الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كاراكالا ومتعة روبيرتو بوللى

كاراكالا ومتعة روبيرتو بوللى

بين أحضان الحضارة الرومانية العريقة، وفى وسط تلك الآثار التى تقف شاهقة تدل على عظمة مرحلة تاريخية، وتتجلى بمنطقة كاراكالا الزاخرة بمدلولات حضارية تعكس تقدم وعراقة الرومان، فى خضم هذه الرؤية البصرية الممتعة أسعدنى حضور حفل للفنان الإيطالى الشهير روبيرتو بوللى والأصدقاء، هكذا عنوان الأمسية، التى تتبع دار الأوبرا لكنها قدمت على هذا المسرح الضخم ليبرز جمال تلك المنطقة الأثرية، ومن خلال الإضاءات سواء الطبيعية التى تنقشع فيها أشعة الشمس فى لحظات الغروب، فتتحول السماء الصافية بشمس روما الدافئة بحرارة تشابه حرارة القاهرة، لتتلاشى أشعة الشمس وتتبدل بغيوم الليل الداكن، وسواد كحل العين، وإضاءات أخرى مستخدمة ببراعة من المهندس فاليريو تيبرى الذى أضفى متعة بصرية لا تقل أهمية عن متعة مشاهدة هؤلاء الراقصين المحترفين.



مجموعة من رقصات الباليه المختارة بعناية، وتصميم رقصات كوريجورافى على أعلى مستوى من المهارة والمهنية، مسرح تم تصميمه أشبه بفكرة المسرح الرومانى يضم أعدادًا كبيرة من المقاعد والتى توالى عليها الحضور المهتمون بالفن القيم، وقبل دقائق من الحفل امتلأت عن آخرها، ولم تعد تعرف لشخص طريقًا وسط هذا الزحام الشديد، الجميع فى حالة انتباه وتركيز، يتفاعل مع كل مقطوعة موسيقية كخلفية سمعية لهؤلاء الراقصين الذين أمتعونا حقيقة منذ اللحظات الأولى، ودعنى أقل خطفونا لنحلق مع خطواتهم الساحرة فى دنيا الفنون، فى عالم الجمال الحسى والروحى، لننجذب مع احترافية الاندماج السمعى البصرى ليخلقوا لوحات تشكيلية وتكوينات مبهرة استرقت خيالاتنا لنعيش تلك الأجواء مقدرين لقيمة الفن الجاد الرصين فى استمتاع خارج حدود الزمن محلقين فيما وراء فلسفة فن حركات الجسد وتعبيراته بل وإيماءاته التى تداخلت معها الإضاءة بتقنيات حديثة شديدة الحساسية وتكنيك بصرى دقيق وخلاب.

رقصات ثنائية فى معظمها عبرت عن مشاعر إنسانية عميقة من الحب، الحزن، الانتصار، القوة، الإرادة، تجاوزت حدود اللغة المنطوقة على أنغام مؤلفين موسيقيين أبدعوا أيضاً فى خلق جمل موسيقية تعبيرية حركت الساكن، لينعكس بدراميته ورمزيته على أداء حركى مفعم بالأحاسيس والمفاهيم المجردة، كما لفت نظرى أربعة أعمال بشكل خاص، أولها استخدام المرايا المتعددة فى إحدى رقصات بوللى والتى عكست تقنية رغم بساطتها فإنها أعطت مذاقاً خاصاً لإبداعه الفردى والمتفرد، الثانية رقصة تعبر عن التقنيات الحديثة فى ظل عالم التكنولوجيا ولعبت فيها الإضاءة دور البطل ببراعة وحرفية جمالية بخداع بصرى مبهر، الثالثة مقطوعة لعزف البيانو الحى، وقدرة الفنيين لإدخال بيانو كودا كبير الحجم على المسرح فى لحظات دون أن تشعر بأية قلاقل أو إزعاج، ربما لم ينتبه لذلك إلا فيما ندر من الجمهور العريض من المتخصصين الموسيقيين الذين يدركون صعوبة انتقال البيانو فى لحظات وبدقة عالية أمام الجمهور فى ثوان معدودة، أما العمل الأخير وكان آخر ما قدم بالحفل باستخدام كرة مطاطية كبيرة جداً فى الحجم استخدمها بوللى وأعطت حالة حسية تراكمت فيها الأفكار والرؤى الإبداعية باستمتاع روحى.

فن الباليه والأداء الحركى التعبيرى هو لقاء الجسد والفكر، بين التعبير الحسى والعاطفى، الذى يسمو بالإنسان نحو فلسفة أكثر عمقاً، وجمال أكثر إبداعاً وجمالاً فى تكاملية للفنون. شكراً روبيرتو بوللى على تقديم وجبة غذائية روحية ثرية وقيمة، وتحية للجمهور الراقى المتذوق والمقدر للفن والجمال.