مذكرات أم كلثوم بريشة الفنان بيكار لماذا حاولت منيرة المهدية «التشنيع» على سمعة ثومة؟!

قرأها: أحمـد رزق
نواصل تقديم المذاكرات التى كتبتها أم كلثوم ورسمها الفنان الكبير حسين بيكار والتى قال عنها على أمين جلست مع أم كلثوم فى شرفة بيتى التى تطل على النيل نكتب هذه المذكرات…
مزقت مئات الصفحات! فقد كانت تختار كل كلمة فى المذكرات بنفس الدقة التى كانت تختار بها كلمات أغنياتها!
كانت تغيِّر، وتبدل.. وتحذف وتضيف.. ثم تطلب منى أن أمزق الصفحة . ونبدأ من جديد..
إننى أقدم لك لحنًا لم يكتمل!

الانتظار 12 ساعة على الرصيف!
وكنا بعد انتهاء كل حفلة، نعدو إلى المحطة، وفى كثير من الأيام كنا نصل إلى الرصيف بعد قيام القطار بدقائق، فقد كانت قطارات زمان مع الأسف تتحرك فى مواعيد محددة، ولهذا كنا نضطر إلى الانتظار 12 ساعة على الرصيف!
وكان الانتظار فى معظم الأيام وسط البرد الشديد أو تحت الأمطار الغزيرة التى كانت تحرص على استقبالنا فى كل محطة نلجأ إليها!
وفى أحد الأيام عرف أبى سر مفتاح باب استراحة الركاب، وكان المفتاح هو حنجرة أم كلثوم لقد أقنع والدى ناظر المحطة بأن يفتح لنا استراحة الركاب، وكان الثمن هو أن أغنى له.

سرقة تحويشة العمر
واقترح الشيخ أبوالعلا على والدى أن يترك قرية طماى وينتقل إلى القاهرة، دُهش أبى من الاقتراح وقال: طماى بلدنا وعارفنا وعارفينها ولا يمكن أن نترك طماى .. فقال الشيخ: إن مستقبل ابنتك أكبر من طماى، وحرام أن تحبس هذه الموهبة فى قرية صغيرة. ولأول مرة فى حياتى بدأت أزن على والدى وأرجوه.. إلى أن حدث حادث مسح فكرة الإقامة بالقاهرة.
عند سفرى لإحدى الحفلات بالقاهرة، أخذت معى تحويشة العمر، إنها الخمسة عشر جنيهًا التى ادخرتها من مصروفى ومن عيديتى فى الأعياد، ووضعت النقود فى جيبى، ولما انتهت الحفلة أسرعت إلى تحويشة العمر لإخراجها من جيبى فلم أجدها، اختفت تحويشة العمر التى تصورت أننى سأشترى بها مدينة القاهرة كلها.
رحت أبحث فى جيبى وجيب أخى ولم أذرف الدموع، كانت نكبتى أقوى من الدموع، وأخفيت الحادث عن أبى فى أول الأمر ثم اضطررت أن أعترف، ولن أقول لكم ما قاله أبى لى! وعاهدت نفسى على ألا أزور القاهرة بعد ذلك، ولكن نداء القاهرة كان أقوى من ضياع مال قارون.

سمعتى تحت أقدام منيرة المهدية
رأيت أمى تفتح الباب وتبدأ فى حزم الحقائب، وسألت أمى ماذا جرى؟ فسكتت واستمرت تملأ الحقائب بالملابس، وقال والدى: خلاص إحنا راجعين بلدنا، لن نبقى فى مصر بعد الآن ولن نعود إليها، وأشارت والدتى إلى مجلة ملقاة على الأرض.
كانت مجلة المسرح وفيها خبر كاذب يمس سمعتى. ولكن المرحوم عبدالحميد حلمى ــ سامحه الله ــ يعجب بالسيدة منيرة المهدية، وبدلا من أن يقدم لها باقة ورد رمى تحت قدميها شرف المطربة الجديدة.

المتنبى وابن الرومى
وفى أحد الأيام رحت أبحث فى حجرتنا عن كتاب أسلى به نفسي، وفتحت ديوان شعر ابن الفارض، وقرأت البيت الأول فى القصيدة الأولى فى الديوان، ففهمته .. وقرأت البيت الثانى فأعجبنى، ورحت أقرأ باقى القصيدة فى لهفة، ثم قرأت ديوان ابن الرومى والبحترى، ثم قرأت كتاب الأغانى الذى يتألف من 11 جزءًا، واخترت عدة قصائد شعرت بأنها جديرة بأن تغنى، ثم قرأت الأمالى والحماسة وبدأت أشترى دواوين الشعراء بعد أن كنت أستعيرها من أبى، وقرأت ديوان المتنبى والشريف الرضى ومهيار الديلمى. وأصبحت أقرأ القصيدة بنفس اللهفة والمتعة والشغف التى تقرأ بها فتاة أول قصة غرامية.

السينما والقبلات
ومن شرفة حجرتى بهذا الفندق رأيت السينما لأول مرة فى حياتى، فقد كانت تطل على سينما جوزى بلاس رأيت رجالًا ونساء يتحركون على الشاشة البيضاء! ورأيت شابًا يقبل فتاة، رأيت دنيا غريبة لم أشهدها من قبل لا فى طماى ولا فى الزقازيق ولا حتى فى المنصورة، ولم يخطر لى وأنا واقفة فى شرفة حجرتى فى الفندق أن أم كلثوم نفسها ستظهر فى يوم من الأيام على هذه الشاشة.