الجمعة 26 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الهوية.. تحديات ثقافية ونضال إلكترونى

الهوية.. تحديات ثقافية ونضال إلكترونى

فى زمن تتحرك فيه التكنولوجيا بسرعة الضوء، يصبح الحفاظ على الهوية الثقافية أشبه بمعركة يومية. لم تعد التحديات مقتصرة على الغزو الثقافى أو صراع الحضارات كما فى الماضى، بل صارت أكثر تعقيدًا: خوارزميات تهيمن على ما نقرأ ونكتب، وذكاء اصطناعى يتحكم فيما نسمع ونرى، موجات من المعلومات السطحية، مصحوبة بسيول من التزييف والأفكار الموجهة المستوردة من المواقع المهيمنة تكنولوجيًا على العالم وسلوكيات رقمية تُختزل أحيانًا فى ضغطة زر «بلوك» أو إلغاء متابعة أو حتى «أضحكنى» كنوع من الاستهزاء الذى لا تملك أن تزيله ولا أن ترد عليه.



الهوية اليوم تواجه تهديدين متوازيين: الجهل المعرفى من جهة، والتكنولوجيا المتسارعة من جهة أخرى. فمن لم يحصّن نفسه بالمعرفة، يصبح فريسة سهلة للرسائل المشوّهة أو المحتوى المضلل. ومن يترك التكنولوجيا تجرّه بلا وعى، يكتشف أنه فقد صلته بجذوره تدريجيًا، حتى لو كان يعيش فى قلب مجتمعه.

المفارقة أن معركة الهوية لم تعد تُخاض بالسلاح أو حتى بالكلمة فقط، بل صارت تُدار على شاشات الهواتف.

«البلوك» الذى أصبح وسيلة شائعة للهروب من النقاش أو الاختلاف، يختزل مشهدًا أكبر: أشخاص يهربون من الحوار الحقيقى ويستبدلونه بعزلة رقمية، وأشخاص يتعمدون العنف اللفظى من خلال شخصية مستعارة لا تكشف عن هويتها الحقيقية. هنا يتحول الجهل إلى جدار، والتكنولوجيا إلى أداة عزل بدل أن تكون جسرًا للتواصل على المواقع التى أطلقت فى الأصل لتكون مواقع للتواصل الاجتماعى.

لكن وسط هذا المشهد، ما زالت هناك فرصة، فالهوية ليست حجرًا صلدًا ينهار أمام التغيير، بل كيان حيّ يتجدد ويقاوم إذا وُجد الوعى والمعرفة. الهوية كالكائن البشرى يعيش ويتفاعل ويتطور بالعلم وبالرعاية التى يحصل عليها.

أما التكنولوجيا يمكن أن تكون خصمًا شرسًا، لكنها أيضًا قد تكون الحليف الأقوى إذا أُحسن توظيفها لنشر الوعى، وإحياء التراث، وبناء جسور بين الأجيال. تلك الأجيال التى باتت حبيسة أفكار سابقة التجهيز تخدم فئة قليلة من المجتمع العالمى.

المعركة إذن ليست معركة ضد التكنولوجيا، بل ضد الاستهلاك السلبى لها. وليست معركة ضد الاختلاف، بل ضد الهروب من النقاش، أو فرض الرأى من خلال حملات إلكترونية ممنهجة لحجب رأيك وتقييده أو الإبلاغ عنه بشكل إلكترونى ممنهج. بل معركة الهوية تحث على العلم بكل خبايا التكنولوجيا الحديثة والتعمق فيها بما يخدم هويتنا كوطن، ويحفظ تاريخنا ووحدتنا وأرضنا، ومن يفوز فى هذه المعركة هو من يوازن بين الانفتاح على العالم والتمسّك بجذوره، بين السرعة والعمق، بين الحداثة والأصالة. 

الأمر صعب لكنه أصبح ضروريًا ومن واجبات الأمم تجاه أوطانها بما أن كل فرد فى العالم الآن من الممكن أن يكون لديه موقع أو اثنين على الأقل على مواقع التواصل الاجتماعى،  فهل ننتبه قبل فوات الأوان إلى محاولات التزييف المعرفى التى يتم إطلاقها إلكترونيًا يوميًا علينا دون أن نتعمق فى البحث ونكتفى بما تختاره لنا الخوارزميات؟ .