الخميس 3 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الخطايا الـ 7 للجماعة الإرهابية

لم يخرج ملايين المصريين فى ثورة 30 يونيو للميادين والشوارع فجأة، لم يوقعوا على استمارة «تمرد» من فراغ... فالحقيقة أن القرار الأخير لم يكن لـ«محمد مرسى» فى «الاتحادية» بقدر ما كان لمكتب الإرشاد بـ«المقطم».



 قد يكون من المهم هنا الإشارة إلى المشاهد الأخيرة قبل اندفاع الملايين للشارع رافعين لافتة وحيدة وهتافًا أخيرًا «يسقط يسقط حكم المرشد».

أول يونيو 2013 زارت ثلاث شخصيات عربية مكتب الإرشاد فى محاولة لإقناع المرشد «محمد بديع» بـ«مخرج سياسى» للأزمة التى تفاقمت وتصاعدت بشكل غير مسبوق وطالبت الشخصيات الثلاثة أن تستجيب الجماعة على نحو ما لمطالب المعارضة المدنية.

 

 

 

 

الثلاثة هم: «راشد الغنوشى» زعيم «حركة النهضة» فى تونس، و«منير شفيق» المفكر الفلسطينى المعروف، والدكتور «خير الدين حسيب» مؤسس المؤتمر القومى العربى.

أخفقت المهمة تماما، وبدا واضحا أن الجماعة غير مستعدة لأية تسويات سياسية معتقدة أن عضلاتها تردع وأن بوسعها وحدها «التكويش» على السلطة.

 قبل أربعة أيام من تظاهرات (30) يونيو بدا البلد على أعصابه ينتظر ما يقوله الرجل الذى آلت إليه مقاليد الرئاسة فى قاعة المؤتمرات الكبرى.. فى هذا المساء انتهى كل شىء فعليا وتأكد الجميع أن الخطايا السبع التى ارتكبتها الجماعة فى حكم مصر لمدة 365 يومًا ستستمر للأبد إذا لم يدافع المصريون عن بلدهم.

فى هذا المساء ظهر محمد مرسى وهو يخطب بعصبية بالغة بين حشد من أنصاره يدعونه إلى الحسم مع خصومه السياسيين والتحريض على أية قيمة ديمقراطية.. وبغرابة شديدة- لا أريد أن أقول بسذاجة- تم إنكار أن هناك أزمة كبرى، تصورت وقتها جماعة الإخوان أن ما لديها من قوة فى التنظيم ووفرة فى الموارد كافٍ للحسم وأعدت بالفعل قوائم اعتقالات لخصومها بانتظار فشل (30) يونيو.

أفرط «محمد مرسى» فى التهديد والوعيد وتحرش بقضاة وإعلاميين وسياسيين.. كان ذلك إغلاقا عنيفا لأية نافذة سياسية محتملة.. رغم أنه وللمفارقة مطالب المصريين حتى هذا الوقت - أربعة أيام قبل الثورة- لهم ثلاثة مطالب فقط.. أولها: تغيير النائب العام بآخر يختاره المجلس الأعلى للقضاء.. وثانيها: إقالة الحكومة والتوافق على شخصية مدنية تترأسها.. وثالثها: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

 

 

 

وقد يكون من المهم هنا الإشارة إلى مطالبات النخبة السياسية والمجتمع المدنى بكامله إضافة للشعب للجيش بحماية مصر..وتساءل الجميع لماذا لا يتدخل الجيش.. بل أن البعض اتهم قيادات الجيش وقتها بالتخلى عنهم وعن البلد.

خطايا الإخوان فى عام حكمهم الكئيب نرصدها فى سبعة قرارات.. كانت بمثابة الإعلان الرسمى عن أخونة الدولة.. وأن البلد فى طريق مسدود ستضيع فيه هويتها وتاريخها.

ومن أول يوم- دعك من حقيقة فوز مرسى وهزيمة الفريق أحمد شفيق- وعقب إعلان اللجنة المشرفة فى انتخابات الرئاسة فوز محمد محمد مرسى عيسى العياط فى الانتخابات الرئاسية عام 2012، تعاملت جماعة الإخوان بمبدأ «البلد بلدنا والدفاتر دفاترنا»، وتفرغت الجماعة «قيادة وقاعدة» للسيطرة على مقاليد الحكم، مرسخين لحكمهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مرتكبين جرائم فى حق الوطن والمواطن.

