نجاح استثنائى لـ«حمزة»

تقرير: بسمة مصطفى عمر
بعض القصص تبقى لها خصوصيتها، لأنها لا تعكس تفوقًا دراسيًا فقط، بل تحمل فى طياتها معنى التحدى والانتصار، على ظروف يظنها البعض عائقا، بينما تتحول بفضل عزيمة أصحابها إلى دافع إضافى للتميز.
وتظل هناك نماذج خاصة تستحق تسليط الضوء، ليس لتحقيقها درجات عالية فحسب، بل لأنها خاضت تجربة مختلفة وظروفًا خاصة، أثبتت من خلالها أن الإرادة قادرة على تخطى كل التحديات.
من بين هؤلاء تبرز قصة حمزة أحمد إسماعيل الشيمى، الطالب الذى جمع بين المثابرة والتفوق، ليصبح الأول على مستوى الجمهورية فى الثانوية العامة، الشعبة الأدبية، ضمن برنامج الدمج التعليمى بمجموع 314 درجة من أصل 320، بإدارة المقطم التعليمية بمحافظة القاهرة.
«الدمج التعليمي»، هى الفئة التى تضم الطلاب ذوى الاحتياجات التعليمية الخاصة، الذين يلتحقون ببرامج دراسية تدمجهم داخل المدارس العامة أو الخاصة مع زملائهم من التعليم التقليدى، مع مراعاة بعض التسهيلات التى تضمن تكافؤ الفرص.
وعلى عكس ما يظنه البعض، فإن الدمج لا يعنى بالضرورة تقليل مستوى التحصيل، بل يفتح المجال أمام طلاب يمتلكون قدرات مميزة، ويحتاجون إلى دعم نوعى ليظهروا طاقاتهم كاملة، كما أنه ليس تعليمًا خاصًا أو برامج لذوى الاحتياجات الخاصة.
وبينما يواجه هؤلاء الطلاب تحديات مضاعفة مقارنة بغيرهم، فإن قصص النجاح مثل قصة حمزة، تؤكد أن الدمج لا يعنى أبدا تقليل مستوى التحصيل أو الاكتفاء بالحد الأدنى من التعليم، بل يمنح الطالب فرصة إثبات قدراته إذا توفرت له البيئة المناسبة، والدعم الكافى من الأسرة والمدرسة.
خاض «حمزة» تجربة دراسية مركبة وسط ظروف أسرية خاصة، ليخرج منها بإنجاز أصبح حديث الشارع.
فوراء أرقام الدرجات، تكمن حكاية طالب مثابر، وأسرة داعمة أدت دورها دون ضجيج، كما أشار الدكتور إسماعيل الشيمى، عميد كلية الهندسة بجامعة الأزهر، وجد حمزة، الذى استعرضنا معه كواليس رحلة حمزة الاستثنائية، حيث التفوق لم يكن مصادفة، بل ثمرة التزام منظم وإرادة قوية.

ما وراء الأرقام
الأرقام وحدها لا تكشف حقيقة شخصية حمزة، فقد فاقت النتيجة توقعات الأسرة، فتحقيق المركز الأول على مستوى الجمهورية ضمن الدمج التعليمى، إنجاز كبير يعكس قيمة الجهد الذى بذله حمزة.
عاش حمزة جزءًا من حياته مع والده المقيم فى إحدى الدول العربية بحكم عمله كطبيب استشارى، بينما قضى سنواته الدراسية فى القاهرة مع جده، وتحمل المسئولية منذ صغره، واعتمد على نفسه بشكل كبير.
أهم ما يميز حمزة هو النظام لأقصى درجة، فهو يعرف ما له وما عليه، ويؤدى كل واجباته بدقة وهدوء، لا يماطل ولا يهدر وقته، إلى جانب ذلك، هو رياضى متميز، حاصل على الحزام الأسود فى الكاراتيه، ويحب ممارسة التنس وتنس الطاولة، مما انعكس إيجابا على انضباطه النفسى والجسدى.
أكد جد حمزة أن عدم اعتماد حفيده على الدروس الخصوصية، وقدرته على التحصيل الذاتى كانا العامل الحاسم، حيث يعتمد بالدرجة الأولى على استيعابه وفهمه، وهو يتمتع بذاكرة قوية، ولديه قدرة على الربط بين المواد والمعلومات، ولا يكتفى بالحفظ المجرد بل يفهم ويوظف المعلومة فى سياقها.
ولم يكن التعليم المدرسى وحده كافيا بالنسبة له، بل كان يوسع أفقه من خلال قراءة مصادر خارجية، ومتابعة مواد ثقافية عامة.
حمزة يدير وقته بذكاء شديد، لا يترك شيئًا للصدفة، حتى أثناء أوقات الراحة كان يختار أن يطوّر مهاراته اللغوية، فأحب العربية والإنجليزية والفرنسية، وكان يعتبرها أدوات أساسية، لا مواد تكميلية كما يعتقد بعض الطلاب.
يشير الدكتور إسماعيل، إلى أن اختيار المدرسة كان محطة مؤثرة، قائلا، لم نكن نعرف كثيرا عن المدرسة عند التحاقه بها، لكن التجربة أثبتت أن المدرسة كانت منضبطة، ولديها بيئة تعليمية جيدة ساعدته على تحقيق هدفه، مع دور المدرسة، كان البيت هو الركيزة الأساسية، إذ وفرنا له جوًا مستقرًا، ودعمًا متواصلاً، حتى لا يشعر أنه بمفرده فى هذه الرحلة.
قرار حر
وعن خطوته التالية، قال جد حمزة: «لا نؤمن بفرض التخصصات على الأبناء، من حق حمزة أن يختار المجال الذى يرى نفسه فيه، حاليا هو يميل إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهى كلية مناسبة تماما لقدراته التحليلية وشخصيته الدبلوماسية، لديه قدرة كبيرة على النقاش وإقناع الآخرين والوصول لحلول وسطية، وهذا ما يجعله مؤهلًا لهذا المسار».
وقصة حمزة لم تكن مجرد درجات مرتفعة فى شهادة الثانوية العامة، بل نموذج واضح على أن أى طالب فى ظروف مماثلة، يمكنه تحقيق إنجاز كبير إذا توفرت له الإرادة الحقيقية، والدعم الصادق من أسرته ومدرسته، تجربة حمزة تفتح النقاش مجددا حول دور المجتمع فى دعم فئة الدمج التعليمى وضمان حقهم فى بيئة تعليمية عادلة.
وجه الدكتور إسماعيل جد حمزة، رسالة لكل أسرة مصرية، قائلاً: أكبر خطأ أن تفرض الأسرة على أبنائها اختيارات قد لا تتوافق مع قدراتهم أو ميولهم، والتجربة أثبتت أن منح الثقة والدعم هو الطريق الصحيح، فكان لحمزة رأيه، كما كان يناقش ويحاول أكثر من مرة حتى يصل لقراره بنفسه، هكذا تصنع الأجيال القادرة على العطاء والإبداع».
وبينما يستعد حمزة اليوم للمرحلة الجامعية، يظل نموذجه شاهدًا حيًا على أن النجاح لا يقاس بظروف مثالية، بل بقدرة الإنسان على تحويل كل تحد إلى حافز جديد للإنجاز، دمج تعليمى أو تعليم تقليدى، يبقى الفارق الحقيقى فى عقل من يدرس، وإرادة من يخطط، وروح من يرفض الاستسلام.