الأزمة 22

«مأزق- 22» رواية ساخرة كوميدية ذات جانب مظلم. تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية، وتتتبع التجارب الغريبة والسريالية التى عاشها جون يوساريان، قائد القوات الجوية الأمريكية، ورفاقه، وهو شخصيةٌ شهيرةٌ على مر العصور.
نُشرت الرواية فى بداية ستينيات القرن الماضى، فى وقتٍ تزايد فيه انخراط الولايات المتحدة فى حرب فيتنام، ورسخت مكانتها ليس فقط كأعظم رواية مناهضة للحرب فى القرن العشرين؛ بل كمنارةٍ للثقافة المضادة الناشئة.
وبشرت بقدوم عصرٍ جديدٍ تزايدت فيه تحدياتُ السلطة فى اتخاذ القرارات، وتراجعت فيه مكانةُ الاحترام.
ومؤلف الرواية جوزيف هيلر فى نيويورك عام 1923 وخدم فى القوات الجوية خلال الحرب العالمية الثانية كقاذف قنابل على طائرة بى-52.
وعمل مدرسًا ثم كاتب إعلانات، ولم يبدأ فى الكتابة عن تجاربه فى زمن الحرب، التى تضمنت ستين غارة قصف، إلا فى الخمسينيات.
كانت مهمة واحدة على وجه الخصوص فى 1944، عندما واجه هيلر احتمال الموت الحقيقى بينما كانت طائرته تحلق فوق أفينيون فى فرنسا، وهى التى بشكل أساسى شكلت مواقفه تجاه الحرب التى غذت كتابه الأكثر شهرة.
وقد استوحى جزئيًا كتابته بعد قراءة الجندى الصالح شفيك، وهو مثال مبكر لرواية مناهضة للحرب بشكل صريح نُشرت فى عشرينيات القرن العشرين للمؤلف التشيكى ياروسلاف هاسيك.
رواية «مأزق 22» دراسةٌ فى كيفية تمسك المرء بفرديته وإنسانيته فى مواجهة بيروقراطية عسكرية جبارة وغير شخصية.
ببساطة، إنها روايةٌ عن جنون الحرب.
تُروى الرواية عبر سلسلة من الحلقات غير المترابطة زمنيًا، والتى غالبًا ما تكون عابرة، تتضمن وجهات نظر شخصيات متعددة، فيغمرها شعورٌ بالغرابة والاضطراب.
زعم هيلر نفسه أنه عندما كتب الرواية كانت الحرب الكورية، التى اندلعت فى خمسينيات القرن الماضى، أكثر بروزًا فى ذهنه من الحرب العالمية الثانية. وكان التحدى الذى يواجهه هو إكمال العدد اللازم من المهام لتأمين عودته إلى وطنه دون أن يفقد صوابه.
«مأزق-22» هو مصطلح دخل إلى المعجم الشعبى لوصف مشكلة دائرية سخيفة بشكل خاص؛ حيث إن حلها مرفوض من خلال شروط المشكلة نفسها.
على سبيل المثال، تحتاج إلى ملء نموذج لطلب حبر جديد للطابعة، ولكنك لا تستطيع طباعة النموذج لأن الطابعة نفد منها الحبر.
فى سياق الرواية، لم يُذكر «المأزق 22» صراحةً؛ بل أُشير إليه مرارًا وتكرارًا كدليل على سخافة الإجراءات البيروقراطية للسلطات، مما أوقع الشخصيات فى كابوس.
مع تقدم أحداث الرواية، تتضح فظائع تجارب الشخصيات.

يصل يوساريان إلى اعتبار قادته تهديدًا له بقدر ما هو عدو.
تتناول الرواية مواضيع متنوعة، بدءًا من مخاطر الرأسمالية الجامحة (كما تتجسد فى «النقابة» التى يديرها رجل الأعمال اللا أخلاقى ميلو ميندربيندر من القاعدة) وصولًا إلى التفكير فى الله.
عندما صدر الكتاب لأول مرة، لم يكن لدى العديد من النقاد رأيٌ فيه.
على سبيل المثال، أشارت مجلة النيويوركر إلى أنه «لا يبدو حتى إنه مكتوب؛ بل يُعطى انطباعًا بأنه قد كُتب بصوتٍ عالٍ على الورق».
أما صحيفة نيويورك تايمز، فقالت إنه «ليس روايةً جيدةً حتى»، لكنها مع ذلك خففت من هذا الوصف زاعمةً أنه «أصيلٌ للغاية، وكوميديٌّ ببراعة، ووحشيٌّ بشع... أداءٌ مبهر».
ومع تخبط النقاد فى تقييمها، بدأت الرواية تكتسب قاعدة جماهيرية واسعة، لا سيما بين الشباب.
لأنها تناغمت تمامًا مع الأجواء المناهضة للاستبداد فى ذلك الوقت، وترسخت فى مخيلة الناس مع تزايد زخم الحركة المناهضة لحرب فيتنام.
وبينما كانت رسالة «كاتش- 22» المناهضة للحرب قوية بالفعل، إلا أنها تتناول أيضًا الحالة الإنسانية على نطاق أوسع، ولكن بطريقة تسمح للقراء بالضحك بصوت عالٍ.
وباعتبارها انتصارًا فى الشكل والمضمون، لم تفز بأى جوائز أدبية كبرى، ولكنها فى غضون بضع سنوات أصبحت كلاسيكية حديثة. وبعد سنوات، قال هيلر إنه عندما أشار ناقد ما، كما يحدث غالبًا، إلى أنه لم يقدم عملًا جيدًا مثل «مأزق-22»، فقد راوده الإغراء بالرد: «ومن فعل؟».
رواية «مأزق 22» تجمع بين الفكاهة والمرح والرعب والمأساة، وهى روايةٌ لامست لحظتها التاريخية، كاشفةً عن عالمٍ وجد انعكاسه قاسيًا.
عالمٌ تسوده الحرب الصناعية، وتسيطر فيه التجارة على كل شىء، ويجد الأفراد أنفسهم ضحايا غير قصد. عالمٌ شعر بأنه يتجه نحو الجنون ببطء، عالقًا فى دوامةٍ لا تنقطع من التدمير الذاتى.
لطالما كانت الرواية أكثر بكثير من مجرد رواية حرب أخرى. قال هيلر نفسه إنه لم يكن مهتمًا بالكتابة عن الحرب بقدر اهتمامه بدراسة «العلاقات الشخصية فى السلطة البيروقراطية». جميعنا نفهم غريزيًا شعور الوقوع فى مأزق، لكن هيلر وقع على عاتقه مهمة التعبير عنه. قال ذات مرة: «الجميع فى كتابى يتهمون الآخرين بالجنون. بصراحة، أعتقد أن المجتمع بأسْره مجنون - والسؤال هو: ماذا يفعل رجل عاقل فى مجتمعٍ مجنون؟»