الأربعاء 3 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

زياد وسر الجين «25»

أن تمر كالسحاب، تُنسى، بل ولا يتذكر أحد من أنت. لكنك فوق.. كالسحاب! أن تولد عبقريًا لكن تأثير الجين رقم 25 يزرع فيك مفاتيح النبوغ الكامنة فى الصبر، تتعلّم أن تكون رقم واحد حقًا لا مجرد لقب ذاتى المنح، وأن تصمد على اختلافك المحيّر الجالب للمتاعب، تتقبَّل شرارة الموهبة التى تجعل من يقترب منك إما يأتنس بنورك أو تلسعه نارك، كما تتقبَّل الموت بصدر رحب حتى ليبدو كأنك تتحدَّاه!



 مولود بمعضلة الانقباض: القلق من اللا مثالية - اهتزاز داخلى عميق من الخوف ألا يكون النغم فى رأسه موافقًا اللحن الذى سيعزفه للناس. يبدأ بالارتعاش فى داخلنا حالما نشعر بالانفصال. لا نستطيع التفكير فى طريقة للخروج منه. المعرفة العقلية لا تكفي. لذا، علينا أن نتعرف على القلق مباشرةً. وفى اللحظة التى نُدخل فيها وعينا إلى الجسد، يبدو أن القلق، وللغرابة، يتبدد.

أنفاس الموسيقى هى المفتاح. إنها تُبطئ إيقاعاته العميقة. يمكنها أن تُدخله إلى «إيقاع مهيب». إنها تسمح بمزيد من الوعى فى يومك. السماح قوي. نُدخل وعينا إلى جسدنا المادى - إلى الأحاسيس وعدم الراحة فى جسدنا، مهما كان ما يحدث. لا تُبالِ بالمشاعر أو الأفكار، فهى ستأتى لاحقًا. نحن فقط نسمح لجسدنا أن يشعر بما يشعر به. الجسد هو انقباض الوعي. والقلق هو الاهتزاز الذى يُلهم سعينا نحو المعرفة العليا.

بمجرد أن تستقر أنفاسه ويستعيد بعض استقراره الداخلي، يمكنه الشعور بمشاعرك دون أن تطغى عليها. قد نبكي، نشعر بالحزن، أو الخدر، أو الغضب، أو الخوف. لكن الآن على الأقل، أصبحنا على تواصل مع مشاعرنا. يحدث القبول عندما نتذكر قلوبنا. يُذكرنا قلبنا بأن كل شيء على ما يرام. حتى فى خضم الألم، لا يزال كل شيء على ما يرام فى أعماقنا. وهنا نبدأ باستعادة الثقة. مع القبول، يبقى الأمل حاضرًا. القبول يُتيح لنا إمكانية حدوث التحول.

وبينما نواجه جراحنا، تصبح رحلتنا أوضح وأسهل - بينما ننتقل من درب الخوف إلى درب الحب... هكذا كانت مشاعر زياد طفلًا ومراهقًا وهو يُدرك أنه يرث تركة موسيقية هائلة من أمه، فيروز، ووالده وعمه، عاصى ومنصور الرحباني.

بلا ولا شي

من أصعب الأمور على البشر تقبّل جمال الحياة. نتجاوزها بسرعة كل يوم. لكن دون وقت للتوقف، ودون الموقف الصحيح، لا نتحرر أبدًا من عقليتنا المقيّدة والمدمنة. لكن الحياة التأملية تمنحك وقتًا للجمال. إنها تسمح لبعض من الجرأة بالعودة إلى روحك - المرح، والحب، والإبداع، والطبيعة النقية.

كل هذا الحب - مُخزّن فى حمضنا النووي. الحمض النووى الذى يتسرب عبر ذاكرة الأجداد. الحب العالمى هو احتضان الجرح الجماعي. إنه الطريق إلى الدين، إلى الله. لذا، نواصل الانفتاح والقبول. وسيقودنا الطريق إلى هناك، من تلقاء نفسه. وبينما ينفتح قلبنا على تجاربنا، يمكن للعقل أخيرًا أن يتخلى عنها. وعندها، يحدث السحر فى الاحتضان. بقلب مفتوح، يمكنك أن تُشعل شرارة تحولك الخاص، وكان زياد فى زيارات الكنيسة مع أسرته يتساءل عن كل ما يراه وأيضًا يحتفظ بكل ما يسمعه، لم تكن الترانيم تؤثر فيه نفس أثرها التقليدى فى المحيطين به من شجن وتأثر ديني، بل فهم أن بها ما يربطه مباشرة بألحان السماء لا ليسمعها تدندن فى أذنيه بل يستحضرها بنفسه من أعلى عليين.

