الإثنين 22 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لماذا أثار حفل صاحب أمازون الغضب

33 مليون دولار فى 70 ساعة فضيحة زفاف الـ 3 أيام!

ما زالت تداعيات حفل زفاف الملياردير جيف بيزوس مستمرة فى الصحافة العالمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.



احتفل بيزوس ولورين سانشيز بزفافهما فى جزيرة سان جورجيو بالبندقية وسط مشاهير عالميين، فى حفل فاخر أثار انتقادات بيئية ومحلية.

ورغم التبرعات السخية التى منحها بيزوس للسلطات المحلية بالجزيرة، فقد عبر سكان وناشطون عن قلقهم من تأثير الحدث على المدينة.. وقالوا إن الحفل قد يدر عائدات بمليار دولار على المدينة، لكنه يعكس التوتر بين الفخامة والسياحة المستدامة.

 

واستهلت المراسم لبدء الحفل بأغنية أداها ماتيو بوتشيلى، نجل مغنى الأوبرا الشهير أندريا بوتشيلى، بحسب التقارير، وأعد الشيف فابريزيو ميلينو الحائز نجمة ميشلان عشاء الزفاف، بينما صنع الكعكة شيف الحلويات الفرنسى سيدريك جروليه، بحسب صحيفة «كورييرى ديلا سيرا».

ونشرت لورين سانشيز عبر منصة «إنستجرام»، صورة لها بفستان زفاف أبيض مع بيزوس، مع أنهما متزوجان مدنيًا فى الولايات المتحدة.

وشكلت الحفلة تتويجًا لأنشطة متواصلة استمرت أسبوعًا، شهدت خلاله البندقية توافد كبار الشخصيات فى يخوت وطائرات خاصة، فيما لا تزال الوجهة السياحية الإيطالية منقسمة فى شأن تأثير هذا الحدث الضخم على صورة المدينة المزدحمة بالزوار.

وكانت ابنة الرئيس الأمريكى إيفانكا ترامب، وملكة الأردن رانيا، وكيم كارداشيان وشقيقتها كلوى، وكيندال وكايلى جينر، ونجم كرة القدم الأمريكية توم برايدى، ومقدمة البرامج التليفزيونية أوبرا وينفرى وبيل جيتس، من بين الضيوف الذين رصدهم مصورو وكالة الصحافة الفرنسية على قنوات المدينة.

وفى مقطع فيديو نشرته صحيفة «لا ريبوبليكا»، ظهر الملياردير الأمريكى على أحد القوارب وقربه سانشيز، يرد مبتسمًا على سؤال عن أكثر ما يعجبه فى المدينة بالقول، «انظروا حولكم! تبدو هذه المدينة مستحيلة... ومع ذلك فهى موجودة بالفعل».

وسبق الحفل قول بيزوس إنه سيتبرع بمبلغ 4 ملايين يورو لجمعية حماية البحيرات وجامعة البندقية الدولية واليونيسكو.

ودعمت السلطات المحلية اختيار جيف بيزوس لعقد مراسم زفافه فى البندقية، رافضة ربط الموضوع بالسياحة المفرطة التى اتخذت ضدها إجراءات مثل فرض رسوم دخول على الزائرين النهاريين.

وقدرت وزارة السياحة الإيطالية النفقات المباشرة لجيف بيزوس وزوجته بمبلغ 28.4 مليون يورو للحفلة التى استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام الإيطالية والعالمية.

لكن الحفل على ضخامته شهد حركة احتجاجية قوية داخل الجزيرة، وقال ساموئيل سيلفسترى، وهو تاجر من البندقية يبلغ 55 سنة، إن «السياحة المفرطة سببها بالأساس أولئك الذين يأتون ليوم واحد فقط حاملين حقائب الظهر والطعام، ولا يسهمون إلا بالقليل فى المدينة». وهاجم «أولئك الذين يحولون البندقية إلى نسخة مصغرة من «مونتى كارلو».

ونظمت مجموعة من السكان المحليين تطلق على نفسها اسم «لا مكان لبيزوس»، احتجاجات رمزية لمعارضة الاحتفالات. وهتف ناشطوها: «البندقية ليست للبيع».

وقالت الناشطة فى حركة «لا مكان لبيزوس» أليس بازولى (24 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية: هذا الزفاف يسبب مشكلات فى المدينة، فإضافة إلى إغلاق القناة وتشديد الرقابة بصورة متزايدة، شنت حملة قمع ضد أعضاء حركة إكستنكشن ريبيليين للناشطين المناخيين.

وحذرت منظمة «جرينبيس» من التأثير البيئى السلبى للحفلة التى سافر إليها كثير من الضيوف بطائرات خاصة، فى حين أن التوازن الهش فى البندقية «يغرق تحت وطأة أزمة المناخ».

 

 

 

عرس بيزوس

ولم يكن الحفل مجرد عرض مبهر لرفاهية الأثرياء، بل جاء فى نظر كثيرين داخل المجتمع الأمريكى كوسيلة لصرف الانتباه عن التحولات السياسية التى تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان دليلا صارخا على التناقضات البيئية المتصاعدة المرتبطة ببيزوس وشركته، حيث سلّط الزفاف الضوء على الفجوة بين الخطاب العلنى الذى يتبناه بعض كبار رجال الأعمال بشأن قضايا المناخ، والممارسات الفعلية التى تعكس أحيانًا عكس ما يعلن.