365 يومًا هى مدة حكم «المرشد» وجلوس محمد مرسى فى قصر الاتحادية، ارتكبت خلالها الجماعة 10 جرائم محفورة فى الذاكرة، لن تمحوها الأيام والسنون.. فقد ارتكبتها فى حق مصر والمصريين.

أخونة الدولة

مصطلح «أخونة الدولة» تصاعد بقوة بعد محاولات الجماعة المستميتة زرع قياداتها وعناصرها فى مراكز مرموقة داخل الدولة المصرية.. المثير واللافت أن المصطلح ظهر من تيار إسلامى آخر كان أول من حذر وهدد بفضح جماعة الإخوان بشأن «أخونة الدولة»- بالطبع هنا كان يريد المغانم والمشاركة فى الحكم بقوة- لكن على أى حال التاريخ يقول لنا إن الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور السلفى، قال نصا: «سنقف لعملية أخونة الدولة بالمرصاد، وعلى جماعة الإخوان المسلمين الكف عن إخفاء الحقائق التى يلمسها ويشاهدها عموم الشعب المصرى، وإلا سننشر ملف أخونة الدولة فى الإعلام تفصيليا إذا استمر هذا النهج».

 

 

 

مخاوف المصريين من الأخونة فى كل القطاعات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.. لم تكن خافية على أحد.. ففى مؤسسة الرئاسة فقط خلال حكم الإخوان، كان 8 من قيادات الجماعة إضافة لإبن خيرت الشاطر.. يعملون داخل القصور الرئاسية وهم: «الدكتور محمد مرسى ـــــ عضو مكتب الإرشاد، رئيس حزب الحرية والعدالة، وياسر على ـــــ المتحدث باسم الرئاسة، ودكتور عصام الحداد ـــــ مساعد شئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولى.. وفى الوقت نفسه هو عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، والمسئول عن ملف العلاقات الخارجية فى الجماعة، مدير حملة مرسى الانتخابية، وأحمد عبدالعاطى ـــــ مدير مكتب رئيس الجمهورية، عضو جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، المنسق السابق لحملة محمد مرسى، بالإضافة لكل من الدكتور محيى الدين حامد ـــــ مستشار الرئيس، عضو بجماعة الإخوان، عضو بمكتب إرشاد الجماعة، والدكتور حسين القزاز ـــــ مستشار الرئيس، ويشغل منصب المستشار الاقتصادى للجماعة وحزبها الحرية والعدالة، والدكتورة أميمة كامل السلامونى ـــــ مستشار الرئيس لشئون المرأة، عضو حزب الحرية والعدالة، أستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة، عضو مجلس إدارة نادى أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة، والدكتور عصام العريان ـــــ مستشار الرئيس لشئون الخارجية نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، شغل منصب المتحدث الرسمى للإخوان عدة سنوات قبل ثورة 25 يناير».

السؤال الذى يبدو منطقيا جدا هنا.. وماذا كان يفعل هؤلاء فى الرئاسة.. وما خطورته؟

الإجابة يمكن أن تكون على طريقة صدق أو لا تصدق.. الإخوان فى الرئاسة كانوا يتجسسون على بعضهم البعض.. فما بالك بما فعلوه فى المصريين.

ويكفى هنا أن نشير إلى أن محمد مرسى نفسه، كانت لديه وحدة مخابرات خاصة مكونة من العشرات من عناصر الجماعة للتجسس على وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وخيرت الشاطر نائب المرشد.

مرسى كلف عناصر مخابراته التى كان يشرف عليها بنفسه برصد كافة المعلومات حول تحركات الاثنين، ولقاءاتهما، وأحاديثهما، ومحاولة معرفة كافة توجهاتهما نحوه وآرائهما فيه، وكتابة تقارير يومية مفصلة له.

فى المقابل الشاطر كان يعلم بكل ما كان يدور فى قصر الرئاسة، وما يفعله مرسى، من خلال نجله سعد خيرت الشاطر الذى كان ضمن الدائرة المحيطة بمرسى فى القصر الرئاسى بتعليمات من محمد بديع مرشد الجماعة، وكان يعاون نجل الشاطر كذلك فى نقل المعلومات عن مرسى مدير مكتبه أحمد عبدالعاطى الذى سبق أن تورط مع خيرت فى قضية ميليشيات الأزهر فى العام 2007 وحكم عليه غيابيا فيها.

