لماذا يأكلون الـ«هوت دوج» فى عيد العمال؟!

واشنطن: من محمد مقبل
كعادة سكان مدينة بورتلاند الساحلية بولاية أوريجون الأمريكية تشهد الأسواق هذه الأيام إقبالا كبيرا من جانبهم على ارتياد المتاجر مع استعداد الأسر والعائلات لاستقبال عامٍ دراسى جديد. لكن الزحام لا يقتصر على شراء المستلزمات الدراسية فحسب، ذلك أن شوارع المدينة اكتظت بالمحتفلين بعطلة عيد العمال الذى يحتفى به الأمريكيون فى الإثنين الأول من شهر سبتمبر من كل عام.
ويشكل هذا الاحتفال فرصة ذهبية للمتاجر لتقديم التنزيلات والتخفيضات للأهالى والسياح على حد سواء كون هذه العطلة هى ثانى أكبر عطلة رسمية على مدار السنة تُقدم فيها التخفيضات بعد الجمعة السوداء Black Friday والذى يُفتتح به موسم عيد الميلاد (الكريسماس) ويوافق هذا العام 28 من نوفمبر.
وتعود فكرة عطلة عيد العمال إلى أواخر القرن التاسع عشر الذى تزامن مع نمو النقابات والحركات العمالية فى أمريكا حيث اقترح العاملون بالنقابات آنذاك تخصيص يومٍ للاحتفال بالعمل والعمال.
وقد أصبحت ولاية أوريجون فى عام 1887هى الولاية الأولى التى جعلت من هذه المناسبة عطلة رسمية.
وبمضى السنين تبنت الولاية تلو الأخرى الاحتفال بهذه المناسبة كعطلة رسمية حتى اعتمدها الرئيس الأمريكى الأسبق جروفر كليفلاند فى 1894 كعطلةٍ فيدرالية يجرى الاحتفال بها على مستوى الولايات المتحدة.

رواية بديلة
يروى فريقٌ من المؤرخين قصة بديلة مفادها أن فكرة عيد العمال طرحها لأول مرة نائب رئيس الاتحاد الأمريكى للعمل بيتر ماكجواير، فى مايو من عام 1882 أمام الاتحاد العمالى المركزى بمدينة نيويورك مطالبا بتخصيص يوم عطلة للطبقات العاملة.
وبحسب الرواية فقد اقترح ماكجواير يوم الاثنين الأول من شهر سبتمبر موعدًا لهذا الاحتفال لاعتبارين أساسيين، أحدهما أن الطقس يكون معتدلا ومناسبا للتسوق ولخروج الأسر إلى المتنزهات، كذلك فإنه يقع فى مسافة وسط بين عيد الاستقلال الذى يوافق 4 يوليو من كل عام وعيد الشكر الذى يوافق الخميس الرابع من شهر نوفمبر من كل عام بالولايات المتحدة.
وعادة ما يحيى الأمريكيون هذه المناسبة من خلال عددٍ من المظاهر الاحتفالية مثل المسيرات الكرنفالية فى مدن نيويورك وشيكاجو. كذلك يلتئم شمل الأسر فى المتنزهات والحدائق العامة حيث يقومون بشى اللحوم وإقامة الولائم.
وتشهد الاحتفاليات بعطلة عيد العمال كذلك فعالياتٍ ثقافية مثل المهرجانات الموسيقية والمعارض الفنية التى تروى تاريخ الكفاح العمالى وجهود النقابات العمالية.
ولا شك أن تلك الاحتفالات تشهد إقبالا متزايدا على الوجبات التقليدية فى الشارع الأمريكى مثل البرجر والهوت دوج وفطيرة التفاح وعصير الليمون.
