هل تلاوة المرأة القرآن تغضب الله؟!

أعاد إعلان نقيب قراء القرآن الكريم الشيخ محمد حشاد فتح باب عضوية النقابة للقارئات النساء إلى الأذهان ذكريات عصر ذهبى شُهرت خلاله قارئات فى مصر نافسن الرجال على تلاوة ألحان السماء.
فى فترة ما كانت القارئات فى مصر «نار على علم»، وامتد نفوذهن لباقى الأقطار الإسلامية وصولاً إلى أرض الحرمين الشريفين، حيث قرأن وغنين التواشيح وعلمن وأجزن وفتحن الباب لآخرين، كانت المفاجأة أن أغلبهم من الرجال.

آخر قارئة للقرآن الكريم كانت الشيخة «نبوية» وتوفيت سنة 1973.
«نزل القرآن فى مكة، وكتب فى العراق، وقرئ فى مصر»، هكذا تداولت الألسنة تلك المقولة عن الإعجاز الصوتى الذى منحه الله لقراء كتابه فى مصر، وكان للنساء جانب ولأصواتهن نصيب فى قراءة كتاب الله.
ويبقى على القائمة أشهر ثلاث سيدات من قارئات القرآن الكريم فى الفترة منذ الأربعينيات وحتى منتصف السبعينيات، حتى انطوت صفحة القارئات من التاريخ برحيل الشيخة نبوية النحاس.
والشيخة نبوية آخر سيدة مصرية تتلو القرآن فى المناسبات والاحتفالات الرسمية وفى المآتم والأفراح، وكان الاستماع إليها مقصورًا على القسم المخصص للسيدات بمسجد الحسين.
قبل النساء الثلاث، لم يعرف المصريون سوى الشيخة أم محمد.
الشيخة أم محمد ظهرت فى عهد محمد على باشا، وكانت موضع إعجاب من كبار القادة والأمراء، حتى أن محمد على أمر بسفرها إلى إسطنبول لإحياء ليالى رمضان فى حرملك السلطانة العثمانية.
وحازت أم محمد الكثير من الجوائز والهدايا والنياشين، وماتت قبل هزيمة محمد على ومرضه، ودفنت فى مقبرة أمر ببنائها خصيصًا لأجلها، وجرت مراسم جنازتها فى احتفال مهيب.

الفتاة الرقيقة
لمع أيضًا نجم السيدة منيرة عبده كواحدة من أبرز قارئات القرآن.
ففى عام 1920 بدأت شهرة الفتاة التى لم تكن قد تعدت من العمر 16 عامًا، يحمل صوتها وقارًا يمتزج بالرقة. ولم يمر وقت حتى صارت الفتاة الصغيرة منافسة لكبار المشايخ من المقرئين، وأصبحت ندًا للشيخ أحمد ندا، والشيخ محمد رفعت، وذاع صيتها، وأذاع لها راديو لندن وباريس مقاطع من تلاوتها للقرآن.
عند تأسيس الإذاعة بالقاهرة، كانت منيرة عبده من أوائل من تلوا القرآن، وتقاضت راتبًا وصل لسبعة جنيهات ونصف الجنيه.
وعندما زاد أجر الشيخ رفعت إلى 15 جنيهًا، ارتفع أجرها أيضًا ليصل إلى عشرة جنيهات، حتى صدرت فتوى فى عام 1939 بأن تلاوة المرأة للقرآن تغضب الملائكة، فأبعدت منيرة عبده من الإذاعة، وتوقفت محطات لندن وباريس عن بث أشرطتها، حتى لا يغضب كبار المشايخ، رغم آلاف الرسائل التى وردت للإذاعة مطالبة بعودة منيرة التى اعتكفت فى منزلها تستمع إلى تسجيلاتها القديمة وتجتر الذكريات.

أما الشيخة كريمة العدلية فكانت بداية ظهورها مقترنة ببدايات ظهور منيرة المهدية.
ولقرابة 15 عامًا، ظلت سطوة الاثنتين منفردة، واحدة على ساحة الطرب، والأخرى على ساحة التواشيح، حتى مرضت الشيخة واعتزلت إحياء الليالي، ولم تعد تقرأ بصوت عالٍ، وذهبت للحج وقضت هناك ثلاث سنوات. ولما عادت كان كل شيء قد تغير، لذلك فإنه وعند تأسيس الإذاعة، لم تتح لها فرصة المشاركة بها، فقد أصابها الوهن، ولم يعد صوتها يحمل ذات القوة القديمة.
آخر جيل القارئات
والشيخة أم السعد لها قصة، فهى لم تستطع الوصول إلى ميكروفون الإذاعة بسبب فتوى حرمانية صوت النساء، إلا أنها اتخذت نهجًا آخر، وحافظت على إحيائها للمناسبات الدينية قبل أن تتوقف فجأة هى الأخرى.
وتميزت أم السعد بالتلاوة بالقراءات العشر، وظلت طوال نصف قرن تمنح إجازاتها فى القراءات العشر للنساء والرجال، كبارًا وصغارًا، حتى تجاوزت الثمانين من عمرها.

عاشت الشيخة أم السعد ضريرة لأن وصفات شعبية قضت على نظرها فى طفولتها المبكرة.
وكعادة أهل الريف، فإن المكفوفين من الأطفال كانوا يوهبون للقرآن، لذلك أرسل أهل أم السعد الطفلة إلى الكتاب، فحفظت كتاب الله وأتمته وهى فى الخامسة عشرة من عمرها، ثم ذهبت للشيخة نفيسة بنت أبوالعلا التى كانوا يسمونها «أعلم أهل زمانها» لتتعلم القراءات العشر، وكانت نفيسة لا تحفّظ الفتيات، لأنها تعرف انشغالهن بالزواج والأطفال، اشترطت على الفتاة الصغيرة ألا تتزوج، ووافقت أم السعد على الشرط.
لكن لم تحافظ أم السعد على عهدها الذى قطعته لمعلمتها، فتزوجت من أحد المشايخ الذى أخذ إجازاته القرآنية على يدها، سافرت أم السعد للعديد من الدول العربية، تسمع وتجيز لكبار المقرئين، وظلت فى المملكة السعودية عامين، ليتعلم على يدها الكثيرون من النساء والرجال الآتين إليها من كل حدب وصوب.