الجمعة 5 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

4 وقائع.. و4 مؤلفين

أينشتاين ونظرياته



لا شك أن نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، التى تُعدّ بلا منازع أشهر ورقة علمية فى القرن العشرين، قد مهدت الطريق لعصر علمى جديد، له آثار إيجابية وسلبية على العالم. فقد طالبت بإعادة تقييم فهمنا الأساسى لطبيعة الزمان والمكان، وأظهرت لنا أن الجاذبية لا تعمل تمامًا كما تصورها إسحاق نيوتن. كما دفعتنا إلى إعادة النظر بشكل كامل فى نظرتنا إلى الكون، بدءًا من المستوى دون الذرى وصولًا إلى مستوى الذرات. ومن بين نتائج أعماله العديدة، أنه وضع أسس ميكانيكا الكم الحديثة، ودشّن العصر النووى، وهو إرثٌ ظلّ يعانى منه باستمرار. لفترة طويلة، بدا من المستبعد أن يُحدث أينشتاين تأثيرًا يُذكر فى العالم، ناهيك عن أن يصبح أشهر عالم على الإطلاق.

أينشتاين وُلد عام 1879، وكان متأخرًا فى تطوره الكلامى، ولُقّب بـ«الغبى» من قِبَل والده. ورغم أنه سرعان ما اتضحت موهبته فى الرياضيات والفيزياء؛ فإن مسيرته الأكاديمية تعثرت. بعد تخرجه فى المدرسة الفيدرالية السويسرية للفنون التطبيقية فى زيورخ، واجه صعوبة فى العثور على وظيفة أكاديمية. فبدلًا من ذلك، عمل فى وظيفة يومية فى المكتب السويسرى لبراءات الاختراع؛ مُستكشفًا شغفه بالفيزياء النظرية فى عصره. فى عام 1905، وعلى مدار سلسلة من الأوراق البحثية الثورية، أعلن عن نفسه للعالم - قبل عقد كامل من نشر النظرية العامة. تناولت الورقة الأولى، التى وصفها بأنها «ثورية للغاية»، الإشعاع وخصائص طاقة الضوء، التى أثبتت أنها حاسمة لتطوير نظرية الكم. أما الورقة الثانية فكانت حول «تحديد الحجم الحقيقى للذرات»، والثالثة كانت بحثًا فى الحركة البراونية باستخدام التحليل الإحصائى الذى أكد الوجود الفعلى للذرات والجزيئات.

أما الورقة الرابعة، فى هذه الأثناء، فكانت نظرية النسبية الخاصة، التى درست الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة، ووفقًا لأينشتاين فى رسالة إلى صديق فى ذلك الوقت، «تستخدم تعديلًا لنظرية المكان والزمان».

 

 

 

أثبت أينشتاين أن قوانين الفيزياء ثابتة لجميع المراقبين الذين يتحركون بسرعة ثابتة، بالنسبة لبعضهم البعض، وأن سرعة الضوء فى الفراغ ثابتة.

وتصور كونًا تتداخل فيه الأبعاد الثلاثة المألوفة للفضاء مع الزمن لتكوين «الزمكان»؛ حيث قد تظهر الأحداث الفردية كأنها تحدث فى أوقات مختلفة لمراقبين مختلفين. وبعبارات بسيطة، بينما أظهر نيوتن ظاهريًا أن المكان والزمان مطلقان، أثبت أينشتاين أنهما ليسا كذلك.

كان هذا مُزلزلًا تمامًا مثل أى شىء ألقاه كوبرنيكوس أو داروين على عالم غير مستعد. فها هو عالم يقول إنه حتى طريقة دقات ساعتك أو المساحة التى تشغلها على رف الموقد ليست كما تبدو تمامًا. ولكن بينما رأى الآخرون عدم اليقين، رأى هو عدم قابلية التغيير فى طبيعة القوانين الفيزيائية الأساسية. فى الواقع، كان يخطط فى الأصل لتسمية الورقة البحثية بنظرية الثبات.

 

أدت النظرية الخاصة لأينشتاين إلى ورقة بحثية نهائية فى ذلك العام، لم تتجاوز ثلاث صفحات. إلا أن استنتاجاتها كانت مذهلة.

فقد وجد أينشتاين أن كتلة الجسم مقياس متناسب لمحتواه من الطاقة. بمعنى آخر، الكتلة والطاقة هما تمثيلان مختلفان للشىء نفسه.

وهى فكرة ستُوضّح لاحقًا بالمعادلة الفيزيائية الأشهر فى التاريخ، كان هذا الاكتشاف - أن شيئًا صغيرًا جدًا قد يحتوى على كمية هائلة من الطاقة - بمثابة حجر الأساس للعصر النووى.

