الشهادة مش ورقة على حيطة

شهادات جمعتها: بسمة مصطفى عمر
حكايات 6 أوائل اختاروا التعليم الفنى
الطريق غير التقليدى البعيد عن المألوف أصعب أحيانا، لكنه كثيرا ما يحمل أجمل النتائج وأصدقها، حين يقترن بالطموح والثبات على الحلم مهما اختلفت الآراء حولك.

حاورت مجلة «صباح الخير» مجموعة من أوائل طلاب الدبلومات الفنية، لرصد أبرز محطات مشوارهم، والتعرف على تجاربهم الدراسية والعملية، وخططهم المستقبلية، وأول سؤال كان: لماذا اخترت التعليم الفنى؟!
الطريق غير التقليدى البعيد عن المألوف أصعب أحيانا، لكنه كثيرا ما يحمل أجمل النتائج وأصدقها، حين يقترن بالطموح والثبات على الحلم مهما اختلفت الآراء حولك.
حاورت مجلة «صباح الخير» مجموعة من أوائل طلاب الدبلومات الفنية، لرصد أبرز محطات مشوارهم، والتعرف على تجاربهم الدراسية والعملية، وخططهم المستقبلية، وأول سؤال كان: لماذا اخترت التعليم الفنى؟!

من قلب مطروح، يواصل محمد هانى حلمه، متسلحا بشغف العلم ورؤية واضحة لمكانه المستقبلى داخل قلب المفاعل النووى، مؤمنا أن التعليم الفنى لم يعد بديلا أو حلا ثانيا، بل طريقا مميزا لمن يملك الإرادة لصناعة فرق حقيقي.
بخطى واثقة، خط محمد هانى، طالب التعليم الفنى الصناعى بمحافظة مطروح، قصة نجاحه بعدما حقق مجموعا بلغ 99.7% فى تخصص الإلكترونيات والتكنولوجيا النووية.
ولم يكن هذا الطريق بمحض الصدفة أو بديلا اضطراريا، بل كان اختيارا مدروسا بدأ منذ لحظة حصوله على مجموع 280 درجة فى الشهادة الإعدادية، متجاوزا الحد الأدنى للقبول بمدرسته التى تشترط مجموعا أعلى بكثير من الثانوية العامة العادية، حيث لا تقبل سوى الحاصلين على أكثر من 265 درجة.
■ لكن لماذا اختار محمد التعليم الفني؟!
قال إن الفضل يرجع فى اختياره لهذا المسار، إلى والده الذى آمن بقدراته وسانده فى تحديد مجال دراسته، وفضل طريقًا غير تقليدى، فمدرسته الوحيدة من نوعها فى الشرق الأوسط، التى تقدم تخصصا فريدا فى الطاقة النووية ضمن نظام دراسى يمتد لـ5 سنوات.
ويشير محمد، إلى أن مدرسته تعتمد على الدمج المتوازن بين الدراسة النظرية والتطبيق العملى، كما أنها داخلية يقضى فيها الطلاب معظم الأسبوع، ما يمنحهم فرصة للتركيز الكامل والانخراط فى بيئة تعليمية متكاملة، وتوزع الدفعة التى لا تتجاوز 60 طالبًا إلى 3 مجموعات تخصصية، تضم كل منها نحو 20 طالبا.
شغفه بالإلكترونيات هو ما وجهه نحو هذا التخصص تحديدًا، وأكد على تميز المدرسة رغم صعوبة الدراسة، حيث إن المواد النووية كانت الأكثر تحدياً، نظرًا لحداثة المجال، واستعانت المدرسة بأساتذة من هيئتى الطاقة الذرية والمحطة النووية، بالإضافة إلى أساتذة جامعيين لتدريس هذه المقررات الدقيقة، وهو ما أضاف بعدا أكاديميا قويا، وجعل بعض المناهج مطابقة لتلك التى تدرس بكليات الهندسة.

ولم تقف حدود الدراسة عند المواد العلمية، بل شملت أيضا دراسة اللغة الروسية إلى جانب العربية والإنجليزية، نظرا لطبيعة التعاون فى مجال الطاقة النووية مع الجانب الروسى، وهو ما تطلب أساتذة متخصصين لتعليمهم اللغة، وتأهيلهم للتعامل مع متطلبات هذا القطاع.
وأكد محمد، أن هدفه الأكبر لا يزال العمل داخل المحطة النووية، معتبرا أن هذا المشروع يمثل أملاً كبيرًا لمصر لإنتاج الكهرباء، وتعزيز القدرات التكنولوجية الوطنية، ورغم ذلك، لم يحسم بعد قراره بين استكمال الدراسة الجامعية أو الاتجاه مباشرة إلى سوق العمل، تاركا الأمر لتوفيق الله وتيسيره.
ويرى محمد أن فرص العمل لطلاب التعليم الفنى واعدة، مستشهدا بتجارب الدفعات الـ3 التى سبقته وتخرج طلابها وهم الآن فى مواقع عملهم.
أما عن الصورة النمطية القديمة للتعليم الفنى، فيرفض محمد استمرارها، معتبرا أن الواقع تغير كثيرا، واليوم هناك مدارس فنية تشترط مجموعًا يفوق نظيره فى الثانوية العامة، ما يدل على إقبال الطلاب المتفوقين على التعليم الفنى بإرادتهم، بعدما أدركوا الفرص التى يوفرها لهم فى التخصصات النادرة والمجالات الواعدة.
حلم الطفولة
برغم أن حلمها الأول كان الالتحاق بمجال التمريض منذ نعومة أظافرها، فإن مسار أمنية الصاوى، ابنة كفر الشيخ، انحرف قليلا ليقودها نحو قمة جديدة فى عالم التعليم الفني.
حصلت أمنية على مجموع 99.86% فى الثانوية تخصص تكنولوجيا الحاسبات، ووصلت لهذه النتيجة بعد مسار مليء بالتحولات والإصرار.

