الأربعاء 27 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صحوة التوثيق العلمى لأرض مصر

صحوة التوثيق العلمى لأرض مصر

لم تعد المتاحف مجرد خزائن للماضى، بل تحولت لتصبح فضاءات للعلم واكتساب الخبرات والتفاعل والتعلم من خلال التجربة الحسية والواقع الافتراضى، ومن هنا جاء هذا التحول فى الاهتمام بالتوسع فى المتاحف المصرية، فعلى الرغم من الاستعداد لافتتاح المتحف المصرى الكبير الذى ينتظره العالم أجمع الآن، أولت مصر اهتمامًا بمتحف فريد من نوعه ليس فى مصر فقط، بل فى المنطقة بأسرها وهو المتحف الزراعى بالدقى والذى افتتح مؤخرًا افتتاحًا تجريبيًا.



تمثل الزراعة أول نشاط إنسانى على أرض مصر، فقد وهب النيل أرض مصر الحياة منذ بدء الخليقة، فاستغل المصرى القديم أرضها الخصبة منذ أقدم العصور - كما وصلت إلينا المشاهد المرسومة على الأوانى الفخارية وعلى جدران المقابر- كيف نبتت فى أرض مصر الزروع وغرست فيها البذور منذ الألف الرابع قبل الميلاد على أقل تقدير.

وقد قسم المصرى القديم التقويم وفقًا لفيضان النيل، فالسنة مقسمة إلى ثلاثة فصول أسماها المصرى القديم: «برت» وهو فصل الفيضان، و«اخت» وهو فصل الزرع والغرس، و«شمو» وهو فصل الحصاد، فكان المصرى إذا ما فاض النيل على الأرض ورواها، انشغل بأعمال البناء وتعمير الأرض حتى يهل عليه الموسم الذى يليه وهو موسم الغرس والزرع. وكانت عملية الزراعة نشاطًا إنسانيًا منظمًا مثله المصرى القديم على جدران المقابر والمعابد وصور الزروع والنباتات والأدوات التى استخدمها، وأيضًا الحيوانات التى رباها وأعانته على أنشطة الزرع والحصاد. لما سبق كان من الضرورى وجود سجل حى يوثق تاريخ مصر الزراعى من نباتات وأدوات وتاريخ ومواسم وغيرها من المظاهر الحياتية المرتبطة بالزراعة ولهذا السبب أنشئ المتحف الزراعى المصرى فى حى الدقى بالقاهرة، كواحد من أبرز المعالم الثقافية التى توثق التراث الزراعى لمصر عبر العصور. تأسس المتحف عام 1930 داخل سراى الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديو إسماعيل وحفيدة إبراهيم باشا التى عرفت باهتمامها بالعلم وشاركت بالأموال الطائلة والأراضى أيضًا فى تأسيس جامعة القاهرة وافتُتح رسميًا فى 16 يناير 1938 خلال عهد الملك فاروق تحت اسم «متحف فؤاد الأول» الزراعى. 

وكان قصر الأميرة فاطمة قد بُنى فى أواخر القرن التاسع عشر، ويمثل طرازًا معماريًا يجمع بين التأثيرات الأوروبية والمصرية. فى عام 1908، وهبت الأميرة القصر للجامعة المصرية، مما ساهم فى تطوير التعليم العالى فى البلاد. لاحقًا، قرر الملك فؤاد تحويل القصر إلى متحف زراعى يوثق تاريخ الزراعة المصرية، وتم اختيار القصر لموقعه المتميز ومساحته الواسعة التى تبلغ حوالى 100 ألف متر مربع، منها 20 ألف متر مربع مخصصة للمبانى.

ويحتوى المتحف على عدة أقسام أهمها:

متحف الزراعة المصرية القديمة, متحف النماذج العلمية, متحف الثروة النباتية, متحف الزراعة اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية, متحف القطن, متحف الصداقة الصينية, متحف المقتنيات الملكية والمكتبة التراثية. 

تضم هذه الأقسام مجموعة فريدة من المقتنيات، مثل الأدوات الزراعية القديمة، والوثائق التاريخية، والنماذج التعليمية، بالإضافة إلى معروضات توثق تطور الزراعة فى مصر من العصور الفرعونية حتى العصر الحديث. 

يُعتبر المتحف مركزًا مهمًا للثقافة الزراعية، حيث يوفر للزوار فرصة للتعرف على تاريخ الزراعة المصرية وأهميتها فى تشكيل الحضارة المصرية. كما يُعد مصدرًا قيمًا للباحثين والطلاب المهتمين بالدراسات الزراعية والتاريخية، ويعزز الوعى بأهمية الزراعة فى التنمية المستدامة.

هذا وبعد سنوات من أعمال الترميم والتطوير، أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى عن بدء التشغيل التجريبى للمتحف الزراعى المصرى اعتبارًا من 16 أغسطس 2025، مع فتح أبوابه للجمهور مجانًا حتى نهاية الشهر. تهدف هذه الخطوة إلى اختبار جاهزية المتحف واستقبال ملاحظات الزوار قبل الافتتاح الرسمى. 

يمثل المتحف الزراعى المصرى فى سراى الأميرة فاطمة إسماعيل صرحًا ثقافيًا يعكس عمق التاريخ الزراعى لمصر، ويُعد شاهدًا على تطور الزراعة ودورها المحورى فى الحضارة المصرية. زيارته تُعد تجربة تعليمية وثقافية فريدة، تتيح للزوار استكشاف تاريخ الزراعة المصرية والتعرف على التراث الزراعى الغنى للبلاد.