خيرت الشاطر أنشأ كذلك وحدة مخابرات خاصة به لمتابعة نشاط وعناصر نظام مبارك ورجال الأعمال غير التابعين للإخوان، وكذلك بعض الفنانين والوزراء السابقين والتنصت عليهم، كما كلف عناصر الجماعة فى بعض الدوائر الحكومية وتحديدا قطاع الاتصالات بالتنصت عليهم وتسجيل المكالمات لهم بزعم خيانة الثورة.

وكشف بلاغ سابق حمل رقم 4624 جنوب الجيزة تقدم به عبدالحليم زيتون ـــــ عضو حزب الكرامة، استخدام جماعة الإخوان كاميرا مراقبة خفية على شكل قلم للتجسس على اجتماعات بعض النشطاء، فيما اكتشف صحفيون مصريون اختراق بريدهم الإلكترونى من خلال استقبالهم رابطًا من بريد إلكترونى معروف لموقع الإخوان يحمل فيروسات للاختراق والتجسس.

المثير فعلا وقولا أن بعض اجتماعات مكتب الإرشاد كانت تعقد داخل القصر الرئاسى، بحضور أعضاء مكتب الإرشاد على طاولة اجتماعات الرئاسة وجلوس محمد بديع مرشد الإخوان على الكرسى المخصص للرئيس فى طاولة الرئاسة، هذا غير القرارات التى كانت تخرج من محمد مرسى وتذهب أولا لمكتب الإرشاد لاعتمادها والموافقة عليها قبل إعلانها، ولعل أبرز هذه الأمور كانت حركة المحافظين والتعديلات الوزارية التى كانت تخرج من مكتب إرشاد الإخوان إلى مكتب الرئاسة مباشرة لتعلن فى قرار رئاسى بعدها.

 

 

 

محاصرة الدستورية ومعركة القضاء

من أهم الجرائم التى ارتكبتها الإخوان خلال حكم «المعزول» الدخول فى معركة شرسة مع القضاء المصرى، ومحاولات تعيين نائب عام بدلا من النائب العام عبدالمجيد محمود، وسمى وقتها «النائب الخاص» ليس هذا فحسب، بل حاصرت الإخوان المحكمة الدستورية العليا، ولم يتمكن مستشارو المحكمة الدستورية العليا من الحضور إلى مقر المحكمة بسبب الحصار الذى فرضه آلاف من المنتمين إلى جماعة «الإخوان»، على مقر المحكمة، الأمر الذى دفع المحكمة وقتها إرجاء النظر فى الدعاوى التى تطالب ببطلان مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية للدستور آنذاك.

والضجة التى أحدثها قراره الأخير بإعفاء النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه، وتعيينه سفيرا لدى الفاتيكان.

وقبل قرار إقالة النائب العام بنحو أسبوعين انتشر على عدد من المواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعى، خبر يفيد بإقالة عبدالمجيد محمود وتعيين المستشار زكريا عبدالعزيز- الرئيس السابق لنادى القضاة- بدلا منه، وذلك خلال وجوده فى ألمانيا فى رحلة علاجية، لكن تم تكذيب الخبر الذى اعتبر حينها «بالونة اختبار».

وبحسب تصريحات سابقة المستشار عبدالمجيد محمود، فإنه بدأ التخلص من النائب العام بعد انتخابات مجلس النواب الإخوانى بعدما تلفظوا بأفظع الألفاظ داخل قاعة المجلس ضد النائب العام والقضاء، ورددوا شعارات سخيفة ومتدنية وهى «الشعب يريد تطهير القضاء»، ووقتها ادعى المستشار أحمد مكى الذى كان يشغل منصب وزير العدل أن هذا الشعار ما هو إلا توجه للقوة الثورية، فكان ردى عليه- عبدالمجيد يتحدث - «إوعى تقول القوة الثورية» لأنهم براء من هذا، وكان ذلك تحديدًا بعدما رفضنا طلب الإخوان بالقبض على بعض الإعلاميين، وأبلغت مكى بهذا الرفض ليعاود الاتصال بى بعد صدور حكم ببراءة المتهمين فى أحداث موقعة الجمل الشهيرة وقال لى «القوة الثورية»، فقاطعته واعترضت على اللفظ وقلت له قول «القوة الإخوانية»، فرد «قدم طلب لعودتك لمنصة القضاء رئيسًا لمحكمة الاستئناف لأن الشعب بيقول عاوز تطهير القضاء وبيطالب بتنحيك»، فرفضت طلبه وأكدت له أننى لن أترك منصب النائب العام.

