كائنات تختفى بصمت؟!

تقرير وترجمة: خلود عدنان
بينما يواصل العالم سباقه نحو التطور الصناعى والتوسع العمرانى، تختفى آلاف الكائنات من على وجه الأرض دون ضجيج فى موجة انقراض جديدة تجتاح كوكبنا بمعدلات لم نشهدها منذ انقراض الديناصورات، مدفوعة بالصيد الجائر، وإزالة الغابات، والتغير المناخى والتلوث.
ونرصد فى هذا التقرير أحدث القصص عن أنواع منقرضة حديثًا، وأخرى تم اكتشافها مجددًا بعد عقود من اختفائها، وما تم من محاولات علمية جريئة لإحياء حيوانات بائدة.
ومؤخرًا أعلنت السلطات الأمريكية عن نيتها إدراج سبعة أنواع من حيوان «البنجولين» ضمن قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض، بهدف مكافحة الصيد الجائر والاتجار غير المشروع بأكثر الثدييات تهريبًا فى العالم.
ويعيش البنجولين فى أفريقيا وآسيا ويتعرض لصيد مكثف بسبب حراشفه التى تُستخدم فى الطب الشعبى رغم عدم وجود أدلة علمية على فعاليتها، كما أصبح متهمًا بنقل بعض الفيروسات للبشر مثل كورونا.
ومع تراجع أعداده فى آسيا بسبب الصيد وفقدان الموائل، زاد الاعتماد على تهريبه من إفريقيا، حيث يقدر الباحثون أن أكثر من 8.5 مليون بنجولين أُخرجت من البرية فى غرب ووسط إفريقيا بين 2014 و2021، وسط أدلة على تورط شبكات إجرامية منظمة.
ورغم الحظر الدولى، يستمر تهريب ملايين البنجولين كل عام مع ضعف تطبيق القوانين. وربما يمنح القرار الجديد هذا الحيوان فرصة للبقاء عبر تشديد العقوبات وتفعيل مراقبة الاتجار به حتى فى الدول غير الأصلية له مثل الولايات المتحدة.
فى حين يواجه حيوان البوسوم الطائر ذو البطن الأصفر، وهو أحد أكثر الثدييات براعة فى القفز الجوى بأستراليا، خطر الانقراض المتزايد نتيجة التغير المناخى وحرائق الغابات الشديدة التى تدمر مصادر غذائه وأشجاره المجوفة التى يعتمد عليها للنوم والتكاثر.
ويعيش «البوسوم» فى الغابات القديمة، ويتغذى على عصارة الأشجار والحشرات والرحيق. يعتمد على أشجار كبيرة مجوفة يصعب العثور عليه بسبب قطع الأشجار والحرائق الهائلة المتكررة. مثل تلك التى اندلعت فى صيف 2019-2020 والتى قضت على 41% من موائله الطبيعية وأدرجته رسميًا ضمن قائمة الأنواع المهددة عام 2022، كما جعلت صعوبة رصده وحياته الليلية وأصواته الغريبة من تتبعه مهمة صعبة.
وتوجد منه سلالتان: واحدة فى شمال كوينزلاند مهددة بالانقراض، والأخرى تبدأ من جنوب شرق كوينزلاند حتى جنوب شرق أستراليا، وهى معرضة للخطر بشكل متفاوت بين الولايات.
وبينما لا تتوافر تقديرات دقيقة لأعداده، لكن التقديرات تراوح أعداده بين 10 آلاف و100 ألف، مع انخفاض واضح فى بعض المناطق بنسبة تصل إلى 66%.
ويحذر العلماء من أن استمرار إزالة الغابات وحرائق الغابات المتكررة يسرّع من انقراضه. ويطالبون بزيادة الوعى العام، وزراعة الأشجار وربط المناطق الحرجية ببعضها لحمايته، بالإضافة إلى مواجهة التغير المناخى بجدية أكبر وخفض الانبعاثات.

وحيد القرن الأبيض
يُعد وحيد القرن الأبيض أكبر أنواع وحيد القرن الحية، وينقسم إلى نوعين: الجنوبى الذى يتجاوز عدده 18 ألفًا فى المحميات والمزارع الخاصة، والشمالى الذى لم يتبقَّ منه سوى اثنتين فقط تعيشان تحت حراسة مسلحة فى كينيا ولا يوجد ذكور.
كان النوع الجنوبى مهددًا بالانقراض فى أوائل القرن العشرين لكنه تعافى نسبيًا بفضل جهود الحماية، بينما اختفى الشمالى تقريبًا من البرية منذ 2008 بعد أن عاش فى عدة دول إفريقية.
ولا يزال وحيد القرن الأبيض مُصنَّفًا «قريب من التهديد» للجنوبى و«مهدد بالانقراض بشدة» للشمالى حسب القائمة الحمراء للاتحاد الدولى لحماية الطبيعة «IUCN».
وتعرض وحيد القرن الأبيض لتراجع حاد فى أعداده بسبب الصيد الجائر المستمر منذ الحقبة الاستعمارية وحتى اليوم بسبب تجارة القرون الثمينة التى تُباع بأسعار تعادل الذهب والكوكايين، إضافةً إلى عدم توافر بيئة مناسبة بسبب توسع العمران والزراعة وتأثيرات تغير المناخ.
ورغم الحظر الدولى، يُقتل وحيد قرن كل 16 ساعة تقريبًا، حتى تراجعت أعداده فى بعض المناطق مثل منتزه كروجر بجنوب إفريقيا بنسبة 60% بين 2013 و2021.
وأظهرت الدراسات أن إزالة القرون قللت حوادث الصيد بنسبة 78% بتكلفة منخفضة نسبيًا.
ومن ضمن جهود الحماية، أعلنت رواندا مؤخرًا نقل 70 وحيد قرن أبيض من جنوب إفريقيا إلى حديقة أكاجيرا الوطنية فى أكبر عملية إعادة توطين حتى الآن بدعم من مؤسسة هوارد بوفِت العالمية، بهدف تكوين «ملاذ تكاثر» جديد وتعزيز الأعداد.
إضافةً إلى ذلك، تُجرى محاولات التلقيح الصناعى لإنتاج أجنة جديدة للنوع الشمالى من الأنثيين المتبقيتين باستخدام حيوانات منوية مجمدة، على أمل منع الانقراض النهائى لهذا النوع الفريد.
وفى مطلع هذا العام، أُعلن رسميًا عن انقراض الطائر المنقار النحيل الذى ظل مفقودًا منذ أكثر من ثلاثة عقود، بعد جهود مضنية للعثور على أى أثر له فى أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا.
أما فى أستراليا، فانقرضت أنواع من الضفادع مثل Mountain Mist Frog، التى اختفت من مواطنها الأصلية بفعل أمراض قاتلة وتدمير بيئاتها الطبيعية.
ورغم الأخبار القاتمة، فإنه مازال هناك بارقة أمل، ففى أستراليا، تمت إعادة إطلاق أكثر من 200 سمكة من نوع Olive Perchlet، التى اعتُقد أنها انقرضت منذ الثمانينيات من القرن الماضى، كما سُجلت فى جنوب آسيا، مشاهدات نادرة لأسماك Chel Snakehead التى ظن كثيرون أنها اختفت منذ عقود.
القائمة الحمراء
ومازال التهديد مستمرًا لكائنات فريدة، منها النمر السيبيرى إذ يتواجد أقل من 100 فرد متبقية، ووحيد القرن الجاوى الذى لا يتجاوز عدده 70 فردًا فى الأدغال الإندونيسية، وقرد أورانج أوتان السوماترانى الذى يتقلص موطنه بسرعة لصالح زراعة النخيل، وحوت الفاكويتا وهو من أندر الثدييات البحرية على الإطلاق، ولا يزيد عددها على عشرة فى خليج كاليفورنيا.
ويثير العلماء جدلًا واسعًا بمحاولاتهم الجريئة لإحياء أنواع انقرضت منذ آلاف السنين، حيث نجحت فرق بحثية أمريكية فى استنساخ الذئب العملاق (Dire Wolf) الذى اختفى قبل أكثر من 10 آلاف عام، ما يطرح أسئلة أخلاقية وبيئية معقدة حول إعادة إدخال هذه الكائنات فى الطبيعة.
ووفقًا للاتحاد الدولى لحماية الطبيعة (IUCN)، أعلن رسميًا عن انقراض أكثر من 31 نوعًا خلال الفترة الأخيرة، خاصة بين الأسماك والقروش والبرمائيات. ويقدّر الخبراء أن وتيرة الانقراض الحالية أسرع بمائة مرة من المعدل الطبيعى.
وبين مأساة اختفاء كائنات لا تُقدر بثمن، وتفاؤل بعودة أنواع أخرى للحياة بفضل جهود الحماية أو تقنيات الاستنساخ، يقف البشر أمام مسئولية تاريخية، إما كبح هذه الموجة أو ترك الكوكب صحراءً صامتة.