وتمثل عطلة عيد العمال فرصة مثالية لمحبى الموسيقى للمشاركة فى المهرجانات الموسيقية على غرار «مهرجان موسيقى الجاز» فى مدينة شيكاجو بولاية إلينوى JAZZ FESTIVAL CHICAGO كذلك تقيم ولاية كاليفورينا معرضا سنويا يمتد ثلاثة أيام فى عطلة نهاية أسبوع عيد العمال تحت مسمى معرض منطقة جبال كينجز MOUNTAIN KINGS FAIR جنوب الولاية ويتيح الفرصة أمام الزوار للتجوال فى الأحراش المنتشرة بالمنطقة ومشاهدة اللوحات الفنية والمصنوعات الفخارية للمبدعين الأمريكيين المعاصرين والتى ترصد جمال الطبيعة وتصور الحيوانات والطيور والنباتات التى تنمو فى المنطقة. ويعد هذا المعرض نتاج جهد محلى تشرف عليه ولاية كاليفورنيا لجمع التبرعات لصالح لرجال الإطفاء الذين يجازفون بحياتهم صيف كل عام لإخماد حرائق الغابات كما يشكلون قطاعا عماليا كبيرا فى الولاية الواقعة فى أقصى غرب الولايات المتحدة.
عصر الذكاء الاصطناعى
يشكل عيد العمال فرصة مثالية لإقامة الندوات والفعاليات الثقافية التى لا تقتصر على الكرنفالات فحسب وإنما تمتد إلى تسليط الضوء على التحديات التى تواجه العمال الأمريكيين فى العصر الحديث.
ويفرض التوسع فى استخدام الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته أحد أبرز تلك التحديات أمام العمال ما يشجع القطاعات الحكومية المعنية على إقامة الورش المختصة بتأهيل وتدريب العمال لأجل اكتساب المهارات الضرورية لمواصلة العمل فى ظل التحديث الرقمى الذى شمل كل القطاعات فى مجالى الزراعة والتصنيع.
وبالتوازى تنظم العديد من النقابات العمالية ندواتٍ وبرامجَ تأهيلٍ تطرح إشكالية توفير الحماية للعمال من الاستغلال.
وتشمل تلك البرامج ندوات للتوعية تناقش القوانين التى تضمن توفر الأجور العادلة ومجابهة تعرض العمال للفصل والإقالة نتيجة التوسع فى التطبيقات الرقمية التى تقدم بديلا متطورا لنمط العمل التقليدى.
ولعل من أبرز التحديات التى تواجه العمال فى العصر الحديث هى إشكالية الحفاظ على البيئة وأهمية اكتساب العمال مهاراتٍ جديدة للعمل فى قطاعات الطاقة المتجددة والصناعات غير الملوثة للبيئة.
ويتماشى هذا التوجه من قبل شركات مثل تسلا وأمازون وأى بى إم، مع ما يعرف فى التشريع الأمريكى بالسياسة البيئية للولايات المتحدة التى تهتم بتنظيم الأنشطة التى تهتم بحماية البيئة وحفظها للأجيال القادمة.
وقد تم إقرار هذه الخطة بعد توقيع الرئيس الأمريكى الأسبق «ريتشارد نيكسون» القانون الوطنى للسياسة البيئية الأمريكية والذى أصبح قانونًا رسميًا ابتداءً من رأس السنة الجديدة لعام 1970.
وتعتبر عطلة عيد العمال مناسبة سنوية لعقد الندوات التى تركز على أهمية تحقيق المساواة فى فرص العمل بمنأى عن التفرقة على أساس العرق واللون والجنس وبما يضمن فرصا متساويا للعاملين بهذا القطاع داخل الولايات المتحدة.
وبصفة عامة فإن عطلة عيد العمال فى الولايات المتحدة تشكل فرصة ذهبية أمام النقابات العمالية والقطاعات الحكومية المعنية للتوعية بأهمية الدور الذى ينهض به قطاع العمال فى النهوض بالمجتمع الأمريكى المعاصر بداية بصياغة التشريعات التى توفر للعامل الحماية لحقوقه الاقتصادية والاجتماعية، مرورا بتوفير البيئة الملائمة له للانتاج والعمل، وانتهاءً بالورش التدريبية اللازمة لتعزيز مهاراته بما يواكب التطور التقنى والعلمى المتسارع.