بذخ مفرط

ولذلك أثار الزفاف جدلًا واسعًا جدًا على مستويات مختلفة، ليس فقط بسبب فخامته، لكن أيضا بسبب التناقضات الصارخة اللى كشفها، من بذخ مفرط فى مدينة مهددة بالغرق، وأُغلق جزء كبير من مدينة البندقية أمام السكان والسياح لصالح الاحتفال، كما تم إخلاء نزلاء بعض الفنادق لإفساح المجال لضيوف العروسين، ما أثار غضب السكان المحليين، خاصة أن البندقية تعانى من مشاكل اقتصادية وبيئية، والزفاف له تأثير بيئى كارثى يتناقض مع خطاب «البيئة»، حيث وصل الضيوف بـ96 طيارة خاصة، وهى أكثر وسيلة سفر تطلق انبعاثات كربونية، فى حين أن المدينة نفسها مهددة بالغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن تغيّر المناخ، حسب صحيفة «بيبول» الأمريكية.

وقالت صحيفة ABC الأمريكية إنه لذلك احتج العديد من سكان البندقية على الحفل وهددوا بملء القنوات المائية بتمساحين مطاطيين كنوع من السخرية والاحتجاج على ما سموه «زفاف القرن للأغنياء»، معتبرين أن الزفاف كان رمزًا للفشل البيئى.

وتساءل مراقبون ومحللون سياسيون إن كانت هذه اللحظة تعكس بداية «تمرد ناعم» ضد النخبة المالية، بالتزامن مع صعود أصوات شعبية جديدة، واقتراب انتخابات منتصف المدة فى الولايات المتحدة، التى قد تعيد رسم توازنات القوة داخل الحزب الديمقراطى وخارجه.

النائبة الأمريكية التقدمية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، رغم أنها لم تعلّق مباشرة على الزفاف، فإنها نشرت مؤخرًا سلسلة تغريدات تنتقد ما وصفته بـ «امتياز الكربون الخاص» الذى تستخدمه النخبة الثرية دون محاسبة، فى إشارة إلى الرحلات الجوية والمناسبات الباذخة التى تتجاهل تأثيرها المناخى.

وسلط الإعلام الضوء على الزفاف بشكل مكثف، رغم تزامن التوقيت مع أحداث سياسية واجتماعية أهم (مثل فوز زهران ممدانى المرشح الديمقراطى لنيويورك وممثل التيار الشعبى، الناشئ من الطبقة العاملة، والمدعوم بحملات تطوعية، رغم محاولة المليارديرات إسقاطه سياسيًا)، فيما رأى العديد من النقاد أن ما حدث هو نوع من انحياز الإعلام لمجاملة الأثرياء وتجاهل التيار الشعبى التقدمى وأنصاره.

وعلقت صحيفة الجارديان البريطانية على ما سمته «زفاف القرن» إنه تذكير صارخ بأن الأثرياء لا يدخرون جهدًا أو مالًا فى سبيل راحتهم الشخصية، باستثناء ما يترتب على إسرافهم من آثار على المجتمعات التى يُثرون منها.

وقطعت شبكة CNN الأمريكية بث مقابلة مع مرشح ديمقراطى تقدمى عن بلدة نيويورك للانتقال لتغطية «الحدث المذهّب»، الذى أغلق أجزاء من المدينة أمام العامة، وأجبر نزلاء الفنادق على مغادرتها لإفساح المجال للعروسين السعيدين.

وضمن الجدل الدائر علقت مجلة «ذا نيشن» بأن بيزوس أوقف تأييد الواشنطن بوست لكامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية السابقة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وأمر مجلس التحرير بنشر مقالات رأى لا تدعم سوى «الحريات الشخصية والأسواق الحرة»، بينما كان هو الذى أشرف على مغادرة أكثر من 20 صحفيًا ومحررًا، واصفة بأنه تهديد «لجوهر ما يجعل من أمريكا ديمقراطية».

 

 

 

أكاذيب بيزوس

حسب صحيفة الجارديان، قدم بيزوس تعهدات ضخمة لمحاربة التغير المناخى، مثل تخصيص 10 مليارات دولار لصندوق «بيزوس إيرث فند»، كما تعهدت أمازون بالوصول إلى الحياد الكربونى بحلول عام 2040.

ومع ذلك، فإن انبعاثات أسطول توصيل أمازون ارتفعت بين 2019 و2023، ومركز بيانات الشركة الجديد سيستهلك ملايين الجالونات من المياه وطاقة تعادل ما تستهلكه مليون منزل سنويًا، واعتبرت أن هذا التناقض المتعمد يشكل جزءًا من استراتيجية بيزوس التجارية، وهى طريقة لغسل سمعته دون المساس بأرباحه.

وقالت الصحيفة إن هذا النمط قد تكرر العام الماضى مع صحيفة «الواشنطن بوست»، فعندما شعر بيزوس بالتهديد من صعود دونالد ترامب، تخلت الصحيفة عن نزاهتها الصحفية سريعا، وفقًا للـ«الجارديان».

وكان جيف بيزوس فى عام 2020 قد أطلق «صندوق بيزوس لأجل الأرض» بتعهد بتمويل قدره 10 مليارات دولار لدعم جهود مكافحة تغيّر المناخ عالميًا، فى خطوة وُصفت حينها بأنها الأضخم من نوعها من قِبل فرد واحد. ورغم ما بدا أنها مبادرة طموحة، واجه المشروع انتقادات حادة من خبراء ومراقبين بيئيين، اعتبروا أن التمويل يفتقر إلى الشفافية، وأنه يذهب فى معظمه إلى مؤسسات بيئية كبرى بدلًا من الحركات المجتمعية المتأثرة فعلًا بالكوارث المناخية. 

واتهم منتقدون بيزوس بمحاولة «غسل سمعته البيئية» عبر هذا الصندوق، فى الوقت الذى تستمر فيه شركته «أمازون» فى استهلاك كميات هائلة من الطاقة، وإصدار انبعاثات متزايدة.