الخميس 23 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

40% من الأمريكيين يؤمنون بالتنجيم وقراءة الكوتشينة

أوراق التاروت فى عيد الأشباح!

يعتبر شهر أكتوبر فى الكثير من الولايات الأمريكية شهر المغامرات المرعبة! 



ثمار اليقطين أمام المنازل، الأزياء التنكرية التى تحمل صور المسوخ وقراءة قصص الرعب حول المدفأة، هى بعض طقوس الاحتفالات السنوية بعيد (هاللوين) أو (عيد جميع القديسين) وأحيانا يسمونه عيد الأشباح، الذى دأب الأمريكيون على الاحتفال به فى الـ 31 من أكتوبر من كل عام. 

 

 

 

ولا تنأى تلك الطقوس الاحتفالية ولاية فيرجينيا الواقعة على الساحل الشرقى للولايات المتحدة ، بل إنها أولت اهتماما خاصا ببعض المراسم المصاحبة لعيد (هاللويين) التى يركز فيها الكثير من المحتفلين على قراءة الطالع ومطالعة أوراق التاروت، تلك الظاهرة التى تنامت فى السنوات الأخيرة حتى باتت أشبه بالهوس بملايين الدولارات! 

وأفادت دراسةٌ حديثةٌ أجراها مركز «بيو» للدراسات بأن 40% من الأمريكيين يؤمنون بالتنجيم وقراءة الطالع باستخدام أوراق الكوتشينة أو بطاقات التاروت ! 

وأتاحت فيرجينيا الفرصة أمام بعض المراكز الثقافية والمتنزهات الترفيهية مثل مركز ورك هاوس للفنون فى مقاطعة (لورتون) ومزارع كوكس فى حى (سنترفيل) لتجهيز فعالياتٍ خاصة احتفالا بالمناسبة لا تنحصر فى جلسات (قراءة الطالع ) بحضور المريدين من السكان المحليين أو الزوار الأجانب.

 

 

 

ولكن الدعوة امتدت لإفساح المجال أمام الباحثين فى علم الاجتماع لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات التى تهتم بتسليط الضوء على تنامى الإقبال على قراءة (أوراق التاروت) وضرورة إخضاع تلك الظاهرة للدراسة. 

قلق المستقبل

منذ فجر التاريخ، استحوذ شغفُ معرفة المستقبل وسبر أغوار المجهول على اهتمام الإنسان، فدأب على مر القرون على التماس السبل لقراءة الطالع واستشراف ما تخفيه الأقدار عبر ممارسات مختلفة تراوحت بين قراءة الكف واستطلاع خرائط النجوم وغيرها من مظاهر التنجيم ! 

لكن ومع تطور العقل البشرى انحسر دور السحر والخوارق فى تفسير الظواهر المحيطة بالإنسان تدريجيا لصالح إتاحة الفرصة أمام المنهج العلمى الدقيق والمنطق العقلانى فى التعاطى مع الكون وأسراره. 

وتندرج قراءة أوراق التاروت التى هى أشبه ما تكون بأوراق الكوتشينة فى إطار ما يعرف اصطلاحا بالـ«العلم الزائف» الذى قد يتخذ قالبا يبدو أنه علمى، لكنه قالبٌ أجوفٌ خادعٌ لا يحمل من سمات العلم إلا اسمه فقط .

 

 

 

وتباينت تفسيراتُ العلماء لأصول التسمية فمنهم من يعتبر أن كلمة (تاروت ) مركبة من كلمتين هما (تا) و (رو) وهى هيروغليفية تعنى الطريق الملكى فى مصر القديمة. 

ووصف الكاتب الفرنسى كورت دو جيبلان عام 1781 أوراق التاروت بأنها كتابٍ يلخص حكمة المصريين القدماء وضعه الكهنة دليلا تسترشد به الأجيال اللاحقة.

لكن فريقا من الباحثين يرى أن اللعبة حديثة النشأة وأنها وجدت فى أوروبا زمن القرون الوسطى تربة خصبة، فكانت تحمل اسم تاروت فى فرنسا وانجلترا ولقب تاروت شينى فى إيطاليا وتاروك فى ألمانيا والنمسا، المسميات التى عرفت بها اللعبة قبل أن تنتشر فى مختلف أنحاء أوروبا ومن بعدها أمريكا وبقية دول العالم.

