الخميس 3 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فيلّا ميديتشى

فيلّا ميديتشى

أتذكر أثناء دراستى بكونسيرفتوار القاهرة، خاصة مادة تاريخ الموسيقى ومعرفتنا بحياة المؤلفين الموسيقيين وأماكن التحاقهم بالمعاهد العليا وتلقيهم لدراستهم المتخصصة فى الغرب، كنا كثيرًا ما نلحظ تكرار فيلا ميديتشى، وبعد أن توليت مسئولية إدارة الأكاديمية المصرية للفنون بروما، ومع فتح آفاق تعاون مع الأكاديميات المجاورة والمناظرة، زرت فيلا ميديتشى، أقدم أكاديمية وسط تلك الأكاديميات. 



وإن كانت أكاديميتنا واحدة من الأكاديميات العريقة والمميزة على مستوى الشكل والمضمون والتى توشك على القرن من الزمان، إلا أن تاريخ الأكاديمية الفرنسية يرجع لعام 1666 أى 359 سنة وهو ما يؤكد عبقرية فكرة إنشاء تلك الأكاديميات فى قلب عاصمة الفن والجمال روما والتى تتأسس على هذه المرجعية. 

أما عن مقابلتى مع الدكتور سام ستوردز مدير الأكاديمية فكانت غاية فى الود، وأظهرت الاستعداد المتبادل للتعاون الأكاديمى المشترك فى ظل المبادرة التى أطلقتها منذ تكليفى بالمهمة تحت عنوان «مصر إيطاليا.. والجوار الأكاديمي».

وحين نتأمل العلاقة بين الفن والتاريخ، نجد أن ثمة أماكن تتجاوز كونها مجرد أبنية حجرية، لتصبح تجسيدًا حيًّا لذاكرة فنية، وشاهدًا على التفاعل الحضارى بين الثقافات. 

من بين تلك الأماكن الرمزِية، تبرز فيلا ميديتشى فى روما، التى تحتضن الأكاديمية الفرنسية، فتغدو معقلًا للفن والإبداع، ونقطة التقاء بين عبقرية الماضى ورؤية المستقبل.

تعود أصول ڤيلّا ميديتشى إلى القرن السادس عشر، عندما أمر الكاردينال فرناندو دى ميديتشى أحد أفراد العائلة الميديتشية الشهيرة فى فلورنسا بشراء هذا القصر فى عام 1576، الذى كان يُعرف سابقًا بقصر لوكوليان (منسوبًا إلى الجنرال الرومانى لوكولوس). وأُعيد تصميمه على يد المعمارى بارتولوميو أمّاناتى، فى مزج بين عناصر العمارة الرينيسانسية الكلاسيكية والتفاصيل الإيطالية الرقيقة. 

ولم يكن الهدف من الفيلا مجرد إقامة عائلية، بل أشبه بمتحف خاص، حيث جمع فرناندو قطعًا فنية رومانية قديمة، ونقوشًا وتماثيل نادرة، لتُعرض فى حدائق الفيلا بطريقة تستحضر عظمة العصور القديمة. وقد تحولت الفيلا لاحقًا إلى مساحة تحتفى بالفنون والعلوم، واستمرت فى لعب هذا الدور حتى بعد انتقالها إلى ملكية الدولة الفرنسية فى أوائل القرن التاسع عشر.

فى عام 1803، بأمر من نابليون بونابرت، تم نقل الأكاديمية الفرنسية فى روما إلى ڤيلا ميديتشى، بعد أن كانت تتواجد فى دير سان بيترو فى مونتوريو. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الفيلا المركز الرئيسى للأكاديمية، التى تهدف إلى إتاحة الفرصة للفنانين الفرنسيين المتميزين فى مجالات الفن المتعددة للإقامة والعمل فى روما، والانغماس فى تلك الأجواء الثقافية الخصبة المنفتحة على الحوار المتبادل، والتفاعل الأكاديمى المتجاوز لحدود اللغة والجغرافيا.

ولا تقتصر ڤيلا ميديتشى على استقبال الفنانين المقيمين فحسب، بل أصبحت مركزًا ثقافيًّا مفتوحًا للجمهور، من خلال تنظيم المعارض، والحفلات الموسيقية، والندوات، وعروض الأفلام، ونجحت الأكاديمية فى الحفاظ على توازن دقيق بين الوفاء لتقاليدها الكلاسيكية والانفتاح على التجارب المعاصرة، لتظل عبر عقود طويلة من الزمان مرآة للفن والإبداع فى أحضان مدينة تحمل عبق التاريخ والفنون والجمال «روما»، ويا لها من متعة لا يمكن أن تُنسى داخل فيلا ميديتشى لتشعر بروعة صناعة التاريخ والفن والأدب حين تتجول فى تلك البناية الأثرية والحديقة المفعمة بذكريات المبدعين.