مصر تزرع المستقبل

رافق خطوات الإعجاز المصرى: رضا رفعت
تحول زراعى غير مسبوق شهدته مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، يمكن وصفه بـ «الإعجاز» لا مجرد «إنجاز»، بالنظر لتحديات ندرة المياه والتغيرات المناخية والزيادة السكانية.
وبرؤية استراتيجية طموحة، حققت مصر قفزات نوعية وكمية بالقطاع الزراعى، من زيادة الرقعة وتحقيق الاكتفاء الذاتى، إلى تعزيز الصادرات ودمج التكنولوجيا. هذه الإنجازات غيرت حياة الملايين من الفلاحين، وساهمت بفاعلية فى تعزيز الأمن الغذائى وتوفير العملة الصعبة.

شهدت مصر طفرة بإنتاج الخضر والفاكهة، مدعومة بتقنيات الزراعة الحديثة كالصوب الذكية وتطوير أصناف عالية الإنتاجية. فقد ارتفع إنتاج الطماطم إلى 8.6 مليون طن سنويًا بزيادة 40% عن 2014، بفضل التوسع بالزراعات المحمية. ووصل إنتاج الفلفل إلى 2.1 مليون طن؛ مع تصدير 150 ألف طن للأسواق الأوروبية، بفضل تطبيق معايير الجودة العالمية. وسجل الباذنجان إنتاجًا قياسيًا بلغ 1.8 مليون طن، مع خفض الفاقد 25% عبر تطوير سلاسل التبريد واللوجيستيات.
رسخت مصر مكانتها فى سوق الفاكهة؛ فهى رائدة إفريقيًا بإنتاج المانجو بإجمالى 1.5 مليون طن، مع تصدير 300 ألف طن لأسواق رئيسية. وحقق العنب إنتاجًا قياسيًا بلغ 1.2 مليون طن بعد تطبيق أنظمة الرى بالتنقيط بصعيد مصر. تجاوز إنتاج الرمان 700 ألف طن، مع فتح أسواق جديدة بكندا والصين.

تضييق الفجوة
تعد المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة ركيزة للأمن الغذائى. بذلت الدولة جهودًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد، حيث تراجعت فجوة القمح من 65% عام 2014 إلى 50% عام 2023، بفضل استنباط أصناف عالية الإنتاجية مثل «سدس 12» (ينتج 30 إردبًا للفدان)، وأصناف كـ «مصر 4» و«بنى سويف 7» المقاومة للأمراض.
وتقلصت الفجوة من 70% إلى 30% عبر استخدام هجن متطورة كـ «الهجين الثلاثى 321» (ينتج 4.5 طن للفدان)، وتشجيع الزراعات التعاقدية.
ارتفع الإنتاج إلى 1.2 مليون طن عام 2024، مع تصدير 200 ألف طن من زيت الزيتون وزيتون المائدة. الدكتورة نجلاء بلبع، خبيرة الاقتصاد الزراعى أكدت أن: «مشروع المليون شجرة زيتون فى سيناء سيُضاعف الإنتاج بحلول 2026، مما يجعل مصر من أكبر منتجى الزيتون بالعالم»، مشيرة إلى أنه تم التوسع فى زراعة بنجر السكر لتلبية 80% من الاحتياجات المحلية، مع زيادة المساحات المنزرعة إلى 700 ألف فدان عام 2024.
كما تمت زيادة المساحات المخصصة للمحاصيل الزيتية كالعباد والفول السودانى بنسبة 30%، بهدف تقليل فجوة الزيوت النباتية من 95% إلى 75% بحلول 2026، عبر استنباط أصناف عالية الزيت وتطوير تقنيات الاستخلاص.
خطة استراتيجية
تمثل مشروعات الاستصلاح الزراعى العمود الفقرى للطفرة الزراعية المصرية؛ حيث وصلت المساحات الجديدة المستهدفة إلى 5.2 مليون فدان، خطة استراتيجية جريئة لزيادة الرقعة وخلق مجتمعات زراعية متكاملة.
