الإثنين 13 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بين السطور

التوقف عن الكتابة انتحار!

قطب: هكذا عايشت الغناء  فى أدب محفوظ



أن تنشأ فى أجواء، محاطًا بأمهات الكتب؛ أن تتكوّن لغتك، ويتشكل فكرك، وتتبنى فلسفة للحياة وأنت لا تزال تحبو على عتباتها الأولى ــ فذلك هو المدخل السليم، حيث تؤدى المدخلات الجيدة حتمًا إلى نتائج ناجحة.

فى هذا السياق، يبرز اسم الشاب الواعد على قطب، الذى انطلق مبكرًا فى عالم الكتابة الناضجة، وقدم تجارب أدبية متميزة، نالت التقدير والاهتمام، حتى حفر اسمه عن جدارة فى المشهد الثقافى. 

مُنِح الكاتب والناقد الأدبى على قطب «جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب لعام 2025»، عن فئة الدراسات النقدية، وعن كتابه البحثى المعمّق: «الغناء والطرب فى أدب نجيب محفوظ».

ورغم خلفيته الأكاديمية فى كلية الهندسة؛ فإن قطب لم يسمح للتخصص أن يُقيده فى مسارات نمطية.

وقد رأى فى هندسة الرى بُعدًا سرديًا وفلسفيًا؛ إذ تُمثّل بنية الرى، بكل ما تحمله من انسياب وتنظيم وتخطيط دقيق، بنية موازية لفن السرد الأدبى.

وانعكست هذه الرؤية على طريقته فى بناء النص وتحليل البنية الفنية للأدب.

 

 

 

فالإبداع، كما يتجلى فى تجربته، ليس مجرد إنتاج للنصوص؛ بل هو رؤية شاملة للحياة، وعين تنفذ للجوهر بذكاء وحس فلسفى.

التقته «صباح الخير» فى حوار عن النشأة والبدايات، ومصاعب البحث النقدى، وتحدثنا معه عن عطاء ووفرة أدب نجيب محفوظ، وتأثيره على الأجيال الجديدة التى لا تزال تنهل من هذا المعين السحرى الذى لا ينضب، بل يفيض أكثر فأكثر..وإلى نص الحوار: 

■ حدثنا عن نشأتك، ودراستك، ومجال عملك، وكيف انعكس ذلك على ارتباطك بالأدب والدراسات النقدية؟

- نشأت فى بيت تحتل معظم جدرانه رفوف كتب، ومكتبة كبيرة تتوسط غرفة المكتب، تفتحت عيناى فى بيت جدى على مكتبة عامرة بالكتب وخصوصا المجلات التى كانت تصدر فى الخمسينيات والستينيات مثل مجلتى الرسالة والثقافة، كتاب الأغانى وأعداد ألف ليلة وليلة، حكايات جدتى.

يكمل: درست الهندسة المدنية، تخصصت فى هندسة الرى وحصلت على درجة الماجستير، وقد منحتنى دراسة الهندسة التفكير العلمى، كيفية التخطيط، فالبناء الروائى أو القصصى أو الكتابة بشكل عام تحتاج إلى رسم وتخطيط مثلما تحتاج المشاريع الهندسية إلى الماكيت، فإن الكتابة تحتاج إليه أيضًا.

■ ما هى أبرز الجوائز التى حصلت عليها حتى الآن، وما هى إصداراتك السابقة فى مجالات الأدب والنقد؟

- أكتب بشكل احترافى منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا. نشرت روايتى الثانية «مى كانو» عن دار شرقيات سنة 2011، سبقتها روايتى الأولى «الانتظار» 2008. ثم روايتى الثالثة «أنثى موازية» سنة 2016، التى فازت بجائزة «ساويرس» فى عام 2017.

ونشرت روايتى الرابعة «كل ما أعرف»، ثم نشرت مجموعتى القصصية «ملخص ما سبق» التى فازت بجائزة المجلس الأعلى للثقافة دورة خيرى شلبى.

