حكاية أول علبة حلاوة هدية فى بيت الرسول
هـل احتفـل الصحابة بالمولد النبوى؟

تقرير: بسمة مصطفى عمر
بعد صلح «الحديبية»، أرسل النبى صلى الله وعليه وسلم، رسائله إلى ملوك العالم يدعوهم إلى الإسلام، ومن بين هؤلاء كان «المقوقس» عظيم القبط حاكم مصر والذى لم يسلم، لكنه استقبل رسالة النبى باحترام، ورد عليها بهدية كبيرة تحمل روح مصر فى ذلك الزمان.
كان من بين الهدايا مارية القبطية وأختها سيرين، والبغلة البيضاء الشهيرة «دلدل»، وبعض الثياب، وخادم يدعى مابور، لكن الهدية الألطف التى لفتت الأنظار، كانت «حلوى عسل البنها»، حيث كانت البنها تلك البقعة المصرية المعروفة منذ القدم بطيب عسلها.
ودخل العسل بيت النبى، كـ«أول علبة حلوى طبيعية» تقدّم له، ولم يكن مجرد طعام، بل رمزًا للمحبة والتقدير، ورسالة سلام عبرت آلاف الكيلو مترات، من وادى النيل إلى مدينة الرسول، وتطور هذا العسل، وصار يتشكل فى صورة حلوى المولد التى نعرفها اليوم، وتعود جذورها لتلك الهدية الأولى.
وروت المصادر التاريخية مواقف تشير لاحتفاء الصحابة بمولد النبى، فقد سئل الرسول عن صيامه يوم الاثنين أسبوعيا فقال ذلك يوم ولدت فيه، وجعل من يوم مولده طقسا تعبديا بالصيام، واتبعه الصحابة فى ذلك.
كما عبر الصحابة عن محبتهم بمدح النبى شعرا وثناًء، ومن أشهرها قصائد حسان بن ثابت وكعب بن زهير التى أُنشدت بين يدى النبى، واعتبرها العلماء من أوائل صور الاحتفال بالمولد النبوى الشريف.

مع مرور الزمن، ارتبطت ذكرى النبى بالحلوى، ليست بوصفها طعامًا فحسب، بل كرسالة حب تهدى فى ذكراه، وخاصة فى العصر الفاطمي، حيث صار الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، مناسبة عامرة بالبهجة، توزع فيها الحلوى على الجميع كبارًا وصغارًا، ومن هنا بدأت عادة اجتماعية راسخة، وهى أن تكون الحلوى وسيلة للاحتفاء، وطقسًا يعكس الفرحة بمولد النبى.
لم تكن الحلوى مجرد «قطع سكر» تباع فى الأسواق، بل ارتبطت بصور ومشاهد شكلت وجدان المصريين، فكانت هدايا الأطفال التى ينتظرونها «عروسة وحصان»، مصنوعين من السكر، ومزخرفين بالأوراق الملونة، وكانا رمزًا للبراءة والخيال الشعبى.
وتمتد الشوادر الشعبية، بآلاف القطع من الفولية والسمسمية والحمصية، فيصير الشراء نفسه طقسًا عائليًا ممتعًا، لتلتف فيه العائلات حول العلبة، يتقاسم الأطفال فيها الملبن، ويحتكر الكبار الفولية، وتبقى الضحكات جزءًا من الحكاية.
ورغم تغير هذا المشهد اليوم، لكنه لم يفقد روحه، ولكن صارت «علب حلوى المولد» تصمم بعناية، تزينها شعارات البراندات الكبرى، وتصل إلى البيوت بخدمة التوصيل، فلم تعد مقتصرة على الشارع الشعبي، بل دخلت عالم الفخامة، لكنها ظلت تحمل المعنى نفسه، لمّة العائلة، وبهجة المشاركة.


من علبة حلوى «المقوقس»، إلى حلوى الفاطميين، وحتى كراتين المولد الحديثة، هكذا بقيت القصة شاهدة على أن الهدايا البسيطة تحمل فى جمالها ما قد يفوق بريق الذهب، وأن حلوى العسل التى قدمت يومًا للنبي، لم تكن مجرد طعام، بل جسرًا صغيرًا بين مصر والمدينة المنورة، ورمزًا للبركة والصفاء.