من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!

خاص: صباح الخير
جددت أحداث السويداء الأخيرةإلقاء الضوء على الطائفة الدرزية التى تشكل غالبية سكان المدينة السورية الواقعة جنوب البلاد، وازدحمت وسائل الإعلام العربية والأجنبية بعشرات التقارير التى تسلط الضوء على ماهية الطائفة ومعتقداتها وأماكن تواجد معتنقيها.
هنا فى السطور المقبلة أهم المعلومات عن الدروز أو «المسلمون الموحدون» كما يطلق عليهم فى بعض الوسائط الإعلامية، وكما نشرت فى عدة مصادر موثقة.
الدروز طائفة دينية عربية معروفة بتماسكها الداخلى، تعيش فى سوريا بنواحى دمشق وجبل حوران، وفى لبنان وفلسطين المحتلة، ويقال أسسها محمد بن إسماعيل الدَرَزى -المعروف بأنوشتكين- فى القرن الـ11 ميلادى، لكن بعض أتباعها ينفون ذلك، ولها راية خاصة بها. ويقدر عدد أفرادها بمن فيهم أولئك الذين هاجروا إلى أوروبا أو أمريكا أو غرب أفريقيا، بنحو مليون ونصف مليون شخص.
التأسيس والنشأة
تعود الأصول التاريخية للطائفة الدرزية إلى عهد الخليفة السادس للدولة الفاطمية الحاكم بأمر الله -الذى امتدت فترة حكمه من عام 996 ميلادى إلى 1021 ميلادي- على يد محمد بن إسماعيل الدَرَزى (نسبة إلى أولاد درزة أى صانعى الثياب) الذى هاجر إلى الشام، واشتهرت الطائفة باسمه.
وينفى دروز نسبتهم إلى الدَرَزى، قائلين إنهم لو نسبوا له لسميوا بـ«الدَّرَزيون» وليس «الدُروز»، وأن أصل تسمية الطائفة يعود إلى مبدأ «دَرْز الدماغ» لاعتمادهم على العقل.
لكن مراجع أخرى تذكر أن المؤسس الفعلى للطائفة هو حمزة بن على بن محمد الزوزنى، الذى يعتبر أحد مؤسسى مذهب الموحدين الدروز، والمؤلف الرئيسى للنصوص الدرزية.
وبدأ الدروز الدعوة لمذهبهم فى الفترة ما بين عامى 1017-1020 ميلادى، وامتدت حتى سنة 1043 ميلادى، ليقفل بابه بعد ذلك، ويقتصر على معتنقى المذهب الأوائل وأبنائهم ومن يولد منهم، وصار ممنوعا انضمام أى شخص للطائفة الدرزية إذا لم يولد فى الأصل درزيا.
ومن الشخصيات التاريخية المعروفة فى الطائفة -بالإضافة إلى المؤسسين- الحسين بن حيدرة الفرغانى المعروف بالأجدع، وبهاء الدين السموقى المعروف بالضيف.