ومؤخرًا، صدرت روايتى الخامسة «البند السادس من قانون التضحية».

أما النقد فقد بدأته بكتابى عن مقدمات طه حسين وتناولت فيه المقدمات بالجمع والتعليق، وجمعت أكثر من سبعين مقدمة، وهو رقم لم يسبقنى إليه أحد ممن جمعوا المقدمات ثم يأتى كتاب «الغناء والطرب فى أدب نجيب محفوظ» نتيجة قراءاتى لمنجز الأستاذ نجيب محفوظ الروائى والقصصى.

■ حدثنا عن فكرة موضوعك الفائز بجائزة الدولة التشجيعية لهذا العام، وظروف إعداده، ومدة العمل عليه، ومتى صدر؟ وما الصعاب التى واجهتك فى كتابته؟

- أن تقرأ عملًا للأستاذ نجيب محفوظ ستلازمك متعة ضافية، تزداد وتتنوع بصحبتك لشخصياته فى الأزقة والحارات والشوارع العتيقة والميادين الفسيحة، ستصطحبك الجغرافيا ويظللك التاريخ مانحًا إياك رصيد الذهب من الكلمات والجمل والأساليب والأفكار والمشاهد البديعة التى تتدفق أمامك على سطور أعماله الروائية والقصصية، ستسمع فى الخلفية دومًا الأصوات الصادحة فى فضاء التكية، ستستمتع بالأغنيات التى تعد معادلًا للمواقف الدرامية، كاشفة عما يجول فى صدور أبطاله ووجدانهم من مشاعر، يختلط فيه الأمل مع اليأس، التحقق مع الإحباط. إن أديب نوبل يحمل فى أعماقه الروح الجمعية المصرية، فأعماله هى طبقات ثرية للنفس والمدينة.

 

 
 

 

 

يكمل: فى كتابى «الغناء والطرب فى أدب نجيب محفوظ» رصدت دور الغناء والطرب فى أعماله الكاملة، بداية من الثلاثية الفرعونية (عبث الأقدار-رادوبيس- كفاح طيبة) إلى «أصداء السيرة الذاتية» و«أحلام فترة النقاهة». 

إن من يدخل بيت نجيب محفوظ سيستمع إلى صوت القاهرة، فالأغنيات والأنغام والأشعار لون واضح فى نسيج السرد عند الأديب الحافظ لتاريخ تكوينه.

من هنا درست فى الكتاب مجموعة من قضايا الخطاب السردى التى تحدد دور الغناء فى بنية النص الدرامى، الأغانى ومحاور الموضوع السردى، الصوت الغنائى والشبكة الدرامية، أسلوبية الغناء والطرب، ثم المعجم الذى جمعت فيه الأغانى، والأشعار، والأناشيد المستلهمة من أدب مصر القديمة، وعزليات حافظ الشيرازى.

من هذه المحاور نرى كيف وظف الأستاذ نجيب محفوظ كل ما ينتمى إلى حقل الموسيقى فى بنية النص السردي؛ ليصبح نصه نابضًا بالحياة. 

وأضاف: ما يميز كتاب «الغناء والطرب فى أدب نجيب محفوظ» أنه تناول زاوية مهمة فى أدب محفوظ لم يطرقها أحد، وهو كيف وظف نجيب محفوظ الطرب والغناء؛ لتكون جسرًا مهمًا لربط أواصر السرد. وكيف أصبحت أعماله شاهدة على عصور الطرب والغناء، فضلًا عن المعجم الذى ضم كل ما ورد فى رواياته وقصصه القصيرة من ألوان الطرب والغناء، إن هذا المعجم هو إعادة هذا التراث الثرى للطرب والغناء فى جموع القراء الذين سيطالعون الكتاب.

