
حازم الكاديكى
«مطرقة» النار و«سندان» العناد!
فى أرضٍ بعيدةٍ خلف سبع تلالٍ من النسيان وسبعة بحورٍ من الغموض وُجدت مملكةٌ غريبة تُدعى اللعبة لم تكن مملكةً تُحكم بعرش أو سيف بل بجلدٍ مستدير يدعى كرة.. هناك حيث يختلط العشق بالحُمى والهتاف بالعقيدة صارت الكرة دينًا بلا أنبياء وملعبها محرابًا تهفو إليه القلوب قبل الأقدام.
وفى يومٍ عاصف من أيام هذه المملكة حيث كانت السماء صافية لكن القلوب ملبدة التقى فريقان لا يلتقيان إلا وتشتعل المدينة وما جاورها وفى دقيقة ما سقط السحر.. لم تكن الضربة فى شباك بل فى صميم اللعبة توقفت المباراة وتوقف معها شيء فى أرواح من حضروا.. لم يكن ثمة جمهور لكن حين انطفأ ضوء المباراة اخترق الغياب جدار الأمن ودخل الغضب متخفيًا فى ثوب العاطفة.
هناك فى جهة الحكاية الأولى وقف صاحب القرار العاطفى.. رجلٌ يرى أن فوز فريقه كُتب قبل أن تتوقف اللعبة وأن من أفسدها ليس هو.. وفى الجهة الأخرى وقف رجلٌ لا يقل عشقًا ولا عنادًا يطالب بإعادة ما توقف لأن العدل لا يُحتسب بالنقاط بل بالنية والفرصة.
أما فى الأعلى حيث يجلس مجلس الإدارة على «التلة العاجية» حمل ميزانًا صدئًا وكتاب قانونٍ تغطيه طبقات الغبار والنسيان كلما همّ أحدهم بفتح الصفحة صاح فيهم التاريخ تذكروا حين قررتم ذات مرة كُسر التوازن فخافوا أن يُغضبوا طرفًا أو يُرضوا الآخر.
من خلف الجدار صرخ صوتٌ حكيم.
إن أى قرارٍ سُيتهم بالخيانة وإن لم تُصدروا قرارًا فستخونون اللعبة ذاتها.
هكذا تاهوا بين غضب جماهير لا تُرى وتهديدات لا تُقال وموازنات لا تُكتب.
وفى أحد الأزقة جلس طفلٌ صغير يُصلح كرة بلاستيكية مثقوبة وهمس لو أعادوا المباراة سأفرح ولو احتسبوها سأحزن لكننى سأبقى أحب الكرة لا من يعبثون بها.
تجمّد القرار وبقى فى الأدراج لا يُفرح ولا يُنهى وظلّت المدينة معلقة كأرجوحة فى ريحٍ لا تهدأ.
وفى حكايات الخيال لا نعرف هل أُعيدت المباراة هل أُغلقت القضية أم صارت ذكرى تُروى ولا تُصدّق لكن ما نعرفه حقًا أن حين يُترك القرار رهينة الخوف ينكسر قلب اللعبة.
نهاية الحكاية حيث تُدفن اللعبة فى صمت.
فى تلك الليلة اجتمعوا حول مائدة قرار بل حول طاولة مساومة.
لم تُفتح اللوائح لم يُقرأ القانون بل فُتحت الهواتف وذُكرت الأسماء همسًا وكررت الشفاه الجملة إياها: نريد أن نُرضى الجميع ولو على حساب اللعبة.
وفى الزاوية جلست الكرة تبكى بصمت ممنوعةٌ من الدفاع عن نفسها.. باتت عبئًا ثقيلًا يريد الجميع رميه إن صرخ.
مع أول خيط للفجر خرجوا بقرار رمادى لا يغضب أحدًا ولا يُرضى أحدًا. قرار لا يعرف العدل ولا يحفظ التاريخ.
قال أحدهم مبتسمًا: هكذا أفضل نربح الجميع ونخسر الحقيقة.
انقسم الجمهور كعادتهم.. صفّق بعضهم للسكوت وصفّق بعضهم للغضب.
أما الطفل صاحب الكرة المثقوبة فالتفت لأمه وسألها:
لماذا الكبار لا يحبون الفوز الحقيقى.
فهمت الأم ولم تُجب لأن الجواب كان مُرًّا وكان محظورًا.
وفى ذلك اليوم دُفنت اللعبة لا فى الملعب بل فى أروقة القرار.
وبات الناس ينتظرون عدالة لن تأتى ومباراة لن تُستكمل وحلمًا قُتل فى المهد.
ومنذ ذلك الحين لم تعد الجماهير تهتف بذات الشغف.
ولم يعد اللاعبون يلعبون بذات القلب.
وكلما انطلقت صافرة تساءلوا: هل ستُستكمل أم تموت كما مات كل جميل هنا؟
وعلى أحد الجدران كُتبت عبارة وحيدة بلونٍ يشبه الدموع «يا قلبى لا تحزن» فاللعبة بريئة لكن من حولها لم يعودوا كذلك.