 

 

 

بينما كان العالم يحاول استيعاب ما تتضمنه النظرية الخاصة من اكتشافات، كان أينشتاين مهووسًا بنواقصها.

وتحديدًا، لم يكن سعيدًا بتطبيقها إلا فى ظروف الحركة بسرعة ثابتة. علاوة على ذلك، اعتمد كون نيوتن على فكرة أن الجاذبية قوة لحظية، لكن أينشتاين أدرك أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا، إذ أثبت أنه لا شىء يمكنه السفر بسرعة أكبر من الضوء.

جاءت العديد من أعظم إنجازات الفكرية نتيجة تجارب فكرية معقدة أجراها بحثًا عن «قفزات هائلة تتجاوز الخيال».

فى هذه المناسبة، ركز على الأحاسيس التى يشعر بها الشخص أثناء سقوطه الحر وهو محصور فى مكان مغلق مثل المصعد. أدرك أن الشخص لن يكون لديه أدنى فكرة عما إذا كان واقعًا تحت تأثير مجال جاذبية أم فى فضاء عميق خالٍ من الجاذبية. استغرق أينشتاين ثمانى سنوات أخرى شاقة، لكن من هذه التجربة الفكرية تطورت النظرية العامة.

 

 

 

كانت إحدى المشكلات الرئيسية التى واجهها أن نظريته تتطلب أنواعًا جديدة من الرياضيات، بما فى ذلك شكل من أشكال الهندسة يتجاوز ما حدده إقليدس.

فى النهاية، هبّ صديقه القديم، مارسيل بروسمان؛ لإنقاذه، إذ أرشده عبر الرياضيات غير الإقليدية لبرنهارد ريمان (1826-1866) وحساب التفاضل والتكامل لريتشى- كورباسترو.

بحلول نهاية عام 1915، كان أينشتاين واثقًا من أنه قد حسّن نظريته بشكل مناسب، وأنه يمتلك الرياضيات اللازمة لدعمها. وخلال سلسلة من أربع محاضرات فى ذلك العام، عرض ما اعتبره «أثمن اكتشاف فى حياته». فبينما وصف نيوتن كونًا تسقط فيه تفاحة من شجرة على الأرض بسبب قوة جذب تمارسها الجاذبية، أعاد أينشتاين تعريف الجاذبية بأنها انحناء فى الزمكان.

بعد أربع سنوات، سُجِّل أول دليل ملموس على فرضياته، وبين عشية وضحاها، تحوّل من شخصية مرموقة إلى نجم عالمى، حتى فى أقل الأوساط العلمية شهرة.

وكما أوضح هو نفسه: «لا داعى للقلق على الإنسان العملى... لكن من الناحية الفلسفية، لهذا الأمر أهمية، إذ يُغيّر مفاهيم الزمان والمكان الضرورية للتكهنات والمفاهيم الفلسفية».

 

واصل أينشتاين استكشافاته النظرية حتى بعد أن أصبح شخصية عامة عالمية.

 

فإلى جانب العلم، أصبح مناضلًا بارزًا ضد الاستبداد، وكذلك ضد القنبلة الذرية التى ساهم فى صنعها دون قصد. واليوم، يحيط بنا تأثير النظرية العامة فى كل مكان.

إنها موجودة فى كيفية إدراكنا لأنفسنا فى الكون. إنها موجودة فى أسرار الثقوب السوداء التى تنبأ بها علمه. ولكنها موجودة أيضًا فى حياتنا اليومية، فى أجهزة التليفزيون وأنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) التى توجه سياراتنا.

 

وفى تقدير زميله الفيزيائى ماكس بورن، كانت النظرية العامة بمثابة «أعظم إنجاز فكرى بشرى فى الطبيعة - مزيج مذهل من العمق الفلسفى والحدس الفيزيائى والمهارة الرياضية».

وحصل أينشتاين على جائزة نوبل ليس عن عمله فى النسبية، كما هو متوقع. فى عام 1921، لم تتمكن لجنة الجائزة من التوصل إلى اتفاق بشأن ما إذا كانت نظريته مؤهلة للجائزة، إذ بموجب قواعد نوبل، يجب تصنيفها على أنها «اكتشاف أو اختراع».

وجادلت هيئة ناقدة بأنها ليست «قانونًا» تم «اكتشافه»؛ بل «نظرية» تم «اقتراحها».

وهكذا، تم التوصل إلى حل وسط، ومُنح الجائزة بدلًا من ذلك عن أولى أوراقه البحثية التى نُشرت عام 1905 حول قانون التأثير الكهروضوئى، بدلًا من النظرية النسبية التى اشتهرت عالميًا.