تطلع الساتر الترابى بالدبابة؟!

العقيد محيى الدين صادق بطل الفرقة 21 مدرعات: عبرنا دون علمنا بسد مواسير النابالم
بطل من طراز رفيع.. يحتفظ بالسمات البدنية والنفسية التى يتسم بها أفراد الجيش.
إنه العقيد محيى الدين مصطفى محمد صادق، أحد أبطال الفرقة 21، الذى طلب منه الفريق الشاذلى رئيس أركان الجيش المصرى الأسبق، أن يقود دبابة ويرتقى بها خط بارليف.
لم يرفض على الرغم من صعوبة الأمر، وأتم مهمته وأسر دبابة إسرائيلية، واستمر فى القتال حتى إصابته بقنبلة عنقودية ليلة الثغرة.
التقيناه واسترجع معنا تلك اللحظات الفارقة فى عمر الوطن، وعمره.
سألته: هل علمت بموعد الحرب؟

- فأجابنى: لم نعلم موعد الحرب، لكن كان لدينا إحساس، فقد كنت فى فرقة آنذاك، ورأيتهم يقومون بإخلاء المستشفيات، ويقطعون جميع الفرق، كما أننى كنت فى استطلاع الكتيبة، فقمنا بعمل استطلاع للقناة، ورأينا ما يحدث على الضفة الشرقية، وقمنا بمراقبة الضفة الشرقية، وكان ذلك يوم الرابع من أكتوبر، فضلًا عن زيادة التموين بالذخيرة والوقود، واستبدال الذخيرة القديمة بأخرى حديثة، وبراميل الوقود للدبابات، وهيئة الإمداد والتموين بدأت فى إرسال الوجبات الجافة، وهنا أيقنت وجود حرب، وكنا مؤهلين معنويًا لها.
ويحكى عن تفاصيل مهمته يوم السادس من أكتوبر، قائلًا: كنت وقتها برتبة نقيب، وأتولى قائد فرقة الحرس الأمامى فى كتيبة المقدمة بالفرقة، ومهمتى التمركز على بعد 3 كيلومترات من القناة قرب معبر «سرابيوم»، ننتظر أن يكون المعبر جاهزًا والساتر الترابى ممهدًا لنعبر بالمدرعات. وكنا فى انتظار الأوامر للعبور.
وأثناء عبور المشاة بعد ساعتين أو ثلاث من بدء الحرب، جاء الفريق سعد الدين الشاذلى، وقال لى: زملاؤك من المشاة شرق القناة خلف الساتر الترابى، يحتاجون إلى إمدادات.
وسألنى: هل من الممكن أن تعبر قبل انتهاء التمهيد بالكامل؟
فوافقت وطلبت منه رؤية المكان. وذهبت معه لأجد المعبر لم يثبت بعد، فأصدر أوامره بتثبيت المعبر باللانشات، وعندما عبرت وجدت أنه ما زال هناك 7 أو8 أمتار لم تفتح بعد.
فعاد الفريق الشاذلى ليسألنى مرة أخرى: هل تستطيع أن تصعد الساتر الترابى؟
فوافقت على الفور وقبلت المغامرة.
وهنا أصدر أوامره لنا بالتمركز خلف قوات المشاة والساتر، ثم طلب منى التقدم بالدبابات للعبور.
كان معنا وقتها دبابات لا تستطيع الطلوع بزوايا ميل شديدة الانحدار، وكانت قوتى 13 دبابة، فطلبت أن أصعد أنا أولًا، وإن نجحت وعبرت للناحية الأخرى، فليتبعوني.
وإن لم تستطع الدبابة الصعود، فسنضطر إلى الانتظار حتى انتهاء تمهيد الساتر.
وبفضل الله، نجحت فى العبور، ومن خلفى باقى الدبابات، ثم اشتبكنا مع خمس دبابات إسرائيلية، فى التوقيت حوالى الساعة الخامسة بعد العصر.
يقول: «تم تدمير أربعة منها، وأسرنا الدبابة الخامسة، وجاء الفريق الشاذلي، وفرح كثيرًا بما أنجزناه، وأصدر أوامر برجوع الدبابة الأسيرة للغرب. وعلى الفور قمنا بتفريغها من الذخيرة، وقدتها ورجعت بها.

(ليلة الثغرة)
وعن مدة استمراره فى الجبهة على خط القتال قال: بقيت على الجبهة حتى 16 أكتوبر ليلة الثغرة، ففى هذا اليوم كُلفت باستطلاع مع احتمال اشتباك بالقوة بأربع دبابات لحصر قوات العدو.
يكمل: «لاحظنا أن العدو يقوم بحركات مريبة، فكلفنى الفريق عرابى- قائد الفرقة بعمل استطلاع، فتوغلت ليلًا مسافة كيلومترين خلف الساتر، وتمكنت من حصر وإحصاء نحو 85% من قواتهم».
لكن بعد الفجر كشفونى، فأبلغت القيادة: هل أشتبك، أم أرجع؟
لكن صدرت أوامر بأن أرجع، فهاجمتنى طائرات أمريكية الصنع، وألقت قنابل عنقودية، بينما أقوم بانتشار للدبابات، فصدت الدبابة القنبلة، لكنى أصبت بشظايا مسممة كسرت ساقى، والأخرى كسرت المشط. وما زلت أعانى آثارها حتى اليوم، لكن الحمد لله على النصر.
وعن أبرز المشاهد التى بقيت عالقة فى ذهنه، قال لى اللواء محيى الدين مصطفى: ما لا أنساه هو إحساسنا باسترداد كرامتنا مع استرداد أرضنا. وذلك ما كنا نسعى إليه منذ اليوم الأول بعد 67.
ولم يكن الموت يخيفنا، كل ما كان يشغلنا هو التحرير. فكنا نعلم جيدًا بمواسير نابالم، لكننا لم نكن نعلم: هل سدت أم لا؟ وعلى الرغم من ذلك خاطرنا وعبرنا، وتجاهلنا إمكانية انفجار النابالم وإحراقنا وإحراق القناة كلها، فقد كانت خطة سد فتحات النابالم فى منتهى السرية، وتفاجأ بها الجميع وأولهم الإسرائيليون.
قال: «أذكر جيدًا مشهد جنود المشاة وهم يحملون مدفع «هاون» أو قاذف 250 كيلوجرامًا ويعبرون به الساتر.. كانت لحظات تكاد تكون «معجزة»، بل شعرت حقيقة أن هناك ملائكة تقاتل معنا، فقد كانت الروح التى تلبستنا غريبة جدًا، لدرجة أن هناك جنودًا لم ينتظروا اللانشات، وقفزوا فى المياه وسبقوا القوارب فى عبور القناة.
وعن التكريم الذى حصل عليه بعد الحرب: قال بفخر: حصلت على النجمة العسكرية، ووسام سيناء وهو أرفع الأوسمة تقديرًا لمشاركتى فى العبور والعمليات القتالية.