ويعد مشروع الدلتا الجديدة، الأكبر من نوعه بالشرق الأوسط، بمساحة 2.2 مليون فدان وتكلفة تتجاوز 300 مليار جنيه، ويهدف لتحويل الصحراء الغربية لسلة غذاء لمصر، وتوفير ملايين فرص العمل، ويركز على إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، مثل 4 ملايين طن قمح و2.5 مليون طن ذرة سنويًا. يشمل المشروع إنشاء أطول نهر صناعى بالعالم بطول 114 كم، لنقل المياه الجوفية ومياه الصرف المعالجة (10 ملايين متر مكعب يوميًا). وصلت المساحة المستصلحة إلى 2.5 مليون فدان من مستهدف 3 ملايين فدان بحلول 2025، ويشمل إنشاء 50 محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة الشمسية.
وشمل مشروع تنمية الريف المصرى، استصلاح 1.5 مليون فدان بمناطق متفرقة؛ حيث تم استصلاح 510 آلاف فدان بالمرحلة الأولى. تم إنفاق 3.6 مليار جنيه على البنية التحتية، بما فى ذلك حفر 5114 بئرًا، وإنشاء 8 محطات لتحلية مياه الشرب، و18 مجتمعًا عمرانيًا متكاملًا، مع توفير 25 ألف فرصة عمل. مشروع تنمية غرب المنيا يستهدف استصلاح 500 ألف فدان بحلول 2025، مع إنشاء 10 مجتمعات عمرانية مزودة بتقنيات الرى الذكى.
بلغت المساحة المنزرعة بمشروع توشكى 540 ألف فدان من مستهدف مليون فدان، مع خطة لزراعة 1.2 مليون فدان بحلول 2026. يشمل المشروع تربية 200 ألف رأس ماشية وإنشاء 10 مزارع ألبان، ويهدف لإنتاج 50 ألف طن من الأسماك سنويًا. يضم أكبر مزرعة تمور بالشرق الأوسط (38 ألف فدان، تستهدف 2.5 مليون نخلة)، وتنتج 150 ألف طن تمور سنويًا.

كما تم نقل مشروع ترعة السلام مياه النيل لسيناء لرى 400 ألف فدان (بتكلفة 45 مليار جنيه)، وساهم فى توطين 50 ألف أسرة. يجرى تنفيذ المرحلة الأولى لاستصلاح وزراعة 460 ألف فدان وإنشاء البنية الأساسية لها.
قيمة مضافة
حققت الصادرات الزراعية المصرية قفزة نوعية وكمية، حيث بلغت القيمة الإجمالية للصادرات الزراعية 9 مليارات دولار فى 2023، متجاوزة الأهداف المحددة، وتستهدف مصر زيادتها لـ 11 مليار دولار بنهاية 2025.
وبلغت الصادرات الطازجة 7.4 مليون طن بقيمة 3.7 مليار دولار، وزادت الصادرات المصنعة إلى 5.1 مليار دولار؛ مما يؤكد التوجه نحو تعزيز القيمة المضافة.
وتوسعت الصادرات المصرية لتشمل 93 سوقًا دولية جديدة، وشملت أسواقًا كالمكسيك (50 ألف طن برتقال) والبرازيل (20 ألف طن فراولة مجمدة)، بالإضافة للصين (100 ألف طن مانجو) وتايوان (30 ألف طن تمور).
تصدرت مصر العالم بتصدير البرتقال بإجمالى 1.2 مليون طن. احتلت مصر المركز الأول عالميًا بتصدير الفراولة المجمدة للعام الثالث على التوالى، بإنتاج 300 ألف طن. تستهدف مصر تصدير 600 ألف طن من التمور الفاخرة، وتم افتتاح مصنع جديد بالوادى الجديد بطاقة إنتاجية 50 ألف طن سنويًا للعنب المجفف (الزبيب). وفقًا لما أكده الدكتور محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة الذى أشار إلى أن: «الاتفاقيات الجديدة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء ستفتح أسواقًا لـ 20 سلعة زراعية جديدة بحلول نهاية 2025».
وشهد قطاع الصناعات الغذائية تطورًا ملحوظًا، حيث بلغت استثمارات المصانع الجديدة نحو 20 مليار جنيه فى السنوات الخمس الماضية، مما رفع الطاقة الإنتاجية للأغذية المصنعة والمجمدة. تساهم هذه الصناعات فى خفض الفاقد بعد الحصاد بنسبة 15% وتوفر 70 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. كما تم تطوير 12 منفذًا جمركيًا متخصصًا للمنتجات الزراعية لتبسيط إجراءات التصدير، مما قلص زمن التخليص الجمركى بنسبة 40%.
وتُعد الصوب الزراعية إحدى أهم ركائز الثورة الزراعية بمصر، حيث تساهم بتحقيق أقصى استفادة من المياه والأرض، وتوفر منتجات عالية الجودة. أطلقت الدولة المشروع القومى لإنشاء 100 ألف صوبة زراعية بتكلفة نحو 40 مليار جنيه، وتستهدف المرحلة الثانية إنشاء 200 ألف صوبة بحلول 2026. تعادل إنتاجية هذه الصوب مليون فدان تقليدى، حيث تنتج 2 مليون طن من الخضر والفاكهة، وتوفر أكثر من 300 ألف فرصة عمل.

تم تركيز 30 ألف صوبة بغرب المنيا، و20 ألفًا بسيناء. تعتمد الصوب على أنظمة الذكاء الاصطناعى للتحكم بدرجة الحرارة والرطوبة، مما رفع إنتاجية الطماطم لـ 40 طن/فدان، وتعتمد على أنظمة رى محورى مطور (2600 جهاز) وتقنيات زراعة عضوية خفضت استخدام المبيدات 70%، وهو ما أشارت إليه الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، حيث أكدت أن : «تحويل 30% من الصوب لنظم زراعة مائية (Hydroponics) سيخفض استهلاك المياه بنسبة 70%.
ريادة إقليمية
شهدت مصر طفرة غير مسبوقة بالإنتاج السمكى، مما جعلها من الدول الرائدة عالميًا، وساهمت بتعزيز الأمن الغذائى وتوفير فرص العمل. بلغ الإنتاج السمكى المصرى 2 مليون طن خلال 2022، وأصبحت مصر الثالثة عالميًا بإنتاج البلطى (1.6 مليون طن، وتصدر 200 ألف طن). احتلت مصر المركز الأول بإنتاج البورى (400 ألف طن، بزيادة 50 % عن 2018).
مشروع بركة غليون بكفر الشيخ هو الأكبر من نوعه بالشرق الأوسط، حيث ينتج 100 طن يوميًا (36 ألف طن سنويًا)، ويصدر 30 ألف طن سنويًا لأوروبا بقيمة 150 مليون دولار، ويوفر 10 آلاف فرصة عمل، ويستهدف تصدير 50 ألف طن سنويًا بحلول 2025. مشروع شركة قناة السويس للاستزراع السمكى بإجمالى 4440 حوض سمك، ويوفر 10 آلاف فرصة عمل. مشروع الفيروز بشرق التفريعة بطاقة إنتاجية 3000 طن سنويًا. ويهدف الاستزراع السمكى البحرى لإنتاج 100 ألف طن من أسماك التونة والجمبرى بالبحر الأحمر، كما أكد الدكتور عبد الله زغلول، نقيب الصيادين أن: «مشروع تطوير بحيرة البردويل سيزيد إنتاج الأسماك بنسبة 40 % بحلول 2026».
وتُعد ندرة المياه من أبرز التحديات، وأولت الدولة اهتمامًا لتطوير وتحديث نظم الرى لضمان الاستخدام الأمثل للموارد. تم إطلاق مبادرة قومية لتطوير وتحديث منظومة الرى بمليون فدان بالأراضى الجديدة، وحوالى 3.7 مليون فدان بالقديمة، بتكلفة تقدر بـ 50 مليار جنيه. يشمل المشروع القومى للتحول للرى الذكى تركيب 1 مليون عداد ذكى لمراقبة استهلاك المياه بحلول 2025. تم الانتهاء من تبطين 10 آلاف كم من الترع بتكلفة 100 مليار جنيه، مما خفض الفاقد لـ 20 %.
تكمل هذه الجهود مشاريع عملاقة لمعالجة مياه الصرف الزراعى والصحى، مثل محطة بحر البقر الأكبر فى العالم بطاقة 5.6 مليون م³ يوميًا (تخدم استصلاح 500 ألف فدان بسيناء)، ومحطة الحمام بطاقة 7.5 مليون م³ يوميًا لتوفير المياه لمشروع الدلتا الجديدة. وفى هذا الإطار قال الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الرى الأسبق: «إن مصر ستوفر 10 مليارات م³ من المياه سنويًا عبر إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة بالزراعة بحلول 2026».

