الأحد 21 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هنا القاهرة من برلين

المتحف المصرى الكبير جسر تواصل العلم والثقافة والفن بين مصر وألمانيا

على أنغام سيمفونية تعزفها أوركسترا (كونسيرت هاوس) بدأت رحلتى لبرلين هذه المرة، وكأن مدينة الثقافة والمتاحف تكشف لى عن وجه جديد من أوجه روعتها كمدينة للفنون.



المشهد فى ساحة مسرح «جندار من ماركت» مهرجان كلاسيك فى الهواء الطلق فهى أحد أبرز المنصات الموسيقية الصيفية فى ألمانيا. 

 

آلاف من الجمهور فى حالة سكون وصمت واستمتاع بعزف  أشهر السيمفونيات الموسيقية العالمية مع هطول الأمطار التى لم تحرك ساكنًا.. ليرسم مشهدًا سينمائيًا فريدًا من نوعه.

كنت أتابع المشهد الفنى الراقى من شرفة مبنى منتدى العلوم فى برلين المواجه للأوبرا مع لفيف من الشخصيات العلمية والأكاديمية المصرية والألمانية التى تم دعوتها خصيصًا للاستمتاع بالحفل من شرفات المبنى المطل على أهم وأغلى مشهد فنى فى العالم.

بالتأكيد العلم والفن والثقافة جسور مشتركة للتواصل بين الشعوب والدول، لذلك لم يكن صدفة أن تتجاور أهم الصروح العلمية مع الفنية والثقافية فى ساحة واحدة، ولذا لم يكن أمرًا عابرًا ولا مجرد خاطرة أن تقيم الجامعة الألمانية -ضمن برنامج احتفالية علمية وهى تواصل 2025 للطلاب فى نسخته الثالثة- معرضًا أو نموذج محاكاة للمتحف المصرى الكبير فى حرم الجامعة الألمانية فى برلين قبيل افتتاحه الرسمى فى مصر. 

كان تخطيطًا مع سبق الأصرار والترصد لتصبح احتفالية تضم 6 فعاليات كلها تصدح بشعار هنا القاهرة من برلين.

(تواصل)، هو عنوان  الفعالية العلمية الرئيسية  التى  تقيمها الجامعة  الألمانية  بالقاهرة كمبادرة لاكتشاف المبتكرين وتدريبهم على كل أحدث التقنيات والتخصصات الجديدة، (تواصل) كمعنى وكهدف أصبحت العنوان الكبير والفرعى لكل ماجرى من أحداث فى برلين خلال الأسبوع الماضى.

فمن المشهد الأول فى ساحة الكونسيرت هاوس والموسيقى التى جمعت كل عشاقها من مختلف الجنسيات واللغات استمتاعًا بلغة واحدة وهى المشاعرالراقية.

 

 

 

ومن تواصل القلوب والمشاعر إلى تواصل العقول والعلماء، حيث مبنى منتدى العلوم ببرلين الذى تابعت من خلال شرفته ذات الموقع الاستراتيجى المطل مباشرة بصورة بانورامية على الحفل  هو أيضا منصة تواصل بين الجهات العلمية المرموقة وبينه وبين الفنون بمشاركته الموسمية كل صيف فى العمل الموسيقى الأبرز فى أوروبا.

وفى حرم الجامعة الألمانية، حيث مقر معسكر التواصل الطلابى الذى أقيم فى مقدمته معرض للمتحف المصرى الكبير بنماذج من آثاره ومقتنياته فتشعر أنك تعبر محطة تواصل أخرى عبر الزمن من الفرعون المصرى القديم بانى الحضارة المدهشة إلى الفرعون المصرى الحديث المبتكر للمستقبل.

