مخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف عن أى تهديد لأمنها المائى
لن نسمح أبدًا بالمساس بـ«مياه النيل»

متابعة المندوب الرئاسى: ياسمين خلف
بقصر الاتحادية استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية أوغندا يويرى كاجوتا موسيفينى، حيث عُقدت مراسم الاستقبال الرسمية، وتم عزف السلام الوطنى لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية أوغندا.
وعقد الرئيسان اجتماعًا مغلقًا، أعقبه جلسة مباحثات موسعة شارك فيها وفدا البلدين، حيث بحث الجانبان سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية التاريخية بين مصر وأوغندا، واتفقا على مواصلة تعزيزها خاصة فيما يتعلق بالجوانب السياسية، والتجارية، والاستثمارية، وبما يحقق المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين.
وشهد الرئيسان التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم فى مجال التعاون الفنى فى قطاع إدارة الموارد المائية، وفى مجال التعاون الزراعى والغذائى، وفى مجالات متعددة.
وفى كلمته خلال مؤتمر صحفى عقد عقب المباحثات قال الرئيس السيسى: أخى فخامة الرئيس يويرى موسيفينى، رئيس جمهورية أوغندا، يسعدنى أن أرحب بكم، والوفد المرافق لكم، فى بلدكم الثانى مصر، فى زيارة نُثمِّنها غاليًا، حيث تأتى فى إطار العلاقات التاريخية التى تجمع بلدينا وشعبينا الشقيقين، المرتبطين برباط نهر النيل الأزلى، ويجمعهما عقود من التضامن والتعاون فى مختلف المحافل والمجالات.

وأكد الرئيس أن العلاقات الثنائية المصرية - الأوغندية شهدت تطورًا ملحوظًا فى الفترة الأخيرة، بما يعكس العلاقات والمصالح الوثيقة التى تربط بلدينا، ولقد أكدت خلال مباحثاتنا مع فخامة الرئيس موسيفينى حرص مصر على الارتقاء بالعلاقات مع أوغندا إلى آفاق أرحب، وتطلعنا لأن تمثل زيارة فخامته انطلاقة جديدة نحو شراكة حقيقية بين بلدينا، وقد شهدنا اليوم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم فى مجالات التعاون الفني؛ فى مجال إدارة الموارد المائية، وفى مجال التعاون الزراعى والغذائى، وفى مجال الاستثمار، وفى مجال الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملى جوازات السفر الرسمية، وفى مجال التعاون الدبلوماسى لدعم إنشاء معهد دبلوماسى أوغندى.
تعاون اقتصادى
وتابع: ناقشنا اليوم كذلك سُبل تفعيل التعاون الاقتصادى، وزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين. واتفقنا على الإسراع فى إجراءات تشكيل مجلس أعمال مشترك، وتشجيع الزيارات بين مجتمع الأعمال، بما يُسهم فى تحقيق المصالح المتبادلة. وفى هذا الاطار، سوف ينعقد منتدى الأعمال المشترك على هامش الزيارة للتعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة فى البلدين، والبدء فى اتخاذ خطوات تنفيذية وفعالة فى هذا المجال.
وأضاف الرئيس: تطرقنا كذلك إلى فرص التعاون فى مجال التدريب وبناء القدرات، كما أكدنا حرصنا على المضى قُدمًا فى التعاون فى مجال مكافحة الأمراض البيطرية، فضلًا عن اهتمامنا المتنامى بالتعاون فى قطاع الطاقة.
وفى المجال الأمنى، أوضح الرئيس أنه تم الاتفاق على مواصلة التعاون القائم، لا سيّما ما يشهده من تطورات مهمة، انطلاقًا من الزيارة الأخيرة لقائد قوات الدفاع الشعبى الأوغندية لمصر، والاتفاق على عقد لجنة التعاون العسكرى سنويًا.
