حكايات 60 سنة صحافة ـ الحلقة 61
.. ومازلنا مع فاتن حمامة!
                        منير مطاوع
أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة.
ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة.

ونواصل مع سيدة الشاشة العربية..
فى حديثى النادر مع فاتن حمامة وهو آخر حديث صحفى أدلت به، فيما أعتقد، مع أنها لم تكن تميل إلى الأحاديث الصحفية ولا أذكر أننى قرأت لها حديثًا.
لكننى استطعت أن أحصل منها على بعض الاعترافات الخاصة بأسلوب عملها ونقاط الضعف لديها مثل عدم الغناء والرقص.. وعدم القدرة على التحدث إلى جمهور كبير.
واعترافات أخرى كشفتها ببساطة وثقة وبلا مواربة أو ادعاء.
وهذه من علامات عظمة هذه الشخصية الفاتنة اسمًا وفعلًا..
حضرت متخفية ندوة عن فيلم جديد لمخرج جديد وفنانات جديدات حتى تتابع كل جديد فى عالم السينما الذى أمضت فيه كل حياتها منذ الطفولة.

لكنها كشفت عن شخصها حتى تتمكن من الدفاع عن هذا الفيلم ومخرجه وبطلاته.
فهذه هى «سيدة الشاشة» بحق..
الدكتوراه والمسئولية
■ سألتها: نعود إلى الدكتوراه.. هل حملتك المسئولية؟
- (تضحك فاتن حمامة) قائلة: الواحد مش عايز أى مسئولية جديدة الآن!
وأكملت: هذا تقدير أفتخر به جدًا.. ولكن لا أريد أى مسئوليات.. فى نهاية حياة الإنسان الفنية لا يحتاج إلى تحمل أى أعباء جديدة.. وتقدير مثل هذا يجعل الإنسان سعيدًا لأن جهده لم يذهب هباء.. إنه تقدير يدفعك ويحمسك للاستمرار.
■ فى الغرب يذهب الفنانون الكبار إلى الجامعات ومعاهد الفنون.. يتحدثون عن خبرتهم وثقافتهم .. لا يكتبون المحاضرات ولكن فقط يتحدثون عن خبراتهم.. ويجيبون على أسئلة طلبة الفن.. هل يكون هذا متعبًا لك؟
- تعاود الضحك: أنا متحدثة رديئة جدًا.. ولو وقفت على منصة لأتكلم..سينغلق فمى تمامًا!
ولكن أعرف أتكلم فى التليفون.. أو أمام عشرة أشخاص.. ولكن لا أعرف أبدًا التحدث إلى عدد أكبر!
■ يذكرنا حديثك هذا بالأستاذ إحسان عبد القدوس الذى كانت لديه هذه الصفات.
يقول إنه يكتب ببراعة.. ولكن عندما يكون مطلوبًا منه الحديث إلى جمهور كبير يقول «كنت أنكسف وأخجل.. وأرتبك»!
- إحسان كان يعبر بالقلم بطريقة رائعة..لكن لم يكن خطيبًا.
وكل إنسان وله مواهب، فأنا أعبر بعملى كممثلة عن أشياء كثيرة.
وأقول حاجات كثيرة وهذا هو المطلوب، لو كل واحد يؤدى عمله على أحسن وجه سنصبح فى حالة عظيمة!

■ السؤال الذى يتردد هو: لو أنك بدأت من جديد.. هل ستختارين الطريق نفسه؟
- لا أعرف.. فى الحقيقة!
إننى أحب الفن .. أحب كل ما يتعلق بعملي، البحث عن رواية.. نص.. كيفية وضع السيناريو.. التفتيش عن الشخصية ودراستها.. وأسلوب تقمصها.. هذه الأمور الدقيقة.
■ هل تفضلين الآن العمل فى التليفزيون أم السينما؟
- حاليًا أفضل العمل فى التليفزيون.. لأنه أصبح قريبًا جدًا من الناس، والسينما الآن أصبحت لها متطلبات صعبة جدًا.. حتى تحقق نجاح الفيلم، فلم يعد شرطًا أن يكون هناك مخرج حيد.. وقصة هائلة.. ومصور كويس.
فليست هذه شروط كافية للنجاح الآن.
■ هل ترين أن هناك أسبابًا أخرى لنجاح الفيلم الآن؟
- نعم، أصبحت هناك أسباب أخرى لأن المتغيرات لدى الجمهور أصبحت كثيرة قوي، ولكى ترضيه وتحصل على إيرادات عالية فى الفيلم لا بد من اتباع شروط خاصة، وهذه أمور لا أستطيع الاستجابة لها.. ما أقدرش عليها!
أما التليفزيون فيصل إلى الناس بسرعة أكثر وتأثيره أكبر قوى.. وطبعًا فيه تواصل مع القصة والشخصيات وحلقات المسلسل.
■ بالمناسبة، من هم أفضل كتاب السيناريو لديك؟
- هناك كتاب كثيرون.. ولن تسعفنى الذاكرة بالأسماء كلها.. وفى التليفزيون هناك أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وآخرون ممتازون.
هؤلاء الكتاب
■ طبعًا تكوينك ودراستك وذوقك وخبرتك وتعاملك مع كبار النجوم والمخرجين والكتاب والفنانين.. يفيدك فى هذا، هل يمكن أن نسألك من هم الكتاب الذين أثروا السينما فى تقديرك؟
- كل الكتاب الذين قمت بأدوار فى رواياتهم أثروا السينما.
هناك الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى.. قدمنا له «دعاء الكروان» و«الأيام» وروايات أخرى وهناك الأستاذ إحسان عبد القدوس ورواياته العديدة.
وحتى رواياته السياسية كانت ناجحة جدًا فى السينما.
وأذكر أننا اخترنا مرة قصة كتبها وأعدنا صياغة الشخصية البطلة فجعلناها امرأة بدلًا من رجل.. وجدناه يتكلم عن الديمقراطية فعملناها فى قالب بسيط وصورناها وهى «إمبراطورية ميم»!
والأستاذ نجيب محفوظ طبعًا أثرى السينما جدًا.. ويوسف إدريس عملنا له أعمالًا عظيمة «الحرام» وغيرها وغيرها.. ويوسف السباعى طبعا أثرى السينما جدًا.
والجيل الحالى من الكتاب والأدباء الجدد لهم أعمال سينمائية.. وعندما ينتجون المزيد سوف تختار السينما أعمالهم.
زمان كنا نأخذ الروايات الصعبة مثل «دعاء الكروان» ونقدمها للجمهور لكن الآن نقدم الأعمال السهلة، لكى تتماشى مع الجمهور.. ومع المنتج الذى يتطلع للمكسب.. زمان كان المنتج فنانًا أولًا!
■ نلاحظ الآن أنه تتم إعادة تقديم لأعمال مثل «رد قلبي» التى قدمت أخيرًا كمسلسل تليفزيونى.. هل شاهدت هذا المسلسل؟
- للأسف لم أشاهده.. ولكن أريد أن أقول أن العالم يكرر تقديم الروايات والأفلام، هناك أفلام قدمت فى الأربعينيات وقدمت مرة أخرى.. بل أكثر من مرة، فهذا شائع وليس فيه أى غرابة!
■ يعنى هل تعتقدين أنه يمكن تقديم فيلم «دعاء الكروان» مرة أخرى.. أو فيلم «الحرام» مثلًا؟!
- لا أعرف.. فكلاهما أصبحا من كلاسيكيات السينما العربية.
شهادة فاتن
■ روت لى الفنانة ليلى علوى قصة موقف تعتز به وتعتبره شهادة تقدير تفوق كل ما حصلت عليه من شهادات تقدير وجوائز..هو موقفك عندما تعرض جمهور ندوة حول فيلم «يادنيا ياغرامي» لنقد نجمة الفيلم.. وقالت لنا أن مخرج الفيلم مجدى أحمد على الذى كان حاضرًا الندوة اتصل بها وأخبرها بموقفك الممتاز، هل تروين لنا ما حدث وكيف كنت تنظرين للأمر ككل؟
- أنا اتفرجت على هذا الفيلم.. أعجبنى قوى.. وهذا الفيلم يحكى عن شابات من جيل هذه الأيام، وما أذكره عن هذا الفيلم إن ليلى كانت ممتازة وإلهام ممتازة وهالة أيضًا. وأحسست أن الثلاثة صديقات حقيقيات، وأنهن فى حالة تعاون حقيقى وليلى كانت على سجيتها جدًا.. وطبيعية جدًا، والنجمتان الأخريان أيضًا، وأحسست أن المخرج مجدى أحمد على قام بدور كبير فى لم شملهن بطريقة جعلتهن يؤدين هذا المستوى الممتاز.. والفيلم الحقيقة كان ممتازًا والأداء هائلًا.
■ ولماذا كان الاعتراض إذًا؟!
- كانت هناك سيدة تعترض على أن تقوم شابة فى ليلة زفافها بالرقص فى فرحها!.. فالحقيقة أنا قلت إنه فى أجيالنا لم يكن هذا يحدث.. وقالت السيدة أنه فى زمن فاتن حمامة لم يكن هناك مثل هذا.. وطلبت من أن أقوم وأتكلم وأرد عليها.
وما أذكره أننى يومها قلت لها إنه فى أجيالنا لم يكن الأمر كذلك، كانت العروس تجلس خجلانة وساكتة.. لكن الآن كل عروسة تقوم وتحيى الفرح و«تهيص»!
سر الرشاقة
■ أريد أن أسأل كيف تحافظين على رشاقتك فى الوقت الذى نرى فيه نجمات السينما هذه الأيام فى حالة غير رشيقة على الإطلاق؟!
- أعتقد أن الأكل هو أكبر عدو للرشاقة، لو الواحد أغلق فمه قليلًا سيكون شكله أحسن!
■ والرياضة؟
- طبعًا فيه شوية رياضة.. لكن بسيطة، المشى مثلًا.. لكن مش رياضة قاسية.
■ وماذا عن راحة البال، يعنى أن يكون الإنسان فى حالة نفسية طيبة.. لا يكره أحدًا.. لا يتعصب لشىء.
- الحمد لله.
■ هل ساعدك أنك متزوجة من طبيب، فأصبحت حريصة على رشاقتك؟
- ربما.
■ هل لزوجك أى دور فى حياتك الفنية؟
- هو طبعًا يتذوق الفن والموسيقى والمسرحيات والأفلام الجيدة، وأحيانًا أسأله عندما أقرأ سيناريو أو رواية ويقرؤها ونتبادل الآراء.
■ وكيف تمضين أوقات فراغك بعيدًا عن العمل؟
- مع الأولاد والأحفاد .. ونذهب إلى الواحات والسواحل الجنوبية والشمالية المصرية.. ونسافر كثيرًا.. و«الويك إند» مقدسة بالنسبة لنا.
وفى الأسبوع المقبل نواصل.