
توماس جورجسيان
أهلًا بالعيش البلدى فى أمريكا!
مشهد جميل وصاخب شغل الناس لعدة أيام فى أغسطس لا بد من الالتفات إليه، وكان الحديث المثار حول وصول العيش البلدى المصرى أو تواجده فى أمريكا.
الحديث الصاخب أو التريند صار موضع اهتمام مئات الآلاف عبر السوشيال ميديا. وبالطبع كان للمصريين الدور الأكبر والمميز فى الترحيب بالعيش البلدى والتهليل لوصوله إلى بلاد العم سام. حدوتة مصرية فرح بها المصريون!
تجريتى مع هذا التريند كانت كالآتى: حين كتبت منشورًا فى نهاية يوم 18 أغسطس 2025 على الفيسبوك أعلن فيه «فى بيتنا عيش بلدى من تريدر جوز.. منتج مصرى فى متجر أمريكى».. وقد نشرت مع كلماتى صورة لى مع كيس من العيش البلدى المجمد اشتريته بدولارين و49 سنتًا فيه خمسة أرغفة. بالمناسبة كان آخر كيس لقيته فى المحل يومها.
بعد ظهور البوست بدقائق تدفقت التعليقات والتساؤلات بالعشرات بل بالمئات ممن أعرفهم ولا أعرفهم على السواء. وبعد أيام قليلة وصل عدد من شاهدوا أو شيروا (شاطروا) البوست أو الخبر أو الصورة لكيس العيش البلدى إلى عشرات بل مئات الآلاف.. عدد المشاهدات وصلت بعد أسبوع واحد لأكثر من 330 ألف مشاهدة.
ما نشرته عن العيش البلدى صار جزءًا من التريند شغل الآلاف لأيام عديدة وكما هو الحال فى السوشيال ميديا. الكل يدلو بدلوه وهات يا تعليقات فى التهويل مما حدث مثل العيش البلدى يغزو أمريكا ويزيح الكرواسون والبيجل من الأسواق.. أو التهوين مما حدث يعنى إيه اللى حصل؟! ومين اللى حياكل العيش ده غيرنا!!.. عيش بلدى مجمد من مصر موجود فى أمريكا!
وجدير بالذكر أن العيش البلدى ليس بالكائن الغريب أو الوافد الجديد فمنذ سنوات عديدة يتم عجنه وخبزه فى العديد من المدن الأمريكية ويتم بيعه فى أكياس فى محلات البقالة وسوبر ماركتات على امتداد البلاد. ولكن كيس عيش بلدى مجمد مستورد من مصر وطعمه لذيذ طبعًا بعد تسخينه أمر كان لا بد أن يلفت الانتباه..لمن يراقب ويتابع تطورات ثقافة الأكلات فى أمريكا. ما حدث يلفت الانتباه. تسميه أمركة العيش البلدى أو عولمة العيش البلدي.سمّه كما تشاء. هذه خطوة فى ذلك الاتجاه. من قبل شاهدنا دخول الفلافل والحمص بطحينة والكشرى فى قائمة الأطعمة المطلوبة أمريكيًا وأنا أشدد هنا المطلوبة أمريكيًا.. وطبعًا من الحلويات البقلاوة والحلاوة الطحينية بالمناسبة أخيرًا ظهر منتج شهير فى الأسواق الأمريكية اسمه شوكولاتة دبى ودى حكايتها حكاية!

كل منتج من هذه المنتجات الغذائية سواء تم استيراده من دول المنطقة أو تم إنتاجه هنا فى الولايات المتحدة وراءه حدوتة وأحيانًا حواديت عن أصلها وفصلها ويالطبع خلافات وخناقات حول انتمائها للمطبخ العربى أو المصرى أو اللبنانى أو اليمنى أو السورى أو التركى أو الإسرائيلى. الكل يقول ويشدد على هويته أو خصوصيته الغذائية واحنا اللى زرعنا كذا وطبخنا الأكلة التى تتحدثون عنها. ولا شك أن من يوصفون بالنباتيين كان لهم الدور الأكبر فى تحقيق الإقبال على الخضروات والبقول والأكلات المتوسطية أو الشرق الأوسطية والسلطات على وجه الخصوص. وهذا الأمر صار واضحًا فى السنوات العشر الأخيرة.
مثلًا.. حسب بعض التقديرات فإن حجم بيزنس الحمص بالطحينة وصل فى أمريكا إلى 4.4 مليار دولار هذا العام ومن المنتظر أن يصل إلى نحو 6 مليارات دولار مع حلول عام 2030.
زيت الزيتون منذ زمن له الحضور المتميز والبارز على المائدة الأمريكية. حجم البيزنس فى أمريكا يقدر بـ 2.2 مليار دولار فى عام 2024 وقد يزيد على 4.7 مليار دولار مع حلول عام 2030، وأكثر من6.7 مليار دولار مع عام 2033، كاليفورنيا هى أكبر منتجة لزيت الزيتون. إذ تنتج أكثر من 95 فى المائة من حجم المنتج فى أمريكا!
الحديث عن الأكلات دائمًا حديث ممتع ولذيذ.. ويفتح النفس!
المحمول ممنوع!
هذا الأمر أو القرار أثار انتباه التلاميذ وبالطبع أولياء الأمور مع بداية العام الدراسى. القرار سليم وكان لا بد منه وإن كان تأخر كثيرًا فى نظر البعض. ولم يتردد البعض من أولياء الأمور فى أن يطالبوا (أكيد بسبب إلحاح أولادهم) فى أن تكون قواعد المنع أكثر ذكاءً وهى تتعامل مع الهواتف سواء كانت ذكية أو عادية!
وهذا المنع باختلاف قواعده تم تطبيقه فى 17 ولاية أمريكية بالإضافة إلى مدارس واشنطن العاصمة. وهناك 37 ولاية تطبق منع استعمال الهاتف فى المدارس العامة. وتوجد بالتأكيد انتقادات واعتراضات على قسوة القواعد التى تتباين من مكان لآخر. ولكن يبدو أن الصيغة المفضلة هى منع استخدام الهاتف ما بين الجرسين (كما يقال) جرس بدء اليوم الدراسى وجرس نهاية اليوم. وتشير استطلاعات الرأى أن 68 فى المائة من أولياء الأمور يفضلون بعض القيود أو الشروط فى استخدام الهاتف فى المدارس.
وخلال المناقشات اتضح أن هذا الأمر تحديدًا من الأمور القليلة التى ليس هناك خلاف سياسى أيدولوجى جمهورى ديمقراطى حوله. فكل من ولاية كاليفورنيا وولاية كنتاكى أقرت وقامت بتعميم منع الهاتف خلال اليوم الدراسى.
وتشير الدراسات أن أكثر من 90 فى المائة من الأطفال تلاميذ المدارس يملكون الهاتف المحمول مع بلوغهم لسن 14 سنة. ونصف هؤلاء يملكون الهاتف مع وصولهم لسن العاشرة.
ويجب التنبيه هذا أن من ضمن أسباب المنع وبالتأكيد هذا الأمر لا يخص أمريكا وتلاميذها فقط أن أمخاخ الصغار (وغالبًا الكبار) صارت معتادة على التواصل المستمر عبر الهاتف وشاشته. ومنذ ثم يتشتت التركيز ويتناقص القدرة على الانخراط فى أى نقاش أو محاولة فهم لمسألة تطرح عليه.. وهذا ما نراه ونعيشه كل يوم وكل لحظة مع الأسف.