العداء والاختلاف ضد فرص التفاهم والاحتواء.