■ حدّثنا عن علاقتك الخاصة بفكر نجيب محفوظ، وأعماله، وفلسفته؟ وكيف أن إرثه الإبداعى ما زال حيًا وقادرًا على إلهام الدراسات والرؤى النقدية الجديدة؟

- الرحلة الغنية التى عشتها مصاحبًا أعمال الأستاذ نجيب محفوظ كانت المتعة الحقيقية التى مرت بها هذه القراءة، تمامًا كما كانت متعة بطل نجيب محفوظ الذى يبحث عن شخصية إخناتون فى رواية «العائش فى الحقيقة».

ما كتبه نجيب محفوظ فى أعماله يمنحنا زادًا من جمال الروح والعقل والسرد المشحون بموسيقى الحياة.

متعة أخرى عشتها مع هذا الكتاب أثناء إعداد المعجم هى إعادة الاستماع إلى الأدوار والأغنيات التى تعد مرآة لعصر ممتد من الفن، فالفن هو مجاز الحياة. فى الوقت نفسه سيكون الطرب والغناء جسرًا جماليًا يعبر عليه المتلقى لربط الماضى بالحاضر.

■ تنوعت كتاباتك بين أدب الطفل واليافعين، والرواية، والدراسات النقدية؛ كيف أثّر هذا التنوّع وثراؤه على تجربتك الأدبية؟

- لا شك أن تنوع الكتابة التى أمارسها تمنحنى مرونة ودروبًا جديدة للتعبير، فالكتابة الروائية كتابة محرضة على التجريب والبحث عن طرق للإبداع.

أما القصة القصيرة فهى ذلك الفن الذى أستظل به باحثًا عن لحظات أقتنصها للتعبير المكثف عن شخصية أو مكان أو حدث. يأتى أدب اليافعين صانعًا لى حياة جديدة أستعيد لحظاتها مع عقول تتفتح ووجدان يسعى للامتلاء بروح الإبداع.

أما الدراسات النقدية والأدبية فهى رحلة العقل نحو القراءة المتأنية الباحثة عن المنجز الفكرى لهؤلاء الذين أثروا حياتنا بعطاء يستحق البحث والدراسة.

لى تجارب مع شعر العامية أعتز بما أنجزته فيها. أشعر أن وجودى الحقيقى هو الوجود فى الكتابة.

 

 

 

■  ما هى أهم الكتب التى قرأتها واعتبرتها محطات مفصلية أثّرت بعمق فى تكوينك الأدبى والنقدى؟

- كثير من المبدعين العرب منحونى جزءًا أصيلًا من ذاكرتى الأدبية منهم بالطبع نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يحيى حقى، أما على المستوى العالمى فأحب دوستويفسكى وكافكا وزفايج وج م كوتسى. 

■ الجائزة بوصفها من الجوائز المرموقة، أضافت إلى رصيدك، لكنها فى الوقت ذاته وضعت على عاتقك عددًا من المسئوليات؛ ما رؤيتك المستقبلية فى ضوء هذه المسئوليات الجديدة؟

- حلم الفوز بجائزة الدولة التشجيعية طالما راودنى، إنه شرف عظيم أن تُكرم من وطنك، هى خطوة داعمة ومشجعة على الاستمرار فى حلمك. إنها لحظة مهمة تمنحك الحضور فى دائرة الضوء، فتقرأ أعمالك على نطاق أوسع، تمنحك ثقة فى الاستمرار والحضور ومواصلة العطاء. لكنها فى الوقت نفسه تلقى عليك مسئولية الاختيار لموضوعات جديرة بالدراسة والبحث.

ما يشغلنى دائما: الاستمرارية، أخاف التوقف فى الكتابة فى أى لحظة، أتذكر أسماء بدأت معى ثم انصرفت عن الكتابة لأسباب عديدة، أخاف الوقوع فى الأمر نفسه، لذلك رهانى الدائم على الاستمرارية، على المحاولة فى أشكال مختلفة فى السرد، على التجريب الذى لا يفسد المعنى عن المتلقى.

أما عن مشروعاتى الجديدة فأنا أعمل بشكل منتظم على مجموعة قصصية ورواية جديدة لليافعين.