واستكمل النائب العام الأسبق: «بعد إبلاغى لمكى بالرفض، فوجئت بعدها بدقائق بمكالمة هاتفية من المستشار حسام الغريانى، الذى لم تكن له صفة قضائية فى هذا التوقيت، سوى أنه من المقربين من جماعة الإخوان ومرسى، وأخبرنى فى المكالمة أنه يتحدث من قصر الاتحادية وأن الوضع حرج جدًا وقد يؤدى لحصار مكتبى أو الاعتداء على من قبل أنصار الإخوان، مثلما حدث مع المستشار عبدالرازق السنهورى، فكان ردى عليه: «آه عاوزين يضربوا النائب العام زى ما اعتدوا على السنهورى.. أنا مستعد لمواجهتهم وعلى استعداد أدخل التاريخ زى السنهورى، ولن أترك المنصب وأرفض منصب سفير مصر لدى الفاتيكان».

وأوضح المستشار عبدالمجيد محمود أنه: بعد انتهاء المكالمة أرادوا إحراجى فقاموا بإعلان تعيينى بمنصب سفير بالفاتيكان، وكان بمثابة تدخل سافر فى منصب النائب العام، ورفض أبناء النيابة العامة وتصدى رجال القضاء الشرفاء فى مختلف أقاليم مصر فى دور تاريخى لن يُنسى، وحافظنا على منصب النائب العام لقدسية المنصب وليس لشخصى، وخضنا مواجهة قضائية ضد الإعلان الدستورى وحصلنا على حكم محكمة الاستئناف ثم حكم محكمة النقض وأُعيد النائب العام لمنصبه، وكان حكم العودة بداية أول مسمار فى نعش الإخوان، ولولا وقوف أبناء النيابة العامة والقضاء الذين استمددت قوتى منهم لما تمكنا من الحفاظ على هيبة المنصب.

الإعلان الدستورى

فجأة دون أى مقدمات، أصدر محمد مرسى إعلانا دستوريا فى 22 نوفمبر عام 2012، جاءت فيه مواد تقنن الديكتاتورية، ومن أبرز هذه المواد، إن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية، بالإضافة لتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويشترط فيه الشروط العامة لتولى القضاء وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى، ولا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور.

صدر الإعلان الدستورى ليثير العديد من التساؤلات، بخصوص دوافع وأسباب صدور هذا الإعلان، وماذا يريد مرسى أو قل ماذا تريد الجماعة؟

المثير أن مرسى خلال لقائه مع التليفزيون المصرى يوم 30 يونيو 2012، قال إن الإعلان جاء كرد فعل على توفر معلومات تمثل خطرًا على الثورة بما اعتبره مؤامرة كاملة الأركان على التحول الديمقراطى فى مصر وأن هذا الإعلان جاء لتحقيق تطلعات الشعب المصرى، وتأمين مسار التحول الديمقراطى، وذلك من خلال تقديم المتورطين فى الفساد والجرائم الأخرى خلال عهد النظام السابق أو المرحلة الانتقالية.

وقد اكتفى مرسى بالتأكيد على وجود الخطر دون أن يحدده، الأمر الذى جعل الشعب كله يتساءل بشأن ماهية هذا الخطر؟ لا سيما فى ظل الدعاوى المقدمة للمحكمة الدستورية للبت فى دستورية القانون الذى انتخب على أساسه مجلس الشورى والجمعية التأسيسية مع تحصين الإعلان الدستورى لهما، بحيث لا يجوز الطعن فيها أمام أية جهة قضائية، لا سيما ما يتعلق بالقرارات السيادية، الأمر الذى يجعلنا نتساءل ما المقصود بأعمال السيادة، فأعمال السيادة تعد من المفاهيم المختلف بشأنها فى الفكر القانونى..وبدا واضحا أن الجماعة تستعد لعملية أخونة كبرى للدولة المصرية من خلال قرارات رئاسية لايستطيع أحد الطعن عليها.. وبمجرد صدورها ستصبح نافذة وبلا مراجعة أو تