أوائل الثانوية.. آراء فى تطوير التعليم
استمعت إليهم: بسمة مصطفى عمر ريشة: سارة الحسينى
بناء العقول يبدأ بفكرة، ويكتمل بتعليم حر يحقق الحلم.
وفى رحلة الثانوية العامة يقف الآلاف أمام أسئلة كثيرة لا ترصد فقط فى الدرجات، بل تمتد إلى جوهر التجربة التعليمية نفسها.
كيف نضع نظامًا يطور الفكر بدلا من التلقين، وكيف نترك مساحة حقيقية للإبداع، بحيث لا تقتله كثافة المواد وضغط الجداول؟
فتحت مجلة «صباح الخير»، دفاتر المتفوقين أوائل الثانوية العامة، لتكشف جوانب أخرى فى حياتهم، بداية من أحلامهم.. مرورا بأمانيهم لو كانوا فى مواقع القرار ليوم واحد فقط لإبداء الرأى فى ملف التعليم.
تقدم هذه السطور حوارًا مفتوحًا مع العقول الشابة، التى حجزت مكانها فى صدارة الثانوية العامة، للتعرف على ما يدور بأذهانهم من أفكار، والتعمق فى خزائن تجاربهم، وما كشفته الثانوية عن أنفسهم، لتكون منارة لجيل يسعى لصنع تعليم أكثر إبداعًا.

طموح متجدد
عمر سعد الدين كامل، أول الثانوية العامة علمى علوم، حصل على المركز الأول بمدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا بمجموع 675.97 درجة، ويتبع إدارة شرق طنطا التعليمية، كرمه محافظ الغربية، وحزب مستقبل وطن، والجامعة الوطنية، تقديرا لتفوقه.
قال عمر، إن حلمه الأكبر بعد التخرج من الجامعة، هو أن يقدم شيئًا جديدًا يخدم الناس، وألا تقتصر حياته على الدراسة فقط من أجل الحصول على شهادة كغيره، رغم أنه لم يستقر حتى الآن على التخصص الذى سيلتحق للدراسة به، ولكنه يفاضل بين المجالين الطبى والبحثى بكليات العلوم.
ويتحدث عمر عن تجربته فى مدارس العلوم والتكنولوجيا، مؤكدًا أنها مدارس داخلية يقيم فيها الطلاب معظم الأسبوع، وهو ما يجعل الدراسة والحياة متداخلتين بالكامل داخل المدرسة، ويوضح أن الجانب العملى فى هذه المدارس يشغل نحو 60% من الدراسة فى الصفين الأول والثانى الثانوي، بينما يقل نسبيًا فى الصف الثالث ليتراوح بين 30% و 40%، حيث يتركز العملى أكثر فى الترم الأول ويقل فى الترم الثاني.
وعن المواد الدراسية، يرى عمر أنه كان من الأفضل إضافة مواد رياضية وإحصائية لدعم طلاب شعبة علمي علوم، مشيرا إلى أنه كان يتمنى التوسع فى بعض المواد، أو تقديم مواد إضافية تغطى جوانب دراسية أخرى يحتاجها الطلاب.
طلبنا من عمر تصميم «يوم دراسى مثالي» من وجهة نظره، فقال إنه يفضل تخفيض عدد الحصص اليومية مع زيادة مدة كل حصة، معتبرًا أن هذا يقلل من التشتت ويساعد على التركيز بشكل أفضل، وأوضح أن تنوع المواد فى اليوم الواحد مثل الجمع بين الأحياء والفيزياء والكيمياء والعربى يشتت الطلاب، بينما التركيز على مادتين أو ثلاث مواد مترابطة وبمدة أطول يكون أكثر فاعلية.
كما انتقد طول اليوم الدراسى الذى يبدأ فى 6:30 صباحًا، ويستمر حتى بعد 3 عصرًا، معتبرًا أنه مرهق خاصة لطلاب المدارس الداخلية، وأكد أن زيادة عدد الحصص وطول اليوم يفقد الطلاب التركيز، ولا يمكنهم من الاستفادة الكاملة من الشرح.
وينصح عمر الطلاب بعدم الاستسلام للملل سريعًا، ويدعوهم إلى تحقيق التوازن بين حياتهم الدراسية والشخصية، وتنظيم الوقت بفاعلية، ويعود سر تفوقه إلى قدرته على تحقيق هذا التوازن، والتكيف مع ظروف الدراسة مع الوعى الكامل وسلبياتها وإيجابياتها، كما أنه كان يستعد دومًا للاختبارات المتتالية.
مدرسة صيفية
عن حلمه بمشروعه الخاص، قال إنه يتمنى تأسيس مدرسة صيفية تحول المواد النظرية إلى تطبيق عملي، ليكتسب الطلاب مهارات حقيقية يمكنهم نقلها لغيرهم، مشددا على أهمية التعلم القائم على التجربة والتطبيق، ويرى أن الاعتماد على الكتب الإلكترونية بصيغة PDF أكثر سهولة من الكتب الورقية.
أما إبرام يوسف مكرم، الأول على مدارس المتفوقين شعبة الرياضيات، بإدارة حدائق أكتوبر، بمجموع درجات 682.7، يرى أن مدرسته تتميز بتركيزها الكبير على الجانب العملى والمشاريع البحثية أكثر من الجانب النظري، حيث يمثل الصفان الأول والثانى الثانوى 60% من المجموع، بينما قلت نسبته فى الصف الثالث إلى نحو 20%، لكنها تبقى مؤثرة فى التقييم.
يحلم إبرام بدراسة الهندسة الكيميائية، التى يعتبرها الأقرب لتطلعاته فى مجال الإنتاج الصناعي، موضحًا أن الكيمياء فى كلية العلوم تختلف عن الهندسة، فهى فى العلوم تقتصر على المعامل، بينما تركز فى الهندسة الكيميائية على العمل فى المصانع الكبرى، وشركات البترول، والصناعات الكيميائية، ورغم ذلك، فهو لم يحسم قراره النهائى بعد، ويعتزم القراءة والبحث والمقارنة حتى يستقر على تخصص يستطيع أن يحقق فيه أكبر استفادة.
ويتمنى إبرام لو تمنح للطلاب حرية أكبر فى اختيار بعض المواد أو إلغائها، مؤكدًا الحاجة لإدماج مواد جديدة متخصصة، مثل الإلكترونيات، أو مجالات مرتبطة بالهندسة، والتكنولوجيا، والبايوتكنولوجي، حتى تواكب مدارس المتفوقين اسمها وهدفها، ولا تصبح نسخة مكررة من الثانوية العامة التقليدية.
ويرى أن مدارس العلوم والتكنولوجيا تحتاج إلى تركيز أكبر على التدريب العملى والتطبيقات الواقعية داخل المعامل والمحاضرات العملية، بما يتجاوز الامتحانات النظرية ليؤهل الطلاب بشكل حقيقى لسوق العمل.
ويقترح تصميمًا مبتكرًا لليوم الدراسي، يعتمد على نظام شبيه بالجامعات، بحيث تتاح الحصص فى أكثر من توقيت، ويختار الطالب الموعد الأنسب له وفق طاقته وقدرته على التركيز، معتبرًا أن المرونة فى الجدول الدراسي، تساعد على الاستيعاب العميق، بدلاً من الالتزام بجدول ثابت قد لا يناسب قدرات الطالب فى أوقات معينة.
قال إبرام إنه إذا أصبح وزيرًا للتعليم ليوم واحد، فأول قراراته سيكون القضاء على الدروس الخصوصية، التى يعتبرها عائقا أساسيًا أمام تطوير التعليم، لأنها تجعل الطلاب يعتمدون على مصادر خارج المدرسة، وتهدم النظام التعليمى من أساسه.
ويرى أن إلغاء بعض الأجزاء التقليدية من المواد الأدبية مثل النصوص المحفوظة، سيتيح للطلاب فرصة الإبداع بدلاً من الحفظ، خاصة فى ظل حاجة النظام التعليمى إلى التحديث، ليتماشى مع قدرات الطلاب ومهاراتهم.

صمود ووعي
حصلت مى حسن محمد، من الغردقة على المركز الثالث فى شعبة «علمى علوم»، بمجموع 317 درجة، مؤكدة أن الإحساس بالمسؤولية كان العامل الأهم فى مسيرتها نحو النجاح.
ولو عاد بها الزمن، تقول مى إنها كانت ستغير فقط طريقة المذاكرة لتخفيف الضغط النفسى والجسدى الذى عانته طوال العام الدراسي، حيث لم تمنح نفسها وقتًا كافيًا للراحة، وأدركت لاحقًا أن بعض الالتزامات التى أجلتها كانت مهمة فعلاً، وتحذر مى زملاءها من استنزاف الوقت على الهواتف المحمولة أثناء أوقات الاستراحة، مؤكدة أن دقائق قليلة قد تفقد الطالب تركيزه وتزيد من تشتته الذهني.
تحلم مى بمستقبل طبي، لكنها لم تحدد بعد التخصص، إلا أنها تؤمن بقدرتها على التفوق فيه، وفتح عيادة خاصة لتقديم خدمة حقيقية للمرضى، وأكدت أن تنظيم الوقت، ومراعاة عدم التمييز بين المواد الدراسية بحجة «الحب»، هو سر النجاح.
وترى مى أن الضغط النفسى المرتبط بالتحصيل والدراسة، كان أكبر من الضغط الذهنى أو العقلي، لذلك لو أتيحت لها سلطة اتخاذ القرار كوزيرة تعليم ليوم واحد، لألغت الاعتماد الكامل على المجموع كشرط أساسى للقبول الجامعي، مؤكدة ضرورة مراعاة المهارات والميول إلى جانب الدرجات، حتى لا يضطر الطالب لاحقًا للتحويل إلى كلية أخرى يفقد فيها عامًا كاملاً، ويواجه حكمًا اجتماعيًا قاسيًا من الآخرين.
وتشير إلى أنها تملك اهتمامات وهوايات لم تجد الوقت لاكتشافها أو تنميتها بسبب الضغط الدراسى المستمر، مثل القراءة والتصوير والرغبة فى تعلم البرمجة واللغات، وترى أن التعليم المباشر يظل أكثر فاعلية من الدراسة عبر الإنترنت، حيث يمنح الطالب فرصة التفاعل المباشر مع المعلم، على عكس الشرح الافتراضى الذى قد يطول ويزيد من التشتت ويفقد الطالب تركيزه.
تركيز منظم
احتل الطالب عمر إسلام محمد، من بنها، المركز الرابع فى شعبة «علمى رياضيات»، بمجموع 319 درجة من أصل 320، وهو نفس مجموع المراكز الثلاثة الأولى، لكن الترتيب جاء وفقًا للأبجدية والسن، ويؤكد عمر أن كل وقت قضاه فى المذاكرة كان فى مكانه الصحيح، حتى إن فتح له وقت للراحة كان سيستثمره فى الاستعداد للامتحانات القادمة.
وقال عمر، إن أكثر خطأ يقع فيه الطلاب، هو تشتيت أنفسهم بين دروس خصوصية كثيرة فى نفس اليوم لمواد متباينة، ما يؤدى إلى فقدان التركيز بسبب الانتقال من مادة إلى أخرى دون ترابط، وهو ما يشبه على حد وصفه «جزرًا منعزلة بلا جسور»، لذلك ينصح بتوحيد مصدر المذاكرة، وتنظيم الوقت لتثبيت المعلومات بدلاً من إهدار الطاقة.
وبالرغم من أنه لا يرى ضرورة لإضافة مواد جديدة للمواد التقليدية، فإنه يعتقد أن ضيق الوقت والمساحة الدراسية، يحول دون ظهور مواد تنمّى الإبداع والابتكار بشكل فعلي، مشيرًا إلى أن التركيز منصب دائمًا على تحصيل المواد الموجودة وإتقانها.
ويؤكد أن عشقه الأكبر للرياضيات، هو ما دفعه لاختيار الشعبة، ويتمنى أن تتوسع المدارس فى تقديم مواد أعمق فى هذا التخصص.
أما عن حلمه المستقبلي، فيخطط للالتحاق بكلية الهندسة، متجهًا نحو تخصص الاتصالات، أو الحاسبات وكل ما يتصل بمجال البرمجيات، آملاً أن يصنع بصمة مميزة عندما يبدأ رحلته العملية الفعلية.
إبداع أدبي
حصلت سلمى أحمد السيد، الطالبة بإدارة غرب المنصورة، على المركز الأول فى الشعبة الأدبية بمجموع 318 درجة، مؤكدة أن شغفها بالمجال الأدبى كان الدافع الأقوى وراء نجاحها وتفوقها، حيث دخلت القسم الأدبى بدافع الحب وليس حلًا بديلًا عن المواد العلمية، حلمها الأكبر أن تدرس اللغات الأجنبية وآدابها، وأن تتخصص فى الأدب الأوروبى والترجمة، لتكون جسرًا حقيقيًا بين ثقافات العالم المختلفة، والثقافة المصرية العريقة.
ترى سلمى، أن تحقيق هذا الأثر يبدأ من الكتابة والترجمة معًا، حيث تطمح إلى تأليف أعمال أدبية بجانب الترجمة، معتبرة أن هذا المجال مظلوم مقارنة بالاهتمام الأكبر بالعلوم والتخصصات التطبيقية.
