الأربعاء 24 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العدالة بين القانون والقوة

العدالة بين القانون والقوة

على نهر التيبر فى وسط العاصمة الإيطالية روما، يلفت انتباه المارة مبنى شاهق فى شكل مستطيل متفرد فى موقعه وزخارفه، يمزج بين طراز النهضة الحديثة مع تطعيمات من العمارة الباروكية والكلاسيكية، ما يضفى عليه جمالاً وروعة. وتفاجأ حين تعرف أن كل هذا التمايز يزين محكمة النقض الإيطالية باعتبارها أعلى هيئة قضائية بها، تلعب دورًا شبيهًًا بمحاكم النقض أو التمييز فى بلدان أخرى، فهى لا تعيد النظر فى وقائع القضايا، بل تراجع تطبيق القانون وصحة الإجراءات، لضمان وحدة تفسير القانون فى جميع المحاكم الإيطالية.



وقد أنشئت المحكمة فى القرن التاسع عشر وتحديدًا فى عام 1865 بعد توحيد إيطاليا، واستلهم من النموذج الفرنسى لمحكمة النقض، أما هذا المبنى الفاخر فقد استمر بناؤه أكثر من عقدين حيث شرعوا فى عملية البناء فى العام 1888 وانتهى عام 1911، وتم افتتاحه بحضور الملك فيكتور إيمانويل الثالث، وقد صممه المعمارى جوليلمو كالديرينى، وأصبح المقر الجديد للمحكمة منذ عام 1930. يعتمد المبنى على الترافرتينو وهو نوع من الحجر الجيرى يستخدم فى الأبنية الإيطالية بكثرة، ووضع فى واجهة المبنى التي تنبض بالحياة والتفاؤل، ومطعمة بتمثال برونزى مذهل من إبداع النحات إيتورى إكسيمينيس، وتحيط به عدد من التماثيل الضخمة لبعض الفقهاء المعروفين كشخصيات قضائية وتاريخية مهمة، من إبداعات ماكانى، كواترينى، بينينى، تريبيشانو، داتزى، بيوندى، كما تتزين أعلى البوابة الكبيرة بتمثال ولا أروع لكواترينى بعنوان «العدالة بين القانون والقوة».

 

 

 

حين تمر فى مواجهة هذه البناية المنمقة المذهلة، تنعكس لديك حالة القوة والصلابة التي تتملكك من حجم الحجارة البارزة فى واجهته، كما تهيمن هالة من الهيبة والعراقة على من يتطلع لتلك المتعة البصرية. ويطلق عليه الرومانيون «القصر المهيب»، وهى دلالة حقيقية، حيث يؤكد المبنى على قدرة الدولة الجديدة آنذاك لفرض سيطرتها وهيبتها من خلال مبانى تتسم بالضخامة والفخامة. 

يتوازى مع المبنى نهر التيبر من جهة، أما الأخرى فتطل على ميدان كافور، حيث تجد فى مواجهته سينما أدريانو التي تتشابه مع سينمات وسط البلد بالقاهرة، بنيت السينما عام 1898 كمسرح فى البداية تحت مسمى «تياترو أدريانو»، وما بين المحكمة والسينما حديقة عامة، يجلس بها المارة، وعلى تقاطع الطريق الرئيسى تقف سيارة شرطية لتأمين المبنى من الخارج، أما المقر ذاته دون أية حراسة أو موانع ومتاريس، فالعامة والسائحون يلتقطون الصور التذكارية الشاهدة على جمال المعمار الإيطالى، ورغم تعرضه لانتقادات نتيجة لضخامته فى وسط المدينة فى منطقة شديدة الزحام يتردد عليها الناس ذهابًا وإيابًا، إلا أنه بحق يعلن عن عبقه وروعته ويثير الانتباه بتفاصيله نهارًا وبالإضاءات اللافتة ليلًا. 

وعلى الفور تذكرت وأنا أستمتع برؤيته مبنى دار القضاء العالى بوسط القاهرة وما يمثله لنا من قيمة رمزية عظيمة، حيث يضم محكمة النقض وهى أعلى محكمة فى مصر، وقد تأسس عام 1937 على الطراز الإيطالى الكلاسيكى بأعمدته الشاهقة وصالاته الواسعة ذات الأسقف المزخرفة، وشيده المهندس المعمارى المصري محمد كمال إسماعيل أصغر دكتور فى العمارة حصل عليها من مدرسة بوزال الفرنسية عام 1933، وبعد عودته صمم العديد من الأبنية البارزة منها مجمع التحرير ومسجد صلاح الدين بالمنيل. 

مهما نتعجب ونستمتع نجد ما يشبهه فى بلدنا، حقًا يا مصر عظيمة وستظلين هكذا يا أم الدنيا.