الأربعاء 10 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«ماسك».. من الصمت إلى الضجيج

«ماسك».. من الصمت إلى الضجيج

فى الأشهر الأخيرة، لم يعد اسم «إيلون ماسك» مجرد علامة على الابتكار أو عبقرية «وادى السيليكون»، بل تحول إلى عاصفة إعلامية تُثير الحماس والجدل.



ما الذي يجعل هذا الرجل، الذي كان فى طفولته منطويًا ووحيدًا، يقف اليوم فى واجهة العالم يتحدى السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا فى آنٍ واحد؟

وُلد ماسك عام 1971 بمدينة «بريتوريا» فى جنوب أفريقيا، لوالدة كندية من أصل أسكتلندى، «ماى ماسك»، التي كانت تعمل عارضة أزياء وخبيرة تغذية، ووالده جنوب أفريقى «إيرول ماسك»، مهندس كهرباء وميكانيكى، لينفصل والداه فيما بعد، ويعيش ماسك وإخوته مع والدهم. وهذه الفترة وصفها «ماسك» لاحقًا بأنها من أسوأ فترات حياته.

وجد «إيلون ماسك» نفسه بين كتبه وحاسوبه، ليغوص فى عوالم الخيال العلمى والبرمجة.

وفى الـ 12 من عمره، أنشأ أول لعبة فيديو وباعها مقابل 500 دولار، حينها كان مفتونًا بالاكتشاف والاختراع، وعاشقًا لفكرة أن الإنسان لا يجب أن يظل محصورًا على كوكب واحد.

وبعد حصوله على جواز السفر الكندى عام 1988، انتقل إلى كندا، هربَا من الخدمة العسكرية الإلزامية، ولأنه كان يسعى إلى الفرص الاقتصادية الأكبر، انتقل مجددًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث التحق بجامعة بنسلفانيا ودرس الفيزياء والاقتصاد، ثم حصل لاحقًا على الجنسية الأمريكية، ليصبح حاملًا لثلاث جنسيات.

 

مرت السنوات، وفى 1995، أسس ماسك شركة «Zip2»، التي قدّمت خدمات الخرائط والدلائل الإلكترونية للصحف، بعدها فى 1999، أسس «X.com»، وهى شركة للخدمات المالية عبر الإنترنت، التي اندمجت لاحقًا لتصبح ما نعرفه اليوم باسم «PayPal» فى عام 2000، قبل أن تُباع لشركة eBay بمبلغ 1.5 مليار دولار عام 2002. حيث مثلت تلك المرحلة بداية جديدة أكثر جرأة مما سبقها.

وفى نفس العام 2002، بدأ فى تحقيق حلمه للانطلاق خارج كوكب الأرض، فأسس شركة SpaceX بهدف إرسال البشر إلى المريخ. فبعد سلسلة من الإخفاقات، نجحت تجاربه الأولية، وأصبحت صواريخ شركته أول صواريخ فى التاريخ يمكن إعادة استخدامها، فاتحًا بذلك الباب أمام عصر جديد.

مثلت 2004، نقطة انطلاق جديدة حين أصبح أحد الممولين الرئيسيين لشركة «تيسلا موتورز» لاحقًا أعاد تسميتها إلى «تيسلا» وتولى منصب الرئيس التنفيذى عام 2008، وكرّس «ماسك» جهوده لتغيير المفهوم السائد حول السيارات الكهربائية، فلم تكن مجرد سيارة، بل ثورة فى مفهوم القيادة، والكفاءة، والاستدامة.

لم تتوقف طموحات ماسك عند الأرض؛ ففى مشروعه Starlink، أطلق آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة إلى الفضاء، ضمن خطة تهدف إلى توفير إنترنت عالى السرعة للعالم أجمع، لا سيما للمناطق النائية والمحرومة.

وفى الوقت ذاته، كان ماسك يعمل على مشروعات أخرى لا تقل جنونًا، مثل شركة Neuralink لزرع رقائق داخل الدماغ البشرى، تمكنه من التواصل المباشر مع الحاسوب، وكذلك The Boring Company لحفر أنفاق ذكية تحت المدن، تهدف إلى حل أزمات النقل والازدحام.

هذه المشاريع ليست فقط تحديات تكنولوجية، بل حروبًا شخصية يخوضها ماسك ضد حدود المألوف والعقل البشرى.

فى 2022، قرر الاستحواذ على «تويتر»، المنصة التي طالما أثارت فضوله. وبعد سلسلة من التغييرات، أعلن عن تغيير اسمها إلى «إكس»، وحولها إلى منصة شاملة.

ثم جاء المشهد السياسى، عندما تم تعيين ماسك بصفة «موظف حكومى خاص» كمستشار ضمن «إدارة الكفاءة الحكومية(DOGE)» شكلها الرئيس الأمريكى بهدف تحسين الأداء الحكومى وتقليل الإنفاق. شغل المنصب لفترة قصيرة، قبل أن يقدّم استقالته إثر تصاعد الخلاف مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

ونتيجة للصراع، أثارت تغريداته جدلًا واسعًا، وتعرض لانتقادات شديدة، لكنه عاد واعترف بالندم على بعضها، موضحًا أن سرعة التعبير لا تُغنى عن مسؤولية الكلمة.

قصة ماسك، فى جوهرها، ليست فقط عن الاختراع والتمويل، بل عن الإيمان بالفكرة، والمثابرة رغم العقبات. ربما لن يتفق الجميع على شخصيته، ولكن من الصعب إنكار أثره، وبين الجرأة والفوضى، تظل قصته تذكيرًا بأن الحالمين لا يتبعون الطرق السهلة.. بل يصنعون طرقهم.