أسرار الإطاحة بـرانيا يحيى التى تخطت حدود النجاح
جزاء سنمار؟!

تفاصيل يكشفها: أحمد سعيد كامل
للعالم الدكتور أحمد زويل «صاحب نوبل» ــ رحمه الله ــ مقولة شديدة الصدق لتوصيف حالنا؛ إذ يرى أن «الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»، وفى حالة العجز عن إفشال الناجح فنحن لا نفرح له، ولا نسعد بنجاحه، ونشيع الحزن فى أرجاء المعمورة، فليس أصعب على نفس المرء من أن يكون فاشلًا ويرى أمامه نموذجًا ناجحًا.
معرفتى بالدكتورة رانيا يحيى مدير الأكاديمية المصرية للفنون بروما ليست سطحية؛ بل معرفة عن قرب، فهى أكاديمية مرموقة، وفنانة عالمية للفلوت وشخصية عامة مقدَّرة. وكانت مشاركاتها وقت عضويتها فى المجلس القومى للمرأة إيجابية، كما أن كتبها ومقالاتها وندواتها ولقاءاتها عن الوعى والقوى الناعمة نموذج راقٍ ووطنى، وهى من النماذج التى تعمل 48 ساعة فى اليوم الواحد دون كلل أو ملل، ودائمًا ما كنت أسألها فى كل مرة أقابلها: متى ترتاح رانيا يحيى؟ كانت تجيب بابتسامة مصحوبة بكلمة واحدة: ادعيلى.

رانيا يحيى من الشخصيات التى تهتم دائمًا بتفاصيل التفاصيل فى كل مناحى حياتها، التفاصيل التى تكاد تزعج كل من يتعامل معها من دقتها وكثرتها.. ووصلت إلى ما وصلت إليه نتيجة جهد وتعب ومثابرة وليس نتيجة ضربة حظ، أو «وساطة».. وأثبتت جدارتها فى كل منصب أسند لها، أكاديميًا كان أم حكوميًا، وليس انتهاء بالعمل العام.
لم يكن ترشيحها لمنصب مدير الأكاديمية المصرية فى روما من فراغ، ولا مستغربًا، فقد صنعت حالة من النجاح قبله فى المعهد العالى للنقد الفنى، الذى تولت عمادته وجعل نجمها يبزغ فى وزارة الثقافة.

وتعد ترشيحات منصب مدير الأكاديمية المصرية فى روما هى الأصعب والأعقد، ومن ينالهم الترشيح هم دائمًا من صفوة عقول وزارة الثقافة الإدارية، فالأكاديمية إحدى أهم المنارات الثقافية التى تمثل مصر على الساحة الدولية، وتعمل كجسر ثقافى بين مصر وإيطاليا والعالم الأوروبى، وتهدف لتعزيز التبادل الثقافى والفنى بين البلدين، ودعم الفنانين والمثقفين المصريين من خلال توفير فرص للإبداع والتفاعل مع الثقافة والفنون العالمية، وتسعى لتقديم صورة مشرفة عن الحضارة المصرية بوجهها الحديث والتاريخى.
والعالمون ببواطن الأمور على علم ودراية بأن منصب مدير الأكاديمية المصرية بروما كان مرشحًا له د.رانيا يحيى، ووزير الثقافة الحالى د.أحمد هنو قبل توليه الوزارة، وخاضا الدورة التدريبية لشغل المنصب، ثم كان التعديل الوزارى وتولى الدكتور أحمد هنو وزارة الثقافة، وأعلن للدكتورة رانيا صراحة بأن لديه من يتولى هذا المنصب بالفعل، لكن ولأن الترشيح للأكاديمية سبق التعديل الوزارى، فقد تم التصديق على توليها إدارة الأكاديمية، وهو ما ترك فى حلق الوزير غصة، وشعورًا بأنها أتت على غير رغبته.
القريب والمتابع لنشاط رانيا منذ أن وطأت قدمها أرض الأكاديمية رأى كم النشاط والحيوية الذى سرى فى كل أركانها، حيث بدأت رانيا التطوير بالحجر والبشر، فأمرت بصيانة المبنى فور توليها المنصب ليليق بأصحاب المكان وضيوفه، ثم عودة العديد من الأنشطة الثقافية والفنية التى توقفت، مرورًا بالعديد من الأنشطة المستحدثة، التى أضاءت سماء قلب العاصمة روما.
ثم كان افتتاح الموسم الثقافى الفنى أكتوبر الماضى فى موعده، افتتاحًا يليق بعظمة وتاريخ الدولة المصرية بحضور السفير بسام راضى سفير مصر فى إيطاليا، كذلك تم تدشين مبادرة «أكاديمية مصر والثقافة العربية»، بحضور السفيرين المصرى والعراقى بإيطاليا.. وغيرها العديد من الفعاليات وصلت للأربعين فعالية، ما بين معارض فن تشكيلى، وندوات ثقافية وشعرية، وورش لتعليم الرسم والإلقاء والتمثيل، وحفلات موسيقية راقية تنوعت بين حفلات صولو وموسيقى حجرة، وشملت حفلات لأوركسترا الشباب العربى (أيبو)، وأوركسترا (النور والأمل) الفريد من نوعه الذى أبهر الجمهور الأوروبى من خلال حفلين: أحدهما فى الأكاديمية المصرية بروما، والآخر فى جامعة (لا سابينزا) أقدم وأعرق جامعة فى روما، وواحدة من أهم جامعات أوروبا، وتم التعاون مع كونسرفتوار «سانتا شيشيليا» وطلاب فصل ذوى الإعاقة به.. كل ذلك دون دعم يذكر من وزارة الثقافة، ودون أن تتكلف الوزارة أى أجور للمشاركين أو تأشيرات وتذاكر سفر، إلا لحفل واحد فقط للسوبرانو «أميرة سليم».. وحتى قرار ترشيد الإنفاق الحكومى الصادر للداخل تم تطبيقه على الأكاديمية.

ووسط هذا النشاط، وذلك النجاح، وبدلًا من تكريم الدكتور رانيا على تلك الحالة التى ظهرت عليها الأكاديمية، وشهد بذلك ضيوف الأكاديمية وروادها، فوجئنا بقرار الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، بإنهاء تولى الدكتورة رانيا يحيى منصب مدير الأكاديمية المصرية بروما، ما سبَّب حالة من الصدمة والاستغراب، فهل هذا هو الجزاء الأوفى الذى تستحقه رانيا يحيى بعد سعيها الحثيث لرفع اسم مصر فى أهم محفل ثقافى خارجى للدولة المصرية؟!

أرجو أن يراجع الوزير أحمد هنو وزير الثقافة قرار إنهاء الندب للدكتورة رانيا.. فقد أحيت رانيا يحيى الأكاديمية، وقدمت صورة عظيمة لمصر دون أدنى ميزانية تذكر من الوزارة، وصدور القرار لم يكن مسببًا، لذلك فمن حقنا أن نطلب من وزير الثقافة أن يعلن أسباب قراره بعدم تجديد الانتداب، رغم ما رأيناه من إنجازات فعلية مسجلة صوتًا وصورة على موقع الأكاديمية، وتناولته وسائل الإعلام، وحتى لا يترك الأمر للتكهنات والشائعات، وحتى لا يكون هذا القرار «جزاء سنمار»!.