أما أكثر المواد التى أحبتها خلال دراستها فكانت التاريخ، واللغات، واللغة العربية بكل فروعها، رغم أنها ترى أن بعض فروع العربى بحاجة لإعادة تنظيم، فلو خففت بعض الأجزاء وتركت مساحة أوسع للنصوص الأدبية، لكان المجال أكبر لإطلاق الإبداع.
وتؤمن أن أفضل وقت للمذاكرة هو ساعات الصباح الأولى، حيث يكون الذهن حاضرًا وخاليًا من أى ضغوط، فتنجز فى ساعة واحدة ما قد يستغرق يومًا كاملاً، وتعتبر تنظيم الوقت عنصرًا حاسمًا للتركيز والتحصيل الجيد.
وتتمنى أن تُمنح المكتبة المدرسية دورًا أكبر فى التعليم، لتصبح حصتها مساحة حقيقية للقراءة والمناقشة، والانفتاح على الفكر والمعرفة الجديدة، وترى أن القراءة تنمّى الفكر وتكون شخصية أوسع أفقا، بعيدًا عن الانحصار فى المواد التقليدية التى تدرس فقط بهدف الدرجات.
وتقترح أن يبدأ اليوم الدراسى بأصعب مادة، ليتعامل الطالب معها بذهن صاف، مع ضرورة وجود وقت استراحة طويل يكفى لاستعادة النشاط قبل العودة للدراسة، وترى كذلك أن حضور المواد «وجها لوجه» أفضل بكثير من التعليم الأونلاين، الذى يضعف التركيز ويقلل من مساحة التفاعل والاستفسار.
كما تؤمن أن الموسيقى والفنون، لا تقل أهمية عن المواد الأساسية، لأنها غذاء للروح، وتساعد الطلاب على تخفيف الضغط النفسي، وهدفها الأسمى هو ترك أثر نافع بين الناس عبر ما ستكتبه وتترجمه، لتفتح أمامهم نافذة على عوالم وثقافات جديدة، وتشارك حضارة مصر مع العالم بروح متجددة وكلمة صادقة.
تغيير النمطية
حصلت مريم محمد، الطالبة بالشعبة الأدبية فى إدارة النزهة، على المركز الثانى بمجموع 317.5 درجة، مؤكدة أن حلمها الأكبر أن تدخل كلية تابعة لمجال الفنون، لتسعد الناس بطريقة مختلفة، بعيدًا عن الصورة النمطية المرتبطة بالمجالات العلمية فقط، وتقول مريم إنها تؤمن بأن المجال الأدبى والفنى له قوة كبيرة فى التأثير، وإضافة قيمة حقيقية لحياة المواطنين.
وتشير إلى أن سر نجاحها كان التزامها بالاستمرارية، وعدم الاستسلام فى منتصف الطريق، مؤكدة أن الحفاظ على حماس البداية ليس كافيًا إذا لم يترافق مع توازن وتنظيم للوقت، وأهم ما تعلمته إعطاء نفسها قسطًا كافيًا من الراحة، حتى لا تفقد طاقتها وتنهار وسط الطريق، لأن الثانوية رحلة طويلة تحتاج إلى نفس طويل وعقل هادئ.
وأكدت مريم، أنها لو عاد بها الزمن فلن تغير شيئًا مما مرت به، بل ستكرر تجربتها بنفس الخطوات والمعلمين، لأن هذه الرحلة حققت لها حلمها بأن تصبح من الأوائل.
ولو أُتيح لها وقت أطول بين الامتحانات، كانت ستمنح نفسها فترات راحة كافية لتصفية ذهنها واستعادة تركيزها قبل بدء استذكار المادة التالية.
وتقول إن مواد مثل علم النفس والفلسفة مهمة جدًا لطلاب الأدبى ويجب التوسع فيها أكثر، لأنها تثرى فكر الطالب وتنمى قدراته التحليلية، بعكس مواد مثل الإحصاء التى تميل للطابع العلمى ولا تحبها كثيرًا.
وتؤكد مريم أن طريق النجاح فى الثانوية يعتمد على الهدوء والتنظيم والثبات دون ملل أو انقطاع، وأن الفن والأدب يمكن أن يكونا أداة قوية لصنع البهجة وإفادة الناس، إذا خُصصت لهما المساحة الكافية والاهتمام الحقيقي.