فى شبابه يخوض تجربة الحب، يتمرد على الأب والعم (رغم تأثره بهما فى البدايات كما فى سألونى الناس وقديش كان فيه ناس) ينسحب ليستمد قوته من الماضى ومن حاضره ومن فكرة مجنونة عن المستقبل- من أخطائه، ومن التاريخ. إذا لم ندع وعينا يرتاح، فكيف سنرى ما يجرى فى حياتنا حقًا؟ هذا المفتاح الجينى مليء بالحكمة الطبيعية والأسرار والاكتشافات. ومع ذلك، ما لم نعطِ الأولوية لحياتنا الداخلية، فستكون حياتنا بلا حياة، وبلا حب.. أحب كل ما هو موسيقي، انغمس فى الطرب الشعبى اللبنانى والمصري، غرق فى الجاز، ولم ينس الكلاسيكيات.

 

 

 

لولا فسحة الأمل

إذا كنت من الفئة التى ينتمى إليها زياد الرحبانى وينشط لديهم أثر الجين 25 ستعرف أن اليقظة الذهنية هى أن تُدخل نفسك إلى اللحظة الراهنة بهدوء. إنها ببساطة مراقبة بيئتك الداخلية والخارجية، دون توقعات أو أحكام شخصية. إنها أيضًا تتعلق بالإبداع - استغلال غنى خيالك النشط. وأخيرًا، هى أن تتذكر الاحتفال بنجاحاتك الماضية، وأن تُقدّر ما تعلمته من أخطائك.

ممارسة اليقظة الذهنية عملية تُثرى الحياة. تبدأ بالانجذاب نحو التجارب التى تُثرى روحك، بدلًا من التجارب أو الإدمانات التى تُحفز حواسك ببساطة، أو تُفرط فى تحفيزها. مع مرور الوقت، تتحول الكارما الكامنة فى حمضك النووى بشكل منهجى إلى جوهر نقي. هذا الجوهر رائع لدرجة أنك ستجد نفسك تتوق إليه أكثر. انسحب زياد بهدوء من موسيقاه الحالمة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وسمعنا صوته على إذاعة «صوت الشعب»، فى أعمال إذاعية ساخرة لاذعة، عرض من خلالها يوميات الحرب، «العقل زينة»، «بعدنا طيبين قولوا الله»، و«تابع لشى تابع لشي».

وصفته مجلة الآداب اللبنانية بأنه صائد التحولات والانكسارات بعد إخراجه مسرحيتى لولا فسحة الأمل، وبخصوص الكرامة والشعب العنيد. نعترف أن أغلبنا يتعرّف على حياته وثراء أعماله لأنه انتقل إلى رحمة الله الآن كما قضت آفة حارتنا، لكن بعضنا يتذكر مقالًا كُتب عنه فى النيويورك تايمز وصفته بما يمكن ترجمته بملك الجاز الشرقي، ذلك لأن نوع الموسيقى التى كان يقدمها لا تنتمى إلى ما سبقها من كلاسيكيات ولا هى الجاز بشكله المعروف. تخرج الآن أصوات جانبية منفرة تتهمه بأشياء عجيبة منها أنه مجرد طفل مدلل ورث المجد من فيروز فعاش فى نعيم شهرة لا يستحقها، هؤلاء يتجاهلون موسيقاه ومقالاته وما كتبه للمسرح وأخرجه وكل ذلك توقف عدة مرات بسبب ضعف الإنتاج وعدم توفر التمويل، ولا تنس أنه فى أكثر الأوقات كان يخسر الجميع لا لسبب إلا لأنه حارب الطائفية فاتفقت الأحزاب المتناحرة على كراهيته!