قالت أمنية إن بدايتها حين حصلت على 267 درجة فى الشهادة الإعدادية، لكنها لم تتمكن من اللحاق بمدارس التمريض التى كانت تشترط حدا أدنى 275 درجة، فاتجهت للثانوية العامة على أمل أن تحقق حلمها لاحقا، ولكن بعد شهر من الدروس الخصوصية شعرت أن الطريق لا يشبهها، فاختارت أن تحول مسارها إلى التعليم الصناعى، وتخصصت فى قسم جديد نسبيا وهو تكنولوجيا الحاسبات.
وأصرت أمنية على متابعة حلم التمريض فى مسار خاص إلى جانب دراستها فى المدرسة الصناعية، فجمعت بين الاثنين، 3 سنوات فى تكنولوجيا الحاسبات وسنتين فى التمريض الخاص، متحدية بذلك اعتراضات الأسرة والمحيطين الذين رأوا فى التعليم الفنى طريقًا مسدودًا.
وأشارت إلى أكثر ما أحبته فى تخصصها، وهى مادة الذكاء الاصطناعى، التى وصفتها بأنها بسيطة وممتعة مقارنة بمواد التخصص الأخرى، التى امتلأت بالأكواد والأوامر البرمجية الغامضة والجديدة على بيئة المدارس الصناعية.
أما عن أحلامها بعد النجاح اللافت، فتتأرجح بين مسارين إما استكمال طريقها فى التمريض من خلال معهد فنى صحى، أو مواصلة التخصص التقنى بالالتحاق بكلية الهندسة، مؤكدة أنها ستظل تجمع بين الاثنين قدر استطاعتها، مثلما فعلت خلال دراستها السابقة.
وقالت أمنية إن النظرة القديمة للتعليم الفنى فى طريقها للتلاشى، والثانوية العامة لم تعد الطريق الوحيد، وكثيرون اليوم يدركون أن التخصص العملى قد يكون أقصر وأوضح للوصول إلى وظيفة حقيقية، خاصة فى ظل التطور الهائل فى التكنولوجيا والتخصصات المرتبطة بها.

وتوجه أمنية رسالة لمن يفكرون فى خوض نفس التجربة قائلة «الانتقادات ستطاردك من أول يوم، لكن الأهم أن تؤمن بنفسك، وتنظم وقتك، وتجتهد».
كود عالمي
بين شغف مبكر بالبرمجة ورؤية واضحة للتكنولوجيا، وضع كريم أشرف، من القاهرة، اسمه بين أوائل التعليم الفنى بحصوله على مجموع 99.86% فى تخصص تطوير مواقع وبرمجيات، كان مسار كريم خطوة محسوبة بدأت من المرحلة الإعدادية تشكلت ملامحه.
وشجعته أسرته، خاصة والدته، التى وجدت له المدرسة المثالية لتكون بوابته لعالم التطوير الرقمى، بدلا من قضاء 3 سنوات فى الثانوى العام قد تبتعد به عن حلمه التكنولوجي.
مر كريم باختبارات قبول صارمة تضمنت امتحانين ومقابلة شخصية، اجتازها لينضم إلى صفوف واحدة من المدارس التى تركز على المسار العملي.
وأكد كريم أن مدرسته ساهمت فى رسم طريقه، بين بيئة تعليمية عملية تعتمد بنسبة كبيرة على التطبيق المباشر، بعيدا عن الاعتماد على الدروس الخصوصية المعتادة.
وطبق كريم ما تعلمه عمليا على نطاق أوسع، حيث بدأ العمل مدربا فى مجال البرمجة أثناء دراسته، مع 3 مؤسسات اثنتان منها دولية إحداهما شركة برتغالية وأخرى فى مدريد، إلى جانب مؤسسة محلية فى مصر.
وعن مستقبله، قال إنه لا يرى نفسه موظفا، بل يخطط لأن يصبح مدربًا ومطورًا محترفًا للبرمجيات، ولديه اليوم بالفعل دور كشريك مؤسس فى بعض المشروعات الناشئة، واضعا الأساس لأحلام أكبر فى ريادة الأعمال الرقمية.
ويرى كريم أن التعليم الفنى اليوم يختلف تماما عما كان فى أذهان الناس قديما، حيث صار بابًا حقيقيًا لمهن جديدة مرتبطة بالتكنولوجيا والبرمجيات، رغم أن البعض لا يزال يرى أن «الفنى» أقل من «العام»، ولذلك تحتاج هذه النظرة إلى تغيير جذرى فى التفكير.

