5 مشكلات فى بداية السنة
شكاوى من إجبار الطلاب على «البكالوريا» وغضب من زيادة المصاريف

مع انطلاق العام الدراسى الجديد دخل أكثر من 25 مليون طالب مصرى إلى فصولهم فى أجواء يسيطر عليها الجدل، بين مؤيد للتغييرات التى أعلنتها وزارة التربية والتعليم، ومعارض يرى فيها عبئًا إضافيًا على الطلاب وأولياء الأمور.
فمن المناهج المطوَّرة التى تدمج البرمجة والذكاء الاصطناعي، إلى الجدل الساخن حول تطبيق نظام البكالوريا المصرى بجانب الثانوية العامة، مرورًا بقرارات وزارية تتعلق بالمصروفات والكتب والمناهج .
«صباح الخير» رصدت أبرز خمس مُشكلات أثارت الجدل هذا العام، وناقشت مع مسئولين وخبراء وأولياء أمور سُبل حلها.
البكالوريا
مع بداية العام الدراسى الجديد، دخلت وزارة التربية والتعليم مرحلة فارقة مع إقرار القانون رقم 169 لسنة 2025، وإطلاق نظام البكالوريا المصرية ليكون بديلاً اختياريًّا للثانوية العامة.

القرار اعتبره البعض خطوة إصلاحية نحو تعليم عصرى يواكب المعايير الدولية، بينما يرى آخرون فيه للآن تجربة غير مكتملة قد تزيد من أعباء الأسر والطلاب.
ووفقًا للنظام الجديد، فإن الامتحانات لم تعد محصورة فى نهاية العام فقط، بل يعتمد النظام على تقييم مستمر وفرص متعددة للاختبار، وهو ما يتيح للطالب إعادة المحاولة وتحسين نتيجته دون أن يرتبط مستقبله باختبار واحد.
من الناحية النظرية، يوفّر النظام عدة مزايا، أبرزها تخفيف الضغط النفسى على الطلاب وأولياء الأمور، والحد من الاعتماد على الدروس الخصوصية، بجانب إتاحة مساحة أكبر للطالب لاختيار ما يُناسب ميوله.
ولكن فى المقابل، ما زالت هناك مخاوف من ضعف البنية التحتية فى المدارس الحكومية، وغياب الوضوح بشأن تفاصيل حساب الدرجات والقبول الجامعي.
وفى بداية العام ، ظهرت شكاوى من بعض أولياء الأمور من إجبار الطلاب على اختيار نظام البكالوريا عند التقدُّم للمدارس.
من أمام مدرسة بمحافظة الجيزة التقطنا شهادة وليّة أمر وأم لطالب تشتكى من إجبار نجلها على اختيار نظام البكالوريا الجديد دون رغبته (نحتفظ باسمها واسم المصادر).
قالت الأم: «نشكو وزير التعليم للى خلقه.. المفروض القانون واضح بيقول النظام اختيارى، لكن المدرسة أجبرت ابنى على التقديم فى البكالوريا، وقالوا لنا إن الثانوية العامة التقليدية خلاص فى طريقها للإلغاء».
وكشف ولى أمر آخر عن تعرّضه لتهديدات صريحة بقوله: «تعرّضنا لتهديد صريح، مدير المدرسة قال اللى مش هيدخل البكالوريا هيتنقل مدرسة تانية بعيد».
وقالت روان أيمن، طالبة بالصف الأول الثانوي: «فكرة إعادة الامتحان مُريحة، لكننا لا نزال لا نعرف كيف سيتم حساب الدرجات بشكل نهائي».
وأضافت: «لسه خايفين من أن تزيد البكالوريا العبء النفسى والضغط الدراسى على الطلاب بسبب الدراسة على مدار عامين كاملين (الصفين الثانى والثالث) بدلًا من سنة واحدة فى الثانوية التقليدية».
رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، المهندس إيهاب منصور، كشف عن وجود شكاوى مُتزايدة من أولياء الأمور بشأن ما وصفوه بـ«الإجبار غير القانوني» على اختيار نظام البكالوريا.
وأوضح النائب البرلمانى أن النص القانونى فى المادة (37) مكرر من القانون رقم 169 لسنة 2025، نصّت على أن النظام الجديد اختيارى بالكامل.
وأشار منصور إلى أن بعض أولياء الأمور تلقوا تهديدات من إدارات مدارس بنقل أبنائهم فى حال رفضوا الالتحاق بالبكالوريا، مؤكدًا أن ذلك يُخالف مبدأ تكافؤ الفرص والحرية التعليمية المنصوص عليهما فى الدستور.