78 ورقة

وتتألف أوراق التاروت من 78 بطاقة يمثل كل منها جانباً من تجارب الإنسان واتصاله وتفاعله مع محيطه .

وتحمل كل ورقة صورة رمزية ورقما، الصورة تحمل تفسيرات مستمدة من علم الفلك كما للرقم دلالة فى علم الأرقام .

وتنقسم أوراق التاروت إلى مجموعتين، الأولى تضم 56 ورقة وتسمى السر الأصغر والثانية تضم 22 ورقة وتسمى السر الأعظم.

ولهذه الأوراق ترتيبٌ معين يمكن للملمين بالتاروت أن يجدوا فيها قصة كاملة يكون طالبُ القراءة بطلها.

وتكشف رسومات بطاقات «السر الأصغر» عن السمات والمميزات التى تعبر عن الإنسان، بينما ترمز الـ 22 ورقة الخاصة بمجموعة «السر الأعظم» إلى العلاقة الأزلية بين الخير والشر.

وذهب بعض المؤرخين إلى أن أوراق (السر الأعظم) كانت نبوءات استشرفت أحداث واحد وعشرين قرنا منذ ميلاد السيد المسيح وصولا إلى الوقت الحاضر ! 

فورقة «الساحر» تشير إلى القرن الأول الميلادى لظهور المسيحية، والتى كانت فترة تاريخية حافلة بالسحرة والمشعوذين.

 

 

 

بينما ترمز ورقة «الكاهنة العظمى» إلى نشأة الكنيسة وازدهارها فى القرن الثانى الميلادي.

وترمز ورقة «الإمبراطورة» إلى عظمة الإمبراطورية الرومانية .. 

وهكذا تمضى المسيرة فى استعراض 22 ورقة من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مثلا المشنوق : وهى ورقة يظهر فيها شابٍ معلق من قدمه اليمنى الى المشنقة فى إشارة إلى الإستسلام والتضحية بالنفس، والقوة، وهى ورقة مجسدة بصورة رجل يصارع أسداً، وصولا إلى الورقة الأخيرة وهى ورقة العالم التى يرجح المؤرخون أنها تتناول الوقت الحاضر.

وبحسب دراسة نشرت فى مجلة فورس عام 2024 يفسر علماء النفس ميل المتلقى لتصديق ما يلقيه العراف على مسامعه حول قدرة التاروت على كشف خبايا المستقبل، بأنه نوعٌ من الانحياز المعرفى الذى لا يعدو كونه نمطا من الانحراف عن العقلانية فى الحكم على الأمور.

ويرتكز هذا السلوك على استعدادٍ فطرى لدى المتلقى لتقبل تلك التفسيرات غير العقلانية للسيطرة على إحساس القلق والخوف من المستقبل.

ويلفت خبراء علم النفس إلى أن كاريزما العراف وقدرته على الإقناع لهما دورٌ كبيرٌ فى حبك اللعبة ! 

وأوراق التاروت فى ذاتها كسلعةٍ تحمل مقوماتٍ تساعد على الترويج، فأوراق اللعب تضم رموزا لها دلالاتها وأسلوبها الخاص فى إضفاء حالة من الغموض والقدسية المفتعلة يزيد من تأثيرها استخدام بعض النقوش التى تحمل مفردات لغاتٍ قديمة كالعبرية والفينيقية والمصرية القديمة، ما يزيد من تأثيرها.

وتظل أوراق تلك اللعبة فى نهاية المطاف تتأرجح بين العلم والخرافة لكنها تبقى مجرد لعبة، قد يجد المهتمون فيها موضوعا للبحث، رغم مبيعاتها العالية فى المتاجر وتداولها فى نسخ رقمية على الإنترنت مثلها مثل (الويجا) وأوراق الكوتشينة وحاسبة الحظ التى تنجح كثيرا فى التخفيف من ضغوطات الحياة.