الخميس 30 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
التعليم غير النظامى والمستقبل

التعليم غير النظامى والمستقبل

 أفكر دومًا فى كل من أجبرتهم ظروف الحياة لسبب أو لآخر فى التنازل عن حقهم فى التعليم، أو بمعنى أدق أولئك الذين حرموا من التعليم، أو حتى من فاتهم اكتساب المعارف الأساسية والمهارات الضرورية لمواكبة العصر الحاضر بوتيرته المتسارعة، وهل يستطيع أحدنا شابًا أو مراهقًا أو كهلًا أن تستمر مسيرته المعرفية ولو فاتته فرص التعلم النظامية فى المدارس والجامعات لسبب أو لآخر. 



وكانت الإجابة ما وجدته فى القنوات التعليمية الجديدة التى أصبح العالم الغربى يعتمد عليها بشكل أساسى، حيث أصبح يستطيع الفرد أن يشبع شغفه فى أى فرع من فروع العلوم، بغض النظر عن مجموعه الدراسى فى الثانوية العامة، أو درجاته فى اختبارات القدرات، بل ويستطيع أن يستكمل علمه فى أوقات فراغه إذا ما أجبرته الظروف على ترك الدراسة والالتحاق بعمل يكتسب به قوت يومه وكان التعليم الإلكترونى هو أهم هذه القنوات التعليمية.

فى عالم متسارع، لم يعد التعليم محصورًا بين جدران الفصول التقليدية أو مقيدًا بجداول زمنية صارمة. لقد أصبح التعليم الإلكترونى من أهم أدوات تمكين الأفراد، وتطوير المجتمعات، وتلبية احتياجات سوق العمل الحديث.

والتعليم غير النظامى هو أى عملية تعليمية تحدث خارج الإطار المدرسى أو الجامعى الرسمى، وتتخذ أشكالًا عديدة مثل الدورات التدريبية، والورش العملية، والقراءة الذاتية، وحتى التعلم من خلال السفر أو التطوع حيث يتيح هذا النوع للأفراد فرصة اكتساب مهارات عملية ومعارف جديدة بطريقة مرنة، دون الاضطرار إلى الالتزام بمناهج ثابتة أو اختبارات تقليدية. أما التعليم الإلكترونى فهو أحد أكثر أشكال التعليم غير النظامى انتشارًا فى العصر الحديث، ويعتمد على تقنيات الإنترنت لتقديم المحتوى التعليمى عبر منصات رقمية. 

ومع انتشار الهواتف الذكية وشبكات الإنترنت عالية السرعة، أصبح الوصول إلى المعرفة ممكنًا من أى مكان وفى أى وقت.

تعد منصات مثل Coursera وedX وUdemy وLinkedIn Learning أمثلة رائدة فى توفير محتوى تعليمى إلكترونى فى مختلف المجالات، بدءًا من البرمجة والتسويق، وصولًا إلى العلوم الإنسانية والفنون.

وبرأيى أن التعليم الإلكترونى له العديد من المميزات التى تواكب روح العصر: 

1- المرونة فى التعلم: فيمكن للمتعلمين اختيار أوقاتهم وأماكنهم المفضلة للدراسة، مما يتيح التوازن بين التعلم والعمل أو الحياة الشخصية.

2- التكلفة المنخفضة: غالبًا ما يكون التعليم غير النظامى والإلكترونى أقل تكلفة من التعليم التقليدى، بل إن بعض المنصات تقدم محتوى مجانيًا عالى الجودة.

3- التخصص والحداثة: يوفر هذا النوع من التعليم دورات متخصصة تتماشى مع التطورات السريعة فى سوق العمل، وهو ما لا تستطيع المناهج التقليدية مواكبته بنفس السرعة.

4- إمكانية الوصول للجميع: يتيح التعليم الإلكترونى فرصة التعلم للطلاب فى المناطق النائية أو البلدان النامية التى قد تفتقر إلى البنية التحتية التعليمية المتطورة.

5- التعلم مدى الحياة: يشجع الأفراد على مواصلة التعلم فى جميع مراحل حياتهم، حتى بعد التخرج أو أثناء العمل. وانتشرت مؤخرًا أقوال متعددة لعدد من الداعمين للتعليم الإلكترونى، من أبرزهم بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت، حيث يفضل التعلم خارج الأطر التقليدية، وقد مول العديد من المبادرات التعليمية الرقمية عبر مؤسسة بيل وميليندا جيتس ومالالا يوسفزاى، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، التى تدعو باستمرار لاستخدام التكنولوجيا والتعليم الإلكترونى كوسيلة للوصول إلى الفتيات المحرومات من التعليم فى مناطق النزاع وسلمان خان: مؤسس منصة Khan Academy التى توفر محتوى تعليميًا مجانيًا فى مختلف المواد الدراسية، ويؤمن بأن التعليم حق للجميع وغيرهم الكثير. 

إلا أنه رغم المزايا الكبيرة لهذا النوع من التعليم، فإنه يواجه بعض التحديات، مثل:

• ضعف الالتزام لدى بعض المتعلمين نتيجة غياب الإشراف المباشر.

• الفجوة الرقمية فى بعض المجتمعات التى تفتقر إلى الإنترنت أو الأجهزة المناسبة.

• صعوبة تقييم المهارات المكتسبة بشكل موحد ومعتمد.

ولذا فإن العالم يتجه نحو نموذج تعليمى هجين يجمع بين قوة التعليم التقليدى من حيث التفاعل المباشر والانضباط، ومرونة التعليم غير النظامى والإلكترونى من حيث الإتاحة والتخصص. هذا الدمج قد يشكل مستقبل التعليم فى القرن الحادى والعشرين.

فى النهاية، يمثل التعليم الإلكترونى فرصة ذهبية لبناء مجتمعات أكثر معرفة، وأكثر قدرة على الابتكار، وأكثر استعدادًا لمواجهة تحديات المستقبل. وكما قال نيلسون مانديلا: «التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم»، واليوم أصبح هذا السلاح فى متناول أيدينا جميعًا، بنقرة زر واحدة.