الأربعاء 8 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نصوص وثائق إسرائيلية

مروان يورط زامير ويخدع الموساد

 لقبه الإسرائيليون من قبل  بـ«الملاك» واليوم استجد لقب  جديد أسماه فيه الشارع الإسرائيلى  بـ«ملاك الأكاذيب» و«الشيطان» و«الخدعة الأكبر».



رجل واحد أربك عقول  رجال جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد، وجعل من أسطورته ترابًا منثورًا بعدما كسر ما كان يتوهمونه فيه من هيبة.

 أشرف مروان أهم عميل استخباراتى فى التاريخ.. الظل الذى نسجت حوله أخطر الروايات.. ظل عقودًا يتجول فى ذاكرة الموساد كأعظم انتصار استخباراتى فى حلم عاشه أولاد العم لأكثر من نصف قرن، قبل أن تتحول تلك الذاكرة إلى لعنة تكشف أن ما اعتبروه حاميهم كان سبب هزيمتهم. 

 

 

 

أدرك الإسرائيليون أن الوجه الذى ابتسم لهم وخدعهم ببراعة كان الحقيقة ولاؤه الأول والأوحد لوطنه مصر، يخط سطورًا للمجد لا تعرف الخيانة.

 ومنذ أيام، استفاق الإسرائيليون على كابوس جديد، فتم كشف انتصار استخباراتى حققته المخابرات المصرية على الموساد . 

بطله كان أشرف مروان، الذى لعب الدور الأخطر فى هزيمة إسرائيل عام 1973، ليعيد التاريخ نفسه من جديد.

 ففى مثل هذه الأيام كانت القوات المسلحة المصرية تلقن العدو درسًا لا ينسى، واليوم يتلقى الموساد درسًا أكثر إيلامًا فى العمل الاستخباراتي. 

 الحقيقة حاول الموساد إخفاءها لعام كامل، انفجرت فجأة إلى العلن مع تصاعد الغضب  الداخلى فى إسرائيل بسبب خسائرها فى الحرب الإسرائيلية - الفلسطينية، وتورطها فى  المواجهة مع إيران، فضلًا عن استمرار بنيامين نتنياهو فى الحكم . 

 ومع ازدياد الاحتقان، اشتعلت الصحافة الإسرائيلية بهجوم متواصل على النظام، حتى تسلمت وثائق مسربة من داخل الموساد، فسارعت إلى نشرها وفضح الجهاز الذى طالما تباهى بسطوته، لتكسر هيبته أمام العالم، وتكشف مدى هشاشته. 

 وشنت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية هجومًا واسعًا على جهاز الموساد، مؤكدة أن أشرف مروان، الذى عُرف لديهم بـ«الملاك» واعتُبر لسنوات أفضل جاسوس عرفته المخابرات الإسرائيلية على الإطلاق، كان هو الصوت الذى أصغت إليه الحكومة بكاملها، وأنه استطاع التلاعب بعقول رجال مخابراتهم ورجال  الحرب عندهم ليساهم فى حرب الخداع المصرية  قبل حرب أكتوبر . 

تحقيق موسع أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت فى ملحق «7 أيام»، استند إلى آلاف الوثائق السرية غير المنشورة ومقابلات نادرة مع مشاركين فى العملية كشف مؤخرًا أن مروان كان رأس حربة خطة الخداع المصرية قبيل الحرب وأثناءها، وأنه نفذ مهمته بنجاح فاق كل التوقعات. 

 وأشار التحقيق إلى أن غطرسة ضباط  الموساد وغرورهم المهنى  كانتا السبب المباشر وراء سلسلة من الإخفاقات الجسيمة، ليظهر مروان فى النهاية كواحد من أخطر الذين تمكنوا من اختراق المخابرات الإسرائيلية.

 ويبقى السؤال الذى طرحته الصحيفة ساخرة: هل استوعب الموساد الدرس القاسى بعد كارثة «الملاك»؟

 

 

 

  بداية الأسطورة 

 وترجع بداية العملية الاستخباراتية المصرية إلى عام 1965، حين تعرّف على منى عبدالناصر وتزوجها لاحقًا، ثم عمل فى  مكتب والدها الرئيس عبدالناصر، وانتقل مع زوجته إلى لندن 1968 لإكمال دراساته.

 وهناك حاول الاتصال بالسفارة الإسرائيلية عدة مرات لعرض خدماته.

 وفى 1970، بعد وفاة عبدالناصر وتولى السادات الحكم، استمر أشرف فى محاولاته للتواصل مع الإسرائيليين حتى نجح.

 وفى أول لقاء، معه قدّم للموساد وثائق عسكرية مصرية حساسة، منها هيكل الجيش، دون أن يطلب مقابلًا أو يناقش أجرًا.

 وأخطر ما عرضه أنه «سيبلغ إسرائيل بأى نية مصرية لشن حرب»، وزوّدهم بمعلومات واسعة عن الجيش والعلاقات الخارجية المصرية، حتى قيل عنه وقتها إنه «عشرة جواسيس فى شخص واحد»، على حد قول الصحيفة العبرية.

ونجح أشرف مروان فى كسب ثقة ضباط الموساد بسرعة لافتة، حتى اعتبروه «هدية من السماء»، وأطلقوا عليه لقب«عميل من الأحلام».

 وروى أحد كبار مسئولى جهاز المخابرات الإسرائيلى الذين شاركوا فى حرب يوم الغفران، أن مروان زودهم منذ اللحظة الأولى بكميات ضخمة من الوثائق السرية عن تحركات كبار القادة المصريين، وهو ما جعله فى نظر الإسرائيليين «معبود الجماهير».

 المفارقة المضحكة، أن ديفليد برنياع، رئيس  الموساد الحالي، لم يتردد منذ عامين خلال احتفال أقامه بمناسبة مرور خمسين عامًا على حرب يوم الغفران، داخل مقر الجهاز نفسه، فى وصف مروان بأنه «عميل أسطوري».

 وبرنياع، شأنه شأن قادة الموساد من قبله، رفض رفضًا قاطعًا كل الادعاءات حول كون مروان عميلاً مزدوجًا، مؤكدًا أن هذه المسألة جرى بحثها مرارًا داخل الجيش والموساد، وأن النتيجة دائمًا واحدة: «إنه عميل استراتيجي، ومن يزعم غير ذلك، فهو ببساطة لا يفهم عالم الاستخبارات»، قبل أن تنكشف الوثائق الجديدة، ويضطر الموساد إلى الاعتراف بما استطاع مروان أن يمارسه عليهم من خداع. 

  تجنيد زامير

 لم يكد أشرف مروان يتجاوز التاسعة والعشرين حتى صار ضلعًا فى المخابرات الإسرائيلية؛ وصديقًا مقربًا لرئيسها آنذاك «تسفى زامير»، ومصدر الثقة الأول لرئيسة الوزراء  جولدا مائير، التى كانت تتخذ قراراتها المصيرية بناءً على ما ينقله لها. 

 وكتب زامير فى مذكراته سبب ثقته بمروان: «إن وجوده فى محادثات السادات مع جنرالاته  أتاح لى دخول قاعدة النقاش، كما لو كنت حاضرًا فيها بنفسي». 

 وورد بوثيقة الموساد، أن مروان كان الوحيد بجهاز المخابرات الإسرائيلى الذى لم يخضع لاختبار كشف الكذب، فلقد خشى زامير من إلحاق الضرر بمصدر معلوماته المهم. 

 وتقول صحيفة هآرتس: إن زامير تعمقت علاقته بمروان لأكثر من سبب ولأكثر من اللازم فكان مهووسًا به. 

 ويقول شلوموجازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: «مروان كان مغروسًا فى أعماق المخابرات الإسرائيلية وجند رئيس الموساد زامير ببراعة وتلاعب بنا جميعًا».

 فى أغسطس1973، سلّم مروان زامير تقريرًا عن عملية انتقامية كان يخطط لها معمر القذافى ردًا على إسقاط طائرة ركاب ليبية راح ضحيتها 108 مدنيين.

وحسب وثائق مسرّبة، شارك مروان بأمر من السادات فى الخطة لتجنيد مجموعة فلسطينية، وسلمها فى روما صواريخ «ستريلا» المضادة للطائرات، ملفوفة فى سجاد. 

 ثم أسرّ بالمعلومة للموساد، الذى أبلغ السلطات الإيطالية، فتم إحباط العملية، واحتفل زامير مع جولدا مائير بإنجاز مروان الذى اعتقدوا أنه أنقذ آلاف الأرواح.

 

 

 

من بداية عام 1973، استمر مروان فى إغراق الموساد بسيل من الأخبار عن حرب وشيكة: تارة يحدد موعدًا محددًا، ثم يعود ليؤكد تأجيلها، أو يشير إلى أن السادات لا يأبه بالحرب.

هذه الإنذارات المتكررة دفعت إسرائيل لإعلان حالة تأهب «أزرق أبيض»، كلفت الدولة 60 مليون جنيه إسترلينى وأرهقت الجيش، بينما حصل المصريون على معلومات دقيقة عن رد فعل تل أبيب.

وفى سبتمبر، وعدهم بأنه سيحدد ساعة الصفر بعد اجتماع السادات مع الرئيس السورى حافظ الأسد.

روت «يديعوت أحرونوت» كيف خدع مروان الموساد حين أوهمهم أن الاستعدادات المصرية لن تكتمل قبل نهاية 1973، وأن السادات لا ينوى القتال، بل يسعى فقط للبقاء فى السلطة ثلاث سنوات أخرى.

طمأنت الرواية جولدا مائير، وأقنعت إيلى زاعيرا رئيس جهاز المخابرات العسكرية بتجاهل أى تحذيرات أخرى حول استعداد الجيش المصرى للحرب، بينما كانت القوات المسلحة المصرية قد حسمت قرارها بالفعل بالهجوم.

ونقل مروان معلومة خاطئة تقول إن مصر تمتلك 4400 صاروخ سكود موجهة نحو تل أبيب، وإسرائيل لا تمتلك سوى 20 فقط ما تسبب فى إرباكهم وفقدانهم السيطرة على الوضع.

كلمة السر «بوتاسيوم»

استخدم الموساد مع مروان كلمات رمزية لأسماء مواد كيميائية للإبلاغ عن استعدادات الحرب.

وكان الرمز المحدد لبدء الحرب فورًا هو «بوتاسيوم»، والتى لم يحددها مروان، رغم انتشار أنباء عن بدء إجلاء ممثلى السوفييت من مصر وسوريا استعدادًا للحرب.

وقبل 12 ساعة فقط من اندلاع الحرب، أطلق مروان «تحذيره» الشهير فى منتصف ليلة السادس من أكتوبر، وهو يعلم أن إسرائيل تحتاج إلى 48 ساعة على الأقل لحشد قواتها على الجبهة.

وفى تلك الخطة، كان المصريون قد نصبوا بالفعل كمينًا بصواريخ أرض - جو على طول القناة، دون أن تعرف إسرائيل عنه شيئًا، وهو ما كبد سلاح الجو الإسرائيلى خسائر فادحة مع اندلاع الحرب ومنعه من تقديم أى دعم يذكر ودون أن يذكر مروان أو يلمح لهم به، حسبما ذكرت الصحيفة الإسرائيلية.

وساهم «مروان» فى أكبر إخفاق استخباراتى إسرائيلى حينما أبلغ الموساد بمعلومات مغلوطة، إذ قال إن مصر ستشن حربًا شاملة وفق خطة «جرانيت 2»، بينما الخطة الحقيقية كانت «المآذن العالية» التى تقوم على عبور قناة السويس والسيطرة على شريط ضيق تحت حماية الصواريخ المضادة للطائرات.

وبهذه الخطة، نجح السادات فى تحقيق مفاجأة كاملة، حيث لم يتوقع الإسرائيليون أن تبدأ مصر الحرب دون غطاء جوى كافٍ فى عمق سيناء.

والنتيجة كانت ببساطة فشل الكيان الإسرائيلى فى الاستعداد للهجوم، إضافة إلى التأخر فى تعبئة الاحتياطيات، بسبب تضليل «مروان».

وتصف الصحيفة الإسرائيلية قوة تأثير مروان على زامير رئيس الموساد وزاعيرا رئيس جهاز المخابرات العسكرية كأنها تنويم مغناطيسى منعه من إعلان التعبئة العامة، فكان أكبر تضليل فوجئوا بعدها فى إسرائيل بمئات الآلاف من الجنود المصريين على ضفاف القناة وجنود سوريين على طول الحدود بينما فى تل أبيب كانوا مطمئنين لأن أشرف لديهم كان كأنه جهاز تنصت بجانب السادات.

وبالتزامن مع التحقيق المنشور فى الصحف الإسرائيلية، أجرى عدد من كبار المسئولين السابقين فى أجهزة المخابرات الإسرائيلية سلسلة من التحقيقات لكشف ملابسات قضية أشرف مروان وتم استدعاء مسئولى أجهزة المخابرات السابقين لسماع أقوالهم حول مروان وتم التأكد من صحة المعلومات الواردة فى الوثائق المسربة وأن مروان بالفعل قاد أخطر عملية خداع استراتيجى شاملة تعرض لها الموساد فى تاريخه، وأن تلك العملية ساعدت المصريين فى هزيمة إسرائيل، فى الوقت الذى ظل الموساد فيه فترات طويلة من الزمن لا يعرف حقيقة مروان الذى تلاعب بالمؤسسات الإسرائيلية وحطم فى النهاية آمالهم فى قدراتهم المزعومة.