لكن وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى محمد عبد اللطيف، سبق وأكد فى مؤتمر صحفى موسّع أن البكالوريا المصرية اختيارية ولا إلزام فيها.
وشدّد على أن الوزارة أصدرت توجيهات واضحة لجميع المديريات بعدم ممارسة أى ضغوط على أولياء الأمور.
نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، الدكتور أيمن بهاء الدين قال لصباح الخير: إن نظام البكالوريا يُمثّل نقلة نوعية فى مسار التعليم الثانوى العام نحو تعليم قائم على المهارات والفهم النقدى بدلاً من الحفظ والتلقين.
ولفت إلى أن النظام الجديد اختياري، موضّحًا أن إجبار أى طالب على اختياره يُمثّل مخالفة قانونية صريحة. وشدد على ضرورة تقديم بلاغ رسمى للجهات المُختصّة فى حالة إجبار أى طالب على اختياره.
فكيف تضمن الوزارة تحقيق ما نراه حقًا من اختيار كل طالب لمساره الدراسى فى المرحلة الثانوية؟ الكتب نار
مع بداية العام الدراسي، ظهرت مشكلة بعد رفع الرسوم الدراسية فى المدارس الرسمية والرسمية المميزة بسبب احتساب رسوم الكتب المدرسية.
الدائر بين أولياء الأمور أن الوزارة بقرار جديد قررت تسليم الكتب المدرسية إجباريًا من خلال الوزارة فقط، دون السماح بشرائها من المكتبات أو طباعتها بشكل فردي.
القرار أثار هو أيضًا حالة من الجدل بين أولياء الأمور، الذين اشتكوا من ارتفاع أسعار الكتب المدرسية التى أقرّتها وزارة التعليم؛ ووصفوا تلك الأسعار بـ«المبالغ فيها».
كما اشتكى أولياء الأمور فى المدارس نفسها من تأخُّر تسليم بعض الكتب المدرسية؛ خصوصًا كتيبات التقييمات والأداءات، التى باتت جزءًا أساسيًا من منظومة الامتحانات الجديدة، فضلًا عن كتب المستوى الرفيع والتخصصات.
نائب وزير التربية والتعليم الدكتور أيمن بهاء الدين أكد لـ«صباح الخير» أن إقرار شراء الكتب المدرسية من خلال المدرسة وسيلة لضبط العملية التعليمية وضمان وصول النسخة الرسمية والصحيحة من المناهج إلى الطلاب.

وقال إن جميع الكتب المدرسية بما فيها المستوى الرفيع؛ إضافة إلى كتيبات التقييمات والأداءات التى أُقرت لأول مرة هذا العام، سيتم تسليمها للطلاب بالمدرسة.
وأضاف أن الوزارة ألزمت جميع المدارس الرسمية والمتميزة بتسليم الكتب المدرسية للطلاب منذ اليوم الأول للدراسة دون ربطها بسداد المصروفات.
وعن رسوم الكتب المدرسية؛ أشار د. بهاء الدين إلى أن الرسوم هى نفسها تكلفة شراء الكتب من المكتبات فى الأعوام السابقة والتى كانت تطرح نسخًا قديمة من المناهج فى أحيان كثيرة.
ولفت إلى أن المدارس الرسمية تختلف عن الحكومية؛ فهى مدارس بمصروفات، والالتحاق بها على هذا النظام المعروف لأولياء الأمور هو أمر اختياري، مبينًا أن الوزارة أقرّت لأول مرة هذا العام إمكانية تقسيط المصروفات على 4 أقساط للتخفيف على أولياء الأمور.
وأكّد د. بهاء الدين أن الوزارة شددت على المدرسين بعدم إلزام الطلاب بشراء عدد كبير من الدفاتر المدرسية، وتخصيص دفتر واحد أو اثنين فقط رفقًا بالطلاب وأولياء الأمور.
وأعرب أولياء أمور عن قلقهم من إلزام المدرسين لهم بشراء دفاتر «كراسات» مُخصصة للتقييمات والأداءات رُغم تخصيص وزارة التعليم كتيبات لها، ما يضع عبئًا إضافيًا على كاهل الأسرة .
اتحاد أولياء أمور مدارس مصر من جانبه، أكد رفضه لآلية تحصيل المصروفات الجديدة بالمدارس الرسمية للغات، مطالبًا بالمساواة مع باقى المدارس الحكومية من حيث مجانية الكتب والخدمات التعليمية.
وأشار الاتحاد إلى أن أولياء الأمور كانوا يدفعون فقط مقابل ترجمة مادتى الرياضيات والعلوم، بينما يواجهون حاليًا رسومًا مضاعفة دون مبرر، ما يعد مخالفة للعقد الأصلى بينهم وبين الوزارة.
شكوى المناهج
صعوبة المناهج شكوى متكررة مع بداية كل عام .
ما زال أولياء أمور يبدون انزعاجهم من أن المناهج الحالية تحتوى على كم كبير من المعلومات لا يتناسب مع أعمار الطلاب؛ خصوصًا فى الصفوف الأولى، حيث يواجه الأطفال صعوبة فى استيعاب موضوعات الرياضيات والعلوم.