وواصل: تبادلت وأخى الرئيس «موسيفينى» الرؤى حول نهر النيل، شريان الحياة لبلدينا، وتوافقنا على أن التعامل الأمثل بين دول حوض النيل يتعين أن يتأسس على ضرورة تعزيز العمل لتحقيق المنفعة المشتركة، والعمل المشترك للحفاظ على هذا المورد الحيوى وتنميته، والتعاون بصيغة «مراعاة مصالح الجميع»، وعدم إيقاع الضرر وفقًا لقواعد القانون الدولى. وكما ذكر فخامة الرئيس «موسيفينى» بحكمته البالغة: «بدون الحفاظ على بيئة حوض النيل، لن نجد شيئاً نتقاسمه».
وأكمل الرئيس، من هذا المنطلق، أكدت لفخامة الرئيس «موسيفينى» دعمنا الكامل لجهود التنمية فى أوغندا، وبقية الأشقاء فى دول حوض النيل الجنوبى، واستعدادنا للمساهمة فى تمويل مشروع سد «أنجلولو» بين أوغندا وكينيا، وذلك من خلال الآلية التى أطلقتها مصر للاستثمار فى مشروعات البنية التحتية فى حوض النيل بتمويل مبدئى قدره 100 مليون دولار.
وأعلن الرئيس عن إبرام مذكرة تفاهم جديدة فى مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية للبناء على التعاون الممتد لأكثر من عشرين عامًا بين البلدين، حفاظًا على بيئة نهر النيل وتنميةً لموارده، بقيمة إجمالية تبلغ 6 ملايين دولار على خمس سنوات، تأكيدًا على الالتزام الراسخ بدعم التنمية فى أوغندا وبقية دول حوض النيل الشقيقة.
وأكد الرئيس ثقته فى الدور البنّاء الذى تقوم به أوغندا لقيادة العملية التشاورية فى مبادرة حوض النيل لاستعادة الشمولية والتوافق بين دول الحوض لتحقيق المنفعة المتبادلة.
إجراءات أحادية
وشدد على رفض مصر الكامل للإجراءات الأحادية فى حوض النيل الشرقى، الذى سعينا أن يكون مصدرًا للتعاون لا للصراع قائلًا: مُخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف عن تهديد وجودى لأمنها المائى، وسنظل متابعين وسنتخذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولى للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية.
وتابع الرئيس قائلًا: اسمحوا لى هنا أن أتوقف لأن هذا الموضوع كان محل نقاش طويل بينى وبين فخامة الرئيس موسيفينى.. أولاً لحكمته، وثانيًا لخبرته الطويلة.. والحقيقة أننا توافقنا على أن موضوع المياه مهم جداً، وأن التنمية أيضًا مهمة.. ونحن موقفنا كان واضحًا منذ البداية.. وأننا لا نرفض أبدًا تنمية شركائنا وأشقائنا فى دول حوض النيل.. ليس لدينا مشكلة فى ذلك، وأنه يجب ألا يكون لهذه التنمية تأثير على حجم أو حصة المياه التى تصل إلى مصر.
وتابع: وجدت فى النقاش مع فخامة الرئيس وجهة نظر يجب أن أذكرها لكم.. حيث تساءل فخامة الرئيس إن كنا جميعًا معًا.. فذكرتُ أننا جميعًا معًا بالطبع.. وأنه لا يوجد خلاف على ذلك.. وذكر الرئيس موسيفينى أن حجم المياه الذى يسقط على الحوض، سواء كان النيل الأزرق أو النيل الأبيض، بالأسس العلمية يصل إلى 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويًا.. وأنه يتم تقسيم هذه المياه جزء إلى الغابات والمستنقعات، وجزء يُستخدم فى الزراعة، وجزء يتبخر، وجزء إلى المياه الجوفية، والجزء اليسير هو الذى يصل إلى النيل الأبيض والأزرق.. وهو تقريبًا 85 مليار متر مكعب من المياه الذى نتحدث عنهم.. بما يمثل نحو %4 من الـ 1600 مليار متر مكعب.. وحينما نطلب أن هذا الحجم من المياه يصل إلى مصر والسودان من أجل العيش بهم حيث إن ليس لدينا مصدر آخر بخلافهم، هل يعنى ذلك رفض التنمية فى دول الحوض أو رفض الاستفادة من المياه المتاحة لديهم سواء كان فى الزراعة أو فى إنتاج الكهرباء؟ لا بالطبع.