تفاعل حضارى

بينما كان يتم الإعداد لفعاليات دورة (تواصل 2025) فى نسختها الثالثة فى برلين لاكتشاف المواهب الشابة المبتكرة وتدريبها لوضعها على طريق المستقبل،  كان هناك دور آخر تسعى لتحقيقه الجامعة الألمانية بالقاهرة كجسر تواصل علمى وثقافى وحضارى، فتم البحث عن ما يمكن أن يقدم لمصر فى هذا الإطار، وكانت فكرة إقامة معرض ترويجى للمتحف الكبير  فى العاصمة برلين التى تضم وحدها 175 متحفًا وتعتبر من أكثر العواصم الأوروبية شعبية وسياحيًا يأتيها السياح من كل أنحاء العالم.

لذا لاقت فكرة أن يقام معرض مصغر يحاكى المتحف الكبير فى مصر كنوع من الترويج الثقافى والسياحى  قبولًا واستحسانًا  وتم التعاون بين د. أشرف منصور - رئيس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة   ود. أحمد غنيم - المدير التنفيذى للمتحف.. لوضع تفاصيل المعرض.

  النتيجة حالة من الإبهار والإعجاب فى الافتتاح على وجوه أكثر من ألف مدعو ما بين شخصيات دبلوماسية وسفراء دول ومسئولين ألمان وشباب مصرى وألمانى وجنسيات أخرى.

  فى عيون الآخرين 

على أبواب المعرض المحاكى للمتحف المصرى الكبير بحرم الجامعة الألمانية ببرلين وقف كثير من المدعوين والجمهور رفيع المستوى من السفراء الأفارقة والمسئولين والمثقفين الألمان وشباب من كل الجنسيات    ينتظرون بشغف لحظة الافتتاح والدخول لرؤية المتحف.

ورغم أنه كان  يومًا مطيرًا جدًا؛ فإنه لم يمنع الحضور من  رؤية هدية مصر للعالم أجمع ودرة تاج المتاحف.

وانطلق الحضور بين جنبات المعرض وعلامات الإعجاب والانبهار تعلو الوجوه ووقفات التأمل أمام كل قطعة أثرية تطول مع شرح من الشباب المنظمين، بالإضافة لشاشات عرض لأفلام وثائقية مع المتحف وفيديوهات عن عمليات الترميم ومراحل إنشائه بشكل احترافى،  وكان من ضمن المفاجآت بلطة يدوية أثرية وعمرها 700 ألف سنة!

والمتحف المصرى الكبير الذى يقع أمام إحدى عجائب الدنيا السبع وهى الأهرامات لم يتم اختيار موقعه عشوائيًا؛ بل برؤية حكيمة بعيدة المدى فى تركيبة أثرية وسياحية ومؤسسية بانورامية. فهو على بعد أمتار من الهرم وأنشئ على بعد أمتار منه مطار سفنكس وبجواره مجموعة كبيرة من الفنادق لخدمة السائحين وزواره.

 وحتى مطار القاهرة فقد امتد الطريق الدائرى واتسع بحاراته لتسهيل الوصول للمتحف فى وقت أقل بعيدًا عن زحام الطرق العادية .. ويكفى أن المتحف الكبير بموقعه هذا غيَّر وجه الحياة فى منطقة بأكملها فقد اختفى كثير من العشوائيات واتسعت الشوارع وتغير النمط المرورى فيها.

هو بلا شك عمل قومى وعالمى وهو الوِجهة  الأولى  لكل من يهتم بالتراث المصرى القديم، كأكبر متحف فى العالم يروى قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة.

 كان سؤال يراودنى دائمًا لماذا تم اختيار شخصية اقتصادية بالأساس (أستاذ اقتصاد) ليدير المتحف الكبير بكل عظمته ومكانته الأثرية والمتحفية والتاريخية؟ فلماذا لم يتم اختيار شخص أثرى أو من المتخصصين العالمين ببواطن المتحف وما يحويه؟

لكن إحقاقًا للحق ما أن شاهدت واستمعت واستمتعت بالعرض المرئى والشرح الوافى والرؤية الشاملة العميقة لمشروع المتحف..حتى صفقت بيدى بعدما فهمت المغزى والهدف من اختيار دكتور أحمد غنيم  للمتحف المصرى الكبير، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ورئيس متحف الحضارة السابق، وهو عضو مجالس إدارة المتحف القومى  للحضارة المصرية والمتحف المصرى الكبير والمجلس الأعلى للآثار وصندوق دعم السياحة والآثار، إضافة إلى قائمة طويلة من المناصب والخبرات العلمية والاقتصادية.

