كيف أعاد «الماديون» الرومانسية؟!

د. هانى حجاج
يستكشف فيلم «الماديون»، بطولة داكوتا جونسون، وبيدرو باسكال، وكريس إيفانز، معاناة المواعدة من منظور واقعى للغاية، يُظهر كيف ترتبط قيمة الشخص غالبًا بثروته ومكانته العاطفية. ويُقدم الفيلم تعليقًا اجتماعيًا على استمرار العالم فى تقدير المعايير الأبوية للجمال والثروة، مع إدراكه للتناقضات الكامنة فى هذه الأمور من خلال وعى ذاتى حاد.
على مدى العقود القليلة الماضية، أدى الجدل الدائر حول الروايات الرومانسية إلى سيلٍ من التعليقات المُهينة والمُقلِّلة، التى أجبرت الناس بلا كلل على الدفاع عنها. وحدث ذلك فى مجال الأدب، وكذلك فى السينما والتليفزيون، مما أتاح للناس حرية التصرف وكأنهم فوق الآخرين عندما يعتبرون الكوميديا الرومانسية مبتذلة أو غير أصلية.

ومع ذلك، غالبًا ما يغفل الناس مدى إنسانية الرومانسية وعفويتها، ويثبت ذلك كتاب «الماديون» لسيلين سونج.
هنا ما يجهله كثير من القراء خارج هذا النوع الأدبى: غالبًا ما تكون الروايات الرومانسية والكوميديا الرومانسية مدركة لذاتها تمامًا. فى عالم أصبحت فيه المواعدة أسهل مما كانت عليه فى القرن التاسع عشر، أصبح لقاء الشخص «المناسب» فى متناول أيدينا؛ ومع ذلك، فإن العالم الحقيقى ليس مسألة حسابية، ولا صيغة سهلة. وهذا تحديدًا ما يستكشفه «الماديون» فى فيلم لا تتجاوز مدته ساعتين، ولكنه غنى بكل ما يعرضه.

لو كان الغرض هو مثلث الحب فى فيلم «الماديون» لبدا غير ضرورى وعبثى وممل. لكن لدى سونج هدف واضح وقصة ترويها. الزواج كان وسيظل دائمًا صفقة تجارية، ولكن ماذا يحدث عندما لا يكون هناك حب؟ من يختار ماذا ولماذا؟ ستختار نساء لا حصر لهن هارى الساحر والغنى الذى يجسده باسكال، بينما ستواجه أخريات صعوبة فى التخلى عن جون الذى يجسده إيفانز رغم معاناته المالية. لا يُعطى الفيلم الأولوية لإجابة صحيحة أو خاطئة، لكنه يستكشف النفس البشرية بعناية من خلال دراسة ما يريده الكثير من الناس من العلاقة - أن يُقدّروا. واللافت للنظر أن كلا الرجلين يُقدّران ويريان لوسى جونسون على حقيقتها. إنهما يريان قيمتها وقيمها، مما يجعل الاختيار الذى تتخذه فى النهاية هو الأفضل لها.
كان من الممكن أن يُشوّه الفيلم سمعة أحد الرجلين ليُثير بينهما صراعًا مُرهقًا، لكن لحسن الحظ لم يحدث ذلك، لأن الشرير هو نموذجٌ لعددٍ لا يُحصى من الرجال فى مجال المواعدة. رجالٌ يكذبون ويخدعون، وينظرون إلى النساء كفريسة. بهذا، يُنسج سونج قصةً حول الاعتداء على أخريات، مُؤكدًا أن تحديد شخصية الشخص ليس بالأمر السهل.
مسألة ثقة!
لا يُمكن الوثوق بالناس دائمًا، وهذا ما يُصعّب الأمور كثيرًا، وخاصةً على النساء. يكمن جوهر ما يُفكّر فيه الماديون فى عمقه، إذ يُفكّكون بدقة التفاصيل التى تُؤثّر فى عدم رؤية البشر بعضهم لبعض كأشخاص. لقد سيطر الشر والألم. يُعزى الكثير إلى أن الأمور المادية تُساهم فى البؤس، والوعى الذى ينبع من معرفة الشخصيات بكل هذا يُتيح للقصة أن تكون جديرة بنقاشات مُعمّقة.

إن قدرة سونج على تحويل الأمور البسيطة إلى آسرة بشكلٍ مُؤثّر، هى ثمرةُ عاطفةٍ عميقةٍ تُضفيها على كلماتها.
تقول: وبصفتى كاتبة رومانسية، أؤكدُ أمرًا بسيطًا: إن لم تُؤمن أنت بنفسك بالكلمات التى تكتبها، فلن تكون مُثيرة. الأمر لا يتعلق بالنثر المُزخرف أو الإيماءات الكبيرة، بل بالحوارات التى تُناسب الشخصيات والمشاعر التى تُغمرها والتى تنبع من عفويةٍ وهشاشةٍ وصدق. سونج بارعةٌ فى تحقيق ذلك، وجميع النجوم الثلاثة مُتقنون فى أدائهم.
يُعدّ نطاق بيدرو باسكال قوةً لا تُضاهى فى هوليوود حاليًا. إنّ إتقانه للدور وتجسيده الكامل للشخصية، بينما يُنسينا كل دورٍ آخر أدّاه، ليس بالأمر الهيّن. إنه فنّ يتقنه، كما أن سحره الطبيعيّ وطيبته اللذين لطالما انبثقا من هارى. من نواحٍ عديدة، كان بإمكانه أن يكون شخصيةً أحادية البعد بدون كل هذا القلب، ولكن مع المشاعر المُخلّلة فى الكلمات وكل ما يُقدّمه باسكال، فإنّ هارى يُمثّل متعةً مُطلقة.
ينطبق الأمر نفسه على كريس إيفانز، فهو بارعٌ فى أدوارٍ كهذه لدرجة أنه من المذهل أن يصفه الناس بأفضل أداءٍ له حتى الآن.
كان إيفانز أيضًا رائعًا فى دور ستيف روجرز، وهو بارعٌ فى فيلم «الماديون» لأنه يُقدّم باستمرار أداءً صادقًا وصادقًا يُؤثّر فى المشاهدين. ببساطة، لم يُتابعه الناس عن كثب.
والأهم من ذلك، أن الأداء الرائد الذى أبدعته داكوتا جونسون هو ما يستحق أن نشيد به. جونسون مُذهلة فى نقل النكات اللاذعة، والتأملات الصادقة، ولحظات الضعف الرقيقة من خلال شخصية متعددة الجوانب لدرجة أنه من المذهل رؤيتها وهى تمشى ببساطة. كل ما نراه فى الشخصية، والسبب الذى يجعلها لا تُنسى، وواقعية، ومصدر راحة لنا، يعود إلى الأداء المتعدد الجوانب الذى تُقدمه جونسون.

فيلم «الماديون» لسيلين سونج، بطابعه الخام والصادق والحساس، وأدائه الرائع، هو قصة حب آسرة من البداية إلى النهاية.
فهو فيلم مثير للتفكير، وتصويره بديع، وموسيقى تصويرية رائعة أخرى من دانيال بيمبرتون، ما يجعله بلا شك فيلم الصيف الأنيق.