وعلى المستوى السياسى، اشتهر فى الطائفة سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة على الفرنسيين بسوريا فى عشرينيات القرن الماضى، والأمير شكيب أرسلان، والزعيم السياسى اللبنانى كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمى الاشتراكى، وابنه وليد جنبلاط، وطلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطى اللبناني.
العقيدة الدرزية
يحيط عقيدة الطائفة ومذهبها كثير من الغموض، لأن مؤسسيها اختاروا عدم البوح بها وحصر معرفتها على دائرة ضيقة، وقيل «عدم تعليمها إلا لمن بلغ الأربعين سنة من أبناء الطائفة» رغم نفى بعضهم لها، ويقول البعض إن الدروز نشروا هذه الفكرة من أجل إثناء الناس عن سؤالهم عن دينهم، وهى فكرة مبنية على الاعتقاد بالتكتم.
ويعرّف الدروز أنفسهم باسم الموحدين، أو «بنو معروف»، وهو اسم لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية فى بداياتها.
ويؤمنون بميثاق أو عهد ولى الزمان، وهو قَسم يصبح به الشخص درزيا، ويعدونه ميثاقا أزليا. وعُرف الدروز بالانغلاق على أنفسهم وتماسكهم الاجتماعى والثقافى والسياسى، واشتهر رجالهم بشوارب كبيرة لها مدلول ديني.
تدين الطائفة الدرزية بمذهب التوحيد، وكل عقائدها مأخوذة عن الطائفة الإسماعيلية، وقد تأثرت العقيدة الدرزية بتيارات فلسفية ودينية متعددة ومن أصول مختلفة، ومن مبادئها السرية فى نشر أفكارها.
يؤمن أبناء الطائفة بوحدانية الله المطلقة، وأن الله هو الخالق والمتحكم الأزلى فى الكون، وأن العقل البشرى غير قادر على استيعاب عظمته.
كما يؤمنون بالقرآن الكريم، لكنهم يفسرونه تفسيرا باطنيا خاصا بهم، بعيدا عن المعانى الواضحة فى النص، كما أن لهم كتابا يسمى «رسائل الحكمة» ألفه حمزة بن على بن أحمد، وهو «تفسير للقرآن»، ويمنعون الاطلاع عليه من طرف أى كان، ما عدا شيوخ الطائفة الدرزية.
وعلى الرغم من أن العقيدة الدرزية تطورت فى الأصل من الإسماعيلية، لكنهم لا يعرفون أنفسهم كمسلمين، ويدعى بعضهم ذلك لأسباب سياسية بحتة، كشكل من أشكال التقية، حفاظا على دينهم وسلامتهم، وتجنبا لأى خلاف مع المسلمين.
ومن بين المعتقدات التى يتميز بها أهل الطائفة الدرزية، هى إيمانهم بتناسخ الأرواح، أى رجوع الروح البشرية إلى الحياة بمجرد وفاة صاحبها، وذلك عن طريق انتقالها إلى جسد مولود آخر.
والمجتمع الدرزى هو مجتمع متماسك ومنغلق عن نفسه، ومن النادر أن تجد درزيا متزوجا من خارج الطائفة، أو العكس، كما لا يجوز عندهم تعدد الزوجات، لذلك يمنع رجال الدين أو «العقّال» التعدد لأن ذلك فى نظرهم يضرب فى مبدأ الإنصاف بين الجنسين.

وتقول بعض المصادر إن أصل نشأة العقيدة الدرزية يعود إلى شهر فبراير عام 1021 ميلادى، حينما خرج الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ذات ليلة بدون حراسة ولم يعد، فاضطر القائمون على الأمر إلى إعلان وفاة الحاكم بأمر الله وخلافة ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، إماما وحاكما لهم زمن الدولة الفاطمية.
رفض حمزة بن على مبعوث الحاكم إلى الشام التسليم بموت الحاكم، ورفض الاعتراف بإمامة ابنه الظاهر، وقال إن الخليفة اختفى فقط وسيعود فى وقت لاحق ليملأ الأرض عدلا، معلنا هو ومن معه انشقاقهم عن الدولة الفاطمية، لتكون بداية ولادة الفكر الدرزي.
ينقسم الدروز إلى درجات ثلاث هى:
الأولى طبقة رجال الدين: الدارسون له والمحافظون عليه، وتعرف بالعُقّل. وتنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام: رؤساء أو عقلاء أو أجاويد، ويدعى رئيسهم شيخ العُقّل.
الثانية الأجاويد، وهم المطلعون على تعاليم الدين والملتزمون بها.
الثالثة: وهم عامة الناس و«الجاهلون بالدين» والمنغمسون فى الأمور الدنيوية لا الدينية.
ويفرق الدروز -بشكل عام- بين «الشخص الروحاني» و«الشخص الجثماني»؛ فالأول بيده أسرار الطائفة (رؤساء، وعقلاء، وأجاويد)، أما الثانى فلا يبحث فى الروحانيات، ولكنه منغمس فى الدنيويات (يسمونهم الجهال).

