حكايات 60 سنة صحافة ـ الحلقة 60
حديث نادر مع فاتن حمامة!
منير مطاوع
أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة.
ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة.

متى كانت آخر مرة قرأت فيها حديثًا صحفيًا مع سيدة الشاشة العربية؟
أعتقد أنه الحديث الذى وافقت فيه فاتن حمامة على إجرائه معى.
كنت محظوظًا بأن قبلت الفنانة القديرة أن تستجيب لرغبتى.. والحقيقة هى أننى كنت مندهشًا..
لا أكاد أصدق نفسى.
وكتبت متسائلًا: إذا كانت هذه الفنانة التى يندر أن تكون قرأت لها حديثًا صحفيًا على مدى حياتها الفنية الطويلة، قبلت محادثتى، فهل يعود ذلك لأن اسمى منير وهو اسم أخيها الكبير؟.. أم أنها أرادت أن تقول شيئا؟
سيدة الشاشة فاتن حمامة هى عصر كامل من الفن والذوق والثقافة.. والمشاعر والذكريات والوقائع والحكايات الحية فى ضمير الملايين من الناس، ولا تحتاج إلى مقدمة للحديث معها .. ولا مناسبة للاستماع إليها .. ونحن نحتفل بها ونستمتع بصحبتها ورقتها .. وعفويتها ونحب أن نشرك القراء هذه المتعة.

فهى بفنها شكلت ملامح من حياتنا وعواطفنا، وأفكارنا عن الحياة والناس، وأجيال وراء أجيال تعرفها وتعشق فنها وتضعها فى مكانة خاصة بها.
التقيتها فى نهاية القرن الماضى سنة 1999 وكنت وقتها مديرًا لتحرير مجلة «المشاهد السياسي» فى لندن، وعندما تحدثت إليها كانت آخر أخبارها منحها درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية فى القاهرة.

فوجدت نفسى أسألها فى البداية: هل أقول صباح الخير يا مدام فاتن.. أم يا دكتورة فاتن؟
ابتسمت بتواضع وهى تردد على الفور:
فاتن وبس!
■ قلت: لدينا أعداد هائلة من حملة درجة الدكتوراه.. لكن لدينا فاتن حمامة واحدة، دعينى أسألك عن أعمالك الفنية الجديدة..ما هى المشروعات المقبلة؟
قالت: هناك عدد من المشروعات الفنية..لمسلسلات تليفزيونية ندرسها ونبحثها مع المؤلفين وكتَّاب السيناريو.. ولكن لم ننته إلى شيء محدد بعد.

أنا والأجيال الجديدة
■ قلت الأجيال الجديدة من نجمات السينما يتطلعن إليك كمثل أعلى.. وبعض نجمات السينما الآن ينظرن إلى خبرتك ومسيرتك وتميزك ويتساءلن.. وآخرهن الفنانة ليلى علوى التى تحدثنا إليها قبل أيام فقالت لنا إنها تتمنى أن تعرف كيف تيسر لك الحفاظ على صورتك وملامح شخصيتك الفنية الممتازة رغم الظروف التى تغيرت وتتغير كثيرًا..أحوال السينما والصناعة وأحوال البلد.. ماذا يمكن أن نقول لهن باختصار شديد؟!
أنا بأقول إن المسألة عايزة من الفنان إنه يصمم على أفكاره عن فنه.. وإنه يصبر شوية حتى لو بقى لمدة سنة من غير شغل..سيجد ما يليق به، أو ما يعتقد أنه يثبت به موهبته أو يخدم به العالم الذى يعيش فيه.
■ فكرتنا عن الفنانة فاتن حمامة أنك حريصة جدًا عند اختيار أعمالك.. وأنك تذاكرين جيدًا أدوارك وتفاصيلها.. وأنك كلما بدأت عملًا جديدًا.. تكونين مثل فنانة شابة جديدة فى عالم الفن.. هل هذا صحيح؟
ــ لا أستطيع أن أقول هذا عن نفسى..لا أعرف إن كنت أعمل هكذا أم لا.. أرجوك اسألنى أسئلة أستطيع الرد عليها!
■ عندما تبدئين الآن عملًا فنيًا جديدًا.. ما هو إحساسك؟
بالنسبة للشغل الجديد.. الواحد بيحاول يلاقى الدور اللى بيعمله..أول يومين ثلاثة تكون المسألة صعبة جدًا.. لكى تدخل ثوب الدور.. إحساساته.. ملابسه.. شكله، وبعد ذلك يجد الإنسان نفسه وقد تعايش مع الدور ويكون كل شيء أسهل بالنسبة لى.
■ شاهدنا لك أعمالًا عديدة جدًا.. هل ما زالت هناك أدوار أو شخصيات لم تقدميها بعد؟!.. هل هناك تطلعات أو موضوعات جديدة؟!