تم استنباط أصناف قطن قصيرة العمر توفر نحو 800 م³ مياه للفدان. كما تم استنباط أصناف قمح مقاومة للملوحة والجفاف مثل «سوبر جيزة 97»، الذى وفر 30 % من المياه.
تُعد الصوامع الحديثة ركيزة لضمان الأمن الغذائى، حيث تساهم بتقليل الفاقد وتوفير مخزون استراتيجى آمن. زادت السعات التخزينية لـ 5.5 مليون طن بدلًا من 1.4 مليون طن فى 2014، عبر إنشاء نحو 80 صومعة جديدة.
التوسع بالصوامع الرقمية يشمل إنشاء 100 صومعة ذكية مزودة بأجهزة استشعار، مما أدى إلى تراجع الفاقد من الحبوب من 15 % لـ 5 %.
وتضاعفت الاستثمارات العامة فى القطاع الزراعى بشكل كبير، حيث بلغت 31.8 مليار جنيه عام 2022/2023، مقابل 4.1 مليار جنيه عام 2013/2014، بزيادة تقدر بـ 8 أضعاف. تخطط الدولة لاستثمارات عامة تصل إلى 90 مليار جنيه فى قطاع الزراعة والرى خلال العام المالى 2024/2025. هذه الاستثمارات لم تقتصر على استصلاح الأراضى، بل شملت تطوير البنية التحتية اللوجيستية التى تدعم الزراعة، مثل تحسين شبكة الطرق الزراعية التى تربط المزارع بأسواق التصدير والموانئ. كما تركز على إنشاء محطات فرز وتعبئة متطورة، ومدن للصناعات الغذائية فى مناطق الدلتا الجديدة، بهدف زيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعية وتقليل الهدر.
وارتفعت مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمارات الزراعية إلى 70 % من إجمالى الاستثمارات بالقطاع خلال عام 2023، بعد تسهيلات وإجراءات تحفيزية، مما يؤكد على الثقة فى مستقبل الزراعة المصرية.

كفاءة وتمكين
شهد القطاع الزراعى طفرة فى تبنى التحول الرقمى، ليس فقط عبر «كارت الفلاح» الذى سجل 5.7 مليون حائز، والذى مكّن من صرف الأسمدة المدعومة إلكترونيًا لـ 2.7 مليون مزارع، بل امتد ليشمل آليات أكثر تطورًا. تم ميكنة 20 خدمة زراعية وإطلاقها عبر بوابة مصر الرقمية، وتزويد 5830 جمعية زراعية بأجهزة التابلت ونقاط البيع، كما يستفيد نحو 2 مليون فلاح من تطبيق «الهدهد» المساعد الذكى الذى يُحدّث باستمرار ليواكب أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعى، مما يوفر لهم معلومات حول حالة الطقس، توصيات زراعية، وأسعار المحاصيل.
بالإضافة إلى ذلك، تضمنت جهود دعم الفلاحين توفير أكثر من 9 ملايين طن من الأسمدة المدعومة على صغار المزارعين، بدعم بلغ نحو 45 مليار جنيه خلال الأربع سنوات الماضية، مما خفف الأعباء عنهم وزاد من قدرتهم الإنتاجية.
ولتعزيز قدرات المزارعين، تم تدريب 500 ألف مزارع على أساليب الزراعة الحديثة والرى الذكى من خلال 20 مركزًا تدريبيًا متخصصًا على مستوى الجمهورية.
وفى كل هذا يلعب البحث العلمى دورًا حاسمًا بتطوير القطاع الزراعى، ونجحت المراكز البحثية المصرية باستنباط أصناف وهجن جديدة تزيد من الإنتاجية وتتحمل التغيرات المناخية.
وزير الزراعة قال: تم استنباط 60 صنفًا وهجينًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة لمحاصيل القمح والشعير والذرة والأرز والفول البلدى والأعلاف والمحاصيل الزيتية. تم تسجيل أكثر من 900 صنف للمحاصيل الحقلية والبستانية، وتم استنباط وتسجيل 26 من الهجن والأصناف الجديدة لـ 10 محاصيل خضر وفاكهة.
وقال الدكتور عادل عبد العظيم، نائب رئيس مركز البحوث الزراعية: «إن نسبة التغطية بالتقاوى المعتمدة للقمح زادت من 40% لـ 100 % موسم 2023/2024 مع وجود فائض للتصدير»، مشيرًا إلى وجود أصناف قمح مقاومة للجفاف مثل صنف «ذاكرة النيل» للقمح، الذى يتحمل نقص المياه بنسبة 50%.
وتم تطوير هجين ذرة بيضاء ينتج 8 أطنان/فدان، وخفضت مصر فاتورة استيراد التقاوى من 200 مليون دولار لـ 60 مليونًا.
وتُعَدّ مشاريع التكنولوجيا الحيوية الزراعية الجديدة جزءًا أساسيًا من هذه الاستراتيجية، حيث تم تخصيص 1.5 مليار جنيه لمراكز الأبحاث لتطوير بذور مهجنة ومقاومة للأمراض، مع التركيز على تقنيات التعديل الوراثى لتحسين جودة المحاصيل، مما يعزز من قدرة القطاع على التكيف مع التحديات المناخية.
تتبنى مصر نموذجًا تنمويًا مستدامًا يركز على الاقتصاد الأخضر، مما يجذب الاستثمارات ويحقق التنمية الشاملة. أصدرت مصر سندات خضراء بقيمة 2 مليار دولار لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة بالزراعة. وتم توقيع اتفاقيات شراكة مع شركات عالمية، كاستثمارات شركة سكاتك النرويجية بـ 1.5 مليار دولار بإنتاج الهيدروجين الأخضر من المخلفات الزراعية.
تعزيز الإنتاج
وشهد قطاع الثروة الحيوانية والداجنة تطورًا، مما ساهم بتحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواجن وتضييق الفجوة باللحوم والألبان. وتمت زيادة الطاقة الإنتاجية للقاحات الدواجن من 200 مليون لـ 2 مليار جرعة سنويًا، وتوفير الأعلاف لإنتاج مصر مليارًا و200 ألف طائر سنويًا، مما ساهم بالاكتفاء الذاتى من الدواجن.
ونفذ قطاع الثروة الحيوانية المشروع القومى لإحياء «البتلو»، حيث تم تمويل صغار المزارعين بـ 8 مليارات جنيه و263 مليونًا لنحو 43 ألف مستفيد لتربية وتسمين 500 ألف رأس ماشية. جارٍ تطوير 826 مركزًا لتجميع الألبان، وتم إنهاء 281 مركزًا. تم تحسين السلالات فى أكثر من مليون رأس ماشية، وإنشاء 600 نقطة تلقيح اصطناعى. تم إنتاج واستيراد 4.5 مليون قصيبة نتج عنها تلقيح 2.2 مليون رأس من الماشية.
وتُعد جودة وسلامة المنتجات الزراعية المصرية أولوية قصوى لتعزيز قدرتها التنافسية فى الأسواق العالمية. وفى هذا السياق، تم إنشاء الهيئة القومية لسلامة الغذاء عام 2017، والتى قامت بتسجيل واعتماد 1500 منشأة غذائية وزراعية مطابقة للمعايير الدولية. هذا الجهد ساهم فى فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، خصوصًا فى دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة التى تفرض معايير صارمة. ارتفعت نسبة المنشآت الحاصلة على شهادات الجودة والتصدير من 15% فى 2014 إلى 70% فى 2023، مما يعكس التزام مصر بالجودة.
تتجه مصر بقوة نحو الزراعة العضوية والممارسات المستدامة لتقليل البصمة الكربونية وتعزيز قيمة المنتجات.
زادت المساحة المخصصة للزراعة العضوية من 80 ألف فدان فى 2014 إلى 220 ألف فدان فى 2023، بزيادة قدرها 175%. تستهدف مصر زراعة 500 ألف فدان عضوى بحلول 2030. كما تم إطلاق مبادرات لتعزيز استخدام الأسمدة الحيوية، مما قلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية بنسبة 20% فى بعض المحاصيل الرئيسية، مع توفير 1.5 مليار جنيه مصرى من تكاليف الاستيراد السنوية.

وللحد من الهدر وتحويل التحديات إلى فرص، تبنت مصر استراتيجية متكاملة لإدارة المخلفات الزراعية. يتم جمع 70% من قش الأرز و50% من المخلفات النباتية الأخرى وتحويلها إلى أسمدة عضوية أو طاقة حيوية (Biogas). تم إنشاء 12 وحدة إنتاج طاقة حيوية على نطاق صغير فى القرى، مما يوفر الطاقة النظيفة لنحو 5000 أسرة ريفية ويساهم فى خفض انبعاثات الكربون بمقدار 100 ألف طن مكافئ ثانى أكسيد الكربون سنويًا.
هذه المبادرات ساهمت فى تقليل حرق المخلفات بنسبة 60 %، مما يحسن جودة الهواء ويوفر مصادر دخل إضافية للمزارعين.
تحسين مستوى المعيشة
تجاوزت هذه الطفرة الزراعية مجرد الأرقام الإنتاجية لتمتد آثارها الإيجابية إلى صميم حياة ملايين المصريين، خاصة العاملين فى القطاع الزراعى، مما يؤكد البعد الاجتماعى العميق لهذه الإنجازات. ساهمت زيادة الإنتاجية وتنوع المحاصيل وفتح أسواق تصديرية جديدة فى زيادة متوسط دخل الفلاح المصرى بنسبة تتراوح بين 20-30%. خلقت المشروعات الكبرى مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما ساهم بشكل كبير فى امتصاص البطالة فى الريف. تضمنت مشروعات الاستصلاح الزراعى إنشاء مجتمعات عمرانية متكاملة.
شهدت المشروعات الزراعية الحديثة زيادة فى مشاركة المرأة الريفية، مما عزز من دورها الاقتصادى والاجتماعى. أدت زيادة الإنتاج المحلى إلى استقرار أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية فى السوق المحلية. تستهدف مصر تحقيق أمن غذائى مستدام بحلول 2030، من خلال استراتيجية شاملة تركز على الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة وتطبيق أحدث التقنيات الزراعية. تهدف إلى زيادة الصادرات الزراعية لـ 10 ملايين طن سنويًا، وتعزيز التصنيع الزراعى.
ومن المتوقع وصول عدد السكان لـ 120 مليون نسمة بحلول 2030، مما يزيد الضغط على الموارد. كما أن ارتفاع درجة الحرارة 2 درجة مئوية بحلول 2050 يستدعى تطوير أصناف زراعية مقاومة. وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للمياه 2050 زيادة الاعتماد على المياه غير التقليدية (المعالجة) لـ 40%. مشروع مصر الخضراء يهدف لزراعة 5 ملايين شجرة بالمناطق الحضرية بحلول 2030.
وتعكس تصريحات الخبراء حجم الإنجازات وطموحات المستقبل، وتؤكد الأهمية الاستراتيجية للتحول الزراعى فى مصر؛ حيث قال الدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة: «تمويل التحول الأخضر بالزراعة سيعزز النمو الاقتصادى بنسبة 6% سنويًا. هذا التحول ليس مجرد خيار بيئى، بل هو ضرورة اقتصادية لخلق فرص عمل جديدة، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية التى تتجه نحو الاستدامة، وجذب المزيد من الاستثمارات الخضراء».
إجمالًا، وبعد عقد من الإنجازات غير المسبوقة، تُعد مصر نموذجًا رائدًا بالتحول الزراعي؛ حيث تجاوزت التحديات المائية والمناخية عبر مشروعات كبرى كالدلتا الجديدة وتوشكى. هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الرؤية الاستراتيجية الواضحة، والإرادة السياسية القوية، والجهود المضنية للعلماء والمزارعين والمهندسين. ومع استهداف زيادة الصادرات لـ 11 مليار دولار فى 2025، وتوسيع الرقعة الزراعية لـ 5.8 مليون فدان، وتطبيق أحدث التقنيات بالزراعة الذكية وإدارة المياه، تُرسخ مصر مكانتها كقوة زراعية إقليمية وعالمية.
وعلى الرغم من النجاحات الباهرة، لا تزال التحديات قائمة، كالزيادة السكانية المستمرة وتأثيرات التغيرات المناخية.
ومع ذلك، مصر عازمة على مواصلة مسيرتها نحو تحقيق أمن غذائى مستدام، من خلال تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتبنى تقنيات مبتكرة، والاستثمار برأس المال البشرى، لضمان مستقبل مزدهر لأجيالها القادمة.