وتعرف أماكن العبادة لدى الدروز بالخلوات، يسمعون فيها ما يتلى عليهم، ولا يسمح «للجهال» بحضورها أو سماع الكتب المقدسة إلا فى عيدهم الوحيد، الذى يوافق عيد الأضحى عند المسلمين.
تاريخ الجبل
فرّ كثير من الدروز من ملاحقة الخليفة الفاطمى السابع على الظاهر قبل عام 1026 ميلادى، وسكنوا فى جبال لبنان وسوريا وفلسطين، ودفعتهم تلك الملاحقة إلى الانغلاق على أنفسهم.
ورغم قلة عددهم كانت لهم مشاركات سياسية وعسكرية تاريخيا، فقد ساعدوا الأيوبيين ومن بعدهم المماليك على مقاومة تقدم الصليبيين على الساحل اللبنانى خلال الحروب الصليبية.
ونتيجة للصراعات والأحداث السياسية التى عاشها الدروز على مدى عقود، هاجر بعضهم إلى دول أخرى خارج المنطقة العربية، وأصبحوا يتواجدون فى دول عديدة، ويقدر عددهم بحوالى 1.5 مليون درزى عبر العالم.
ويتمركز أبناء الطائفة الدرزية فى لبنان بشكل أساسى على طول الجهة الغربية لجبال لبنان، وكذلك فى الجزء الجنوبى الشرقى من البلاد، ويبلغ عددهم أكثر من 300 ألف شخص.
وشارك الدروز فى تولى السلطة السياسية بشكل كبير فى لبنان الحديث منذ استقلاله. ومن أبرز الشخصيات السياسية الدرزية فى البلاد كمال جنبلاط، الزعيم الدرزى الذى شغل خلال مسيرته السياسية عدة مناصب من أبرزها وزير الداخلية.
وبعد اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، تولى ابنه وليد القيادة السياسية للطائفة الدرزية فى لبنان.
وتنافس عائلة جنبلاط عائلة أرسلان على زعامة الدروز فى لبنان، وكان ماجد أرسلان، الذى شغل منصب وزير الدفاع فى عهد كميل شمعون، منافسا لكمال جنبلاط.
كما يوجد فى سوريا، أكبر كثافة سكانية درزية، بعدد يزيد عن 700 ألف شخص. وصل الجزء الأكبر منهم إلى هناك، من لبنان فى القرن الثامن عشر. وقد توطنوا بشكل أساسى السويداء فى منطقة جبل الدروز، وفى أماكن أخرى مثل صحنايا وجرمانا قرب دمشق العاصمة.
وفى عام 1925، ثار القائد الدرزى سلطان الأطرش ضد الهيمنة الفرنسية. وبعد نجاح هذه الثورة، انضم القوميون السوريون إلى الثورة، التى امتدت إلى جميع أنحاء المنطقة ووصلت إلى دمشق قبل أن يتم قمعها فى عام 1927.
ويتذكر السوريون هذه الثورة باعتبارها أول انتفاضة قومية فى البلاد، وقد ظل عدد من المسئولين الدروز على إثرها يعتبرون شخصيات سياسية ذات أهمية كبرى فى البلاد لعقود من الزمن.

وأدت ثورة درزية أخرى إلى انتفاضة وطنية أطاحت بحكومة الرئيس أديب الشيشكلى عام 1954. بالإضافة إلى ذلك، أصبح نجل سلطان الأطرش، منصور الأطرش، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب البعث السوري. ثم شغل منصب رئيس البرلمان لفترة وجيزة عام 1965، قبل أن يتم اعتقاله عام 1966.
وفى بعض الأراضى الفلسطينية المحتلة يوجد عدد كبير يقدر بحوالى 150 ألف شخص من الطائفة الدرزية يتواجدون بالكامل فى الشمال. ويتم تجنيد الدروز فى الجيش الإسرائيلى باعتبارهم مواطنين إسرائيليين وهم المجموعة العربية الوحيدة المجندة فى قوات الدفاع الإسرائيلية، ويشاركون فى أمن الحدود الإسرائيلية ولهم تواجد بارز فى السلك الدبلوماسى، وفى مناصب سياسية وبرلمانية متعددة.