رائد حيوي
بمجموع 98.7%، أثبت محمود محمد جابر، أن التعليم الفنى صار اختيارًا طوعيًا لمن يملك رؤية، ويبحث عن تخصص دقيق يلائم شغفه، لذلك اختار محمود أن يقترب أكثر من حلمه العلمى بدراسة «تكنولوجيا الصناعات الحيوية».
وقاده شغفه بالعلوم، للبحث مبكرا عن مدارس فنية تركز على الجانب العلمى والتطبيقى، وبين عدة خيارات، كانت مدارس مجالات التكنولوجيا الحيوية والعلوم التطبيقية، هى الأقرب لحلمه، بمناهج مستوحاة من كليات العلوم والصيدلة بمستوى يتناسب مع طلاب التعليم الفني.
وأشار محمود، إلى موازنة الدراسة فى هذا التخصص بين التدريب العملى والنظرى، كما أتاحت المدرسة فرصًا حقيقية للتدريب داخل معامل شركات الإنتاج، ليخوض الطالب بيئة العمل مبكرا، ويستطيع فهم كيف تتحول المعرفة النظرية إلى منتج ملموس؟
لم يواجه محمود أى اعتراض من عائلته، بل كان يجد فى والدته التى تعمل بوزارة التربية والتعليم، سندًا كبيرًا وتشجيعًا دائمًا، خاصة أن المدرسة التى التحق بها تدار بواسطة أساتذة جامعيين ومعيدين وخبراء متخصصين، وبعضهم من جامعة عين شمس.
ولخص محمود هدفه قائلا «لو توفرت لى الفرصة، أتمنى العمل فى معامل الأبحاث أو مراكز الجودة الخاصة بالصناعات الحيوية، سواء داخل مصر أو خارجها»، ولا يخفى حلمه بأن يكون له دور فى مشروعات كبرى مثل «الجينوم المصرى».
ومحمود لا يرى أن التعليم الفنى أقل قيمة من الثانوى العام، بل يعتبره أكثر تميزًا لأنه يتيح للطالب التخصص مبكرًا، والانخراط فى تدريبات عملية، ومسابقات محلية ودولية، تفتح الأبواب أمام المواهب الحقيقية.

متعة الدراسة
بالنسبة لأريج رؤوف ابنة الوادى الجديد فلم يكن الطريق إلى قاعة دراسة «التصنيع الغذائى» مخططًا له منذ البداية، ورغم ذلك نجحت فى أن تكتب لنفسها قصة نجاح مميزة، بعدما حصدت 99% فى تخصصها، متجاوزة نظرة مجتمعية قاصرة، ومحاطة بدعم أسرى جعلها تتمسك بقرارها حتى النهاية.
قالت أريج إنها دخلت المدرسة رغم محاولات البعض إحباطها وتخويفها، إلا أن التجربة كانت على عكس كل التوقعات، حيث تمتعت بنظام صارم، ويركز كل طالب على هدفه، وتعاون المعلمون معهم.
وحين اختارت مجال التصنيع الغذائى، لم تكن تتوقع الكثير، لكنها فوجئت بأن الدراسة كانت ممتعة أكثر مما ظنت، وجدت نفسها تنجذب بشكل خاص إلى قسم «الألبان» ما أتاح لها جانبا تطبيقيا، وجعل المواد النظرية أكثر سهولة. وتؤكد أريج، وهى تستعيد تفاصيل أيامها الدراسية، أنها كانت عملية أغلب الأسبوع، ولا يتجاوز الجانب النظرى يومين، ما عزز خبرتها المبكرة وجعلها مؤهلة للتطبيق العملي. واليوم تضع أريج هدفا أمامها لاستكمال الدراسة الجامعية، ثم الحصول على الماجستير والدكتوراه فى تخصصها الذى أحبته، وربما إنشاء مشروعها الخاص فى المستقبل مستفيدة من خبرتها فى تصنيع الألبان والعجائن. إدارة طموح وسط ضغوط عائلية وتشكيك خطت ندى محمد رمضان، ابنة محافظة الغربية، طريقها فى التعليم الفنى بإرادة لم تعرف التردد، حتى حصدت نسبة نجاح 98.6% فى تخصص «إدارة وتسويق سوق المال». منذ اليوم الأول، رفضت ندى فكرة الثانوية العامة رغم رغبة والديها، وتمسكت بقرارها، لتصبح من الأوائل هذا العام. وتخطط ندى لاستكمال رحلتها الأكاديمية بالدراسة الجامعية لتصبح «أستاذ جامعى» لاحقا، وتدمج بين الوظيفة الأكاديمية وسوق العمل فى آن واحد. وبين حلمها بالوظيفة البنكية ومقعد المعيدة، تثبت ندى محمد أن الاجتهاد لا يعرف مسارًا بعينه، وأن التعليم الفنى ليس شهادة جانبية بل فرصة حقيقية لصناعة مستقبل يبدأ من الهدف وينتهى بتحقيقه.