 فهمت أن اختياره لضمان البقاء والاستمرارية  من خلال خلق نموذج اقتصادى جديد للمتحف قادرعلى تغطية تكاليفه بتوفير التمويل والقضاء على البيروقراطية وضمان الكفاءة، ويؤكد ذلك طبعا سابق تجربته الناجحة فى إدارة متحف الحضارة لمدة أربع سنوات.

 

 

 

 أكثر انبهارًا

 أمام جمهور من مختلف الجنسيات بدأ عرض فيلم وثائقى للمتحف مع شرح مفصَّل من د أحمد غنيم  فى عرض ترويجى هو الثانى عالميًا بعد الذى قُدم فى  اليابان ولاقى استحسانًا وصدى قويًا.

  شتان ما بين أن تشاهد إنجازًا قوميًا لبلدك هنا، وأن تشاهده هناك بين دول العالم، فى الحالتين بلا شك ستشعر بالفخر والانتماء لكن فى الخارج ستكون الوتيرة والإحساس أعلى بكثير مع فضول متزايد لمعرفة رأى الآخرين وتأثير هذا الإنجاز على المستوى العالمى وقد يكسب الشخص منظورًا جديدًا وتقديرًا أكبر للإنجاز.

 وبدأ مشروع المتحف فى مايو 2005، حيث تم تمهيد الموقع وتجهيزه. 

وفى 2006، تأسس به أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خُصِّص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف.

ومر المتحف بعراقيل وتحديات لسنوات إلى أن أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية قرار تشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصرى الكبير برئاسته وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والدولية.

ومن مفاجآت المتحف عرض مراكب خوفو بعد إعادة ترميمها كاملة وتوت عنخ آمون  وأفراد من عائلته،  بخلاف تمثال رمسيس الثانى الذى يقابل الجمهور والزوار فى واجهة المتحف والمسلة المعلقة والعديد من القطع الأثرية النادرة من عصر ما قبل الأسرات ومن العصرين الرومانى واليونانى.

أنشودة إيزيس

  توالت كلمات المسئولين الألمان من الهيئات العلمية والثقافية ولكن توقفت عند  كلمة عمدة  منطقة راينكندورف قالت فيها: 

 «يشرفنى بشكل خاص حضور هذه الفعالية المميزة، التى تجمع بين افتتاح معرض المتحف المصرى الكبير وورش عمل  (تواصل) ذات التنوع الثقافى والقوة الابتكارية الصيفية».

وقدمت الشكر للدكتور أشرف منصور، الذى جعل هذا الحدث ممكنًا بفضل رؤيته الثاقبة  ودوره الذى يقدمه لوطنه، وعبرت عن شكرها للدكتور أحمد غنيم، على محاضرته القيّمة التى جسدت أهمية المتحف بما يتجاوز حدود مصر.    ومع أنغام أنشودة إيزيس الفرعونية بصوت أوبرالى للفنانة عهود خضر مديرة الأكاديمية الموسيقية بالجامعة الألمانية بالقاهرة، صمت الحضور وأنصت مبهورًا فى حضرة   وقوة الأداء،  وهو ما زاد من شعورنا جميعًا بالفخروالانتماء وزادنا سعادة بأن أحفاد الحضارة العظيمة ما زالوا يشعلون الدنيا بفنونهم وابتكاراتهم. وللحديث بقية فى حلقة قادمة نتناول فيها باقى رحلة «تواصل» المبتكرين الشباب فى ألمانيا.