وأضاف الرئيس: أؤكد ذلك هنا.. أمام فخامة الرئيس وأمامكم.. وأقول للمصريين إن موقفنا منذ البداية أننا لسنا ضد التنمية، ولم نتحدث حتى عن الاقتسام العادل للمياه، حيث أن ذلك سيعنى التحدث عن الـ 1600 مليار متر مكعب من المياه... وإنما نتحدث عن المتبقى وهو لا يزيد على %4 أو %5.. وذلك أمر مهم جدًا.. فنحن لا نردد «نحن وهم».. بل نحن جميعًا.. فلا أقول مصر والسودان فقط وهم.. وإنما أقول إننا جميعًا معًا.. نعيش جميعًا، وننمو جميعًا، ونتعاون جميعًا من أجل ازدهار واستقرار بلادنا.
وأكمل: من أجل ذلك، أؤكد مرة أخرى فيما يتصل بموضوع المياه بالنسبة لمصر أن ليس هناك سبيلًا آخر لنا.. وقد ذكر لى فخامة الرئيس أن مصر تعنى «الحديقة» فى أوغندا.. وهذه الحديقة لا يوجد لها مصدر آخر من المياه سوى النيل، فلا يوجد أمطار.. وبالتالى فلا أحد يمكن له التصور أن مصر ستتخلى عنها، فالتخلى عن أى جزء منها يعنى التخلى عن حياتنا.. وذلك أمر لن يحدث.
استفادة الجميع
وأشار الرئيس إلى أن مصر تعول كثيرًا على اللجنة السباعية بقيادة أوغندا لأن تصل بنا إلى توافق لاستفادة الجميع والتعاون لدول الحوض.. وهناك دول كثيرة لديها موضوعات مماثلة وقد وصلت إلى تفاهمات واتفاقيات للكل.. ونحن نريد أن نصل إلى هذا الأمر.
واستكمل: اتصالًا بهذه النقطة.. فخامة الرئيس.. أود التوضيح أن من تتساقط لديه الأمطار لا يشعر أبدًا بإحساس من ليس لديه أمطار.. فمصر لا تشهد أمطارًا.. والشعب المصرى لديه حذر شديد وقلق شديد من موضوع المياه.. وأقول للمصريين أننى أقدر ذلك الأمر، وأننى مسئول مع أشقائى والحكماء مثل الرئيس موسيفينى على إيجاد حل لا يؤثر أبدًا على حياة المصريين.
وقال الرئيس: تقابل مصر ضغوطًا كثيرة فى هذا الموضوع، وقد تكون المياه جزءًا من حملة هذه الضغوط لتحقيق أهداف أخرى، ونحن مدركون لذلك. وأؤكد مرة أخرى أننا دائمًا ضد التدخل فى شئون الآخرين، وضد التآمر على الآخرين، وضد الهدم والتدمير. فنحن مع البناء، والتعاون، والتنمية، حيث إن بلداننا فى أفريقيا قد كفاها سنوات طويلة من الاقتتال والصراع.
واختتم الرئيس كلمته قائلًا: أطمئن المصريين مرة أخرى.. إن شاء الله فى هذا الأمر.. فلن نسمح أبدًا أن يتم المساس بالمياه التى يعيش عليها 105 ملايين، و10 ملايين تقريبًا من الضيوف.. فلا نُسميهم باللاجئين.
وتابع الرئيس، هنا، أؤكد وأكرر أن وعى المصريين وصلابتهم.. تعد الركيزة الأساسية التى أعول عليها فى مجابهة أى تحد أو أى تهديد محتمل.. وفى النهاية، أشكركم، وأشكر فخامة الرئيس مرة أخرى، وأرحب به فى بلده مصر.