الحقيقة..لا!
أهم شيء أن تكون هناك رواية جديدة بأفكار جديدة «بتقول كتير» وفيها دور كويس .. وهذه متطلبات صعبة جدًا.
■ صعبة جدًا فى الوقت الحالى ولكن فى أوقات سابقة كانت أسهل.
مرة واحدة سنجد أنها متوفرة.
■ كما قلت لنا فى بداية حديثنا فأنت تشجعين الكتَّاب وتشاركينهم فى تحضير الموضوعات الدرامية.
لا أشارك فى التحضير.. ولكننى ناقدة جيدة.. وهذا أسهل شيء بالنسبة لإنسانة لا تكتب الأدب والقصص، فالكتاب هم الذين يتعبون.. ولكن عندما أنتقد..أنتقد كمتفرجة، يعنى عندما أقرأ رواية أحس خلال القراءة أننى أشاهدها.. باتفرج عليها كفيلم، وأستطيع أن أضع يدى على المنطقة التى شعرت فيها بالملل.. وأين كنت مبسوطة. وبعد خبرتى الطويلة مع قراءة السيناريوهات، أصبحت ناقدة جيدة لها.
■ بالمناسبة، من هم أفضل كتَّاب السيناريو لديك؟
هناك كتَّاب كثيرون ولن تسعفنى الذاكرة بالأسماء كلها.. وفى التليفزيون هناك أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن وآخرون ممتازون.
■ هل تفضلين الآن العمل فى التليفزيون أم السينما؟
حاليًا أفضل العمل فى التليفزيون لأنه أصبح قريبًا جدًا من الناس، والسينما الآن أصبحت لها متطلبات صعبة جدًا حاليًا.. حتى تحقق نجاح الفيلم، فلم يعد شرطًا أن يكون هناك مخرج جيد.. وقصة هائلة.. ومصور كويس. فليست هذه شروط كافية للنجاح الآن!
■ هل ترين أن هناك أسبابًا أخرى لنجاح الفيلم الآن؟
نعم أصبحت هناك أسباب أخرى لأن التغييرات لدى الجمهور أصبحت كثيرة قوى، ولكى ترضيه وتحصل على إيرادات عالية فى الفيلم لا بد من اتباع شروط خاصة، وهذه أمور لا أستطيع الاستجابة لها .. ما أقدرش عليها!
■ هل تعتقدين أن الأزمة التى تمر بها السينما فى الوقت الحالى سوف تمر؟
والله.. هناك بداية نهضة للسينما.. وبدأت رؤوس أموال جديدة تدخل صناعة السينما وهذه خطوة طيبة جدًا.
فاتن وزيرة!
■ لو كنت وزيرة الثقافة مثلا.. ماذا يكون أول قرار تتخذه فاتن حمامة الوزيرة؟
(تضحك قبل أن تبادر إلى القول):
أول حاجة أعملها؟!.. أسيب الكرسى وأجرى.
(وبعد تبادل الضحكات معها) تشرح لنا كيف أنها ترى أن عملها وما تفهمه هو الفن والتمثيل.. شغلتى التمثيل .. وقراءة الروايات.. كيف نفهمها كيف أعالجها كيف أقدم الأفكار وأجسدها للناس.. وهذه وحدها مسئولية كبيرة بالنسبة لي.
أما القرارات والإدارة والوزارة فليست من اهتماماتي..أنا سعيدة جدًا بدورى كفنانة.. ويكفينى جدا.
■ منْ مِن نجمات السينما الجديدات تعتبرينها امتدادًا لفاتن حمامة؟
ليس هناك فنان يعتبر امتدادًا لآخر..إطلاقًا، مفيش حد جاء بعد نجيب الريحانى، ولكن جاء فؤاد المهندس وبعده عادل إمام وهناك محمد صبحى.. كل واحد بلونه، واحد ناجح بطريقته.. وبالتالى فأنا موجودة وهناك سعاد حسنى جاءت بعدى وكانت هائلة.. هناك فنانات كثيرات ناجحات الآن، ولكن مفيش حد امتداد لحد.. كل واحد له لونه وله طريقته.
■ لو عرِض عليك مشروع فيلم جميل والمنتج يتطلع لمكسب معقول وظروف العمل معقولة؟!
لا..لا.. صعب بالنسبة لي.. مش عايزة أفلام.. أولا صعب علىَّ قوى التصوير الخارجى الآن، فأفضل التليفزيون لأنه تصوير داخلى.
■ نعرف أنك قدمت أعمالك فى السينما والتليفزيون.. ولم تقدمى أعمالًا مسرحية..
..لا .. كفاية!
■ وأيضًا لم تغنِ فى أفلامك أبدًا.. هل هناك سبب؟!
- لم أغن أبدًا .. صوتى «وحش»!..لست موهوبة كمغنية.
■ فى اعتقادك من كانت أحسن فنانة كانت تجمع بين القدرتين.. التمثيل والغناء على شاشة السينما؟
ليلى مراد.
هل لديك ذكريات عن ليلى مراد؟
كانت سيدة رقيقة جدًا.. قابلتها كثيرًا زمان، وصوتها دايمًا جميل وكما نشاهدها فى الأفلام رقيقة.. هى طبيعتها رقيقة.
■ مثل فاتن حمامة!
وفى الأسبوع المقبل بقية الحوار