ويقول أولياء الأمور إن كتيبات التقييم والأداء المضافة هذا العام تزيد الضغط على الطلاب، وتجعل اليوم الدراسى مزدحمًا بالواجبات والاختبارات.
أما الطلاب فى المرحلتين الإعدادية والثانوية فإن مناهجهم، حسب الدائر والمتداول فى أوساط الطلاب وأولياء الأمور «أطول من الوقت المخصص للدراسة»، وأن المدرسين أنفسهم يواجهون صعوبة فى إنهاء الشرح .
الشكوى ليست جديدة، وهى مستمرة رغم ما تؤكده التربية والتعليم من أن تطوير المناهج يتم وفق معايير دولية بالتعاون مع خبراء محليين وأجانب، وأن الهدف هو إعداد جيل قادر على التفكير النقدى والإبداع، وليس مجرد الحفظ والتلقين.
المفترض أن الوزارة انتهت من تطوير 94 منهجًا دراسيًا وفق معايير دولية، موضّحة أنها عملت على تخفيف بعض الأجزاء وتوزيعها على سنوات دراسية مختلفة لتقليل الضغط، مع إطلاق منصّات إلكترونية تُقدّم شروحات مُبسّطة للطلاب وأولياء الأمور.
من جانبه، يرى الدكتور حسن شحاتة أستاذ المناهج بجامعة عين شمس أن المناهج الجديدة تحمل إيجابيات عديدة، لكنها تحتاج إلى تدرج زمنى أبطأ حتى لا يشعر الطالب بالارتباك.
بينما اعتبر الخبير التربوى عاصم حجازى أن الأزمة الحقيقية تكمن فى طرق التدريس، مشيرًا إلى أن المناهج مهما كانت حديثة، إذا قُدمت بأسلوب تقليدى ستظل عبئًا على الطلاب.
حلول مؤقتة
فى جلسة شهيرة أمام مجلس النواب، سبق وأكد محمد عبد اللطيف وزير التعليم نجاحه فى القضاء على أزمة كثافة الفصول المُزمنة، وتقليل الكثافة إلى نحو 40 طالبًا للفصل الواحد بحلول مُبتكرة.
بيانات الوزارة تُشير إلى أن 99% من المدارس باتت الكثافة بها أقل من 49 طالبًا؛ محددة سقفًا أقصى لعدد الطلاب فى الفصل الواحد لا يتجاوز 50 طالبًا .
ورُغم تلك الجهود؛ فإن العام الجديد دخل بشكوى على نطاق واسع لأولياء أمور فى محافظات مختلفة، من ضيق مساحة الفصول الدراسية التى نتجت من اضطرار إدارة المدارس إلى تحويل مكاتب إدارية سابقة إلى فصول دراسية لتنفيذ القرارات الوزارية بحل أزمة كثافة الفصول.
مشكلة مزمنة
مع كل عام، يتكرر الحديث فى ملف عجز المعلمين .

الأرقام تُشير إلى عجز يتجاوز 200 ألف معلم فى مختلف التخصصات، ما يضع العملية التعليمية أمام تحديَّات كبرى؛ خصوصًا فى ظل تطبيق مناهج جديدة وتطوير مستمر فى طرق التدريس.
سبق، وأعلن نائب وزير التعليم؛ الدكتور أيمن بهاء الدين عن تراجع أزمة عجز المدرسين هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة بفضل بعض القرارات العاجلة لمعالجة الأزمة.
وأشار إلى أن الوزارة أعلنت عن خطة خمسية لتعيين 150 ألف معلم، بمعدل 30 ألفًا سنويًا، وبدأت أولى دفعات المعلمين الجدد بالفعل فى استلام عملهم عقب اجتياز اختبارات الكفاءة والتدريب بالأكاديمية المهنية للمعلمين، مع منح مديرى المدارس مرونة أكثر فى اختيار المعلمين.
ومن بين الحلول، لجأت الوزارة مؤقتًا لإقرار نظام «التعاقد بالحصة»؛ والاستعانة بخريجى كليات التربية وبعض التخصصات النادرة للعمل مقابل أجر محدد عن كل حصة.
عودة للدكتور حسن شحاتة، خبير المناهج بجامعة عين شمس، الذى قال إن التوسع فى التعاقد بالحصة حل مؤقت لكنه لا يعالج جذور الأزمة، مؤكدًا أن الحل المستدام هو زيادة التعيينات الدائمة وتوفير حوافز مجزية.
بينما أوضح الخبير التربوى عاصم حجازى أن أزمة العجز ليست فقط فى العدد، بل فى جودة المعلم أيضًا، مشددًا على ضرورة إعادة الاعتبار للمعلم اجتماعيًا واقتصاديًا، باعتباره الركيزة الأساسية لأى إصلاح تعليمي.
والتحدى الأكبر الآن، الذى يتأرجح بين قرارات وزارية إصلاحية تلقى إشادة، وأزمات ميدانية تثير غضب الأسر؛ بدأ العام الدراسى الجديد على وقع شد وجذب بين أطراف المنظومة التعليمية، ليس فقط تطوير المناهج أو بناء الفصول، بل استعادة ثقة أولياء الأمور والطلاب، وإقناعهم بأن الإصلاح يتم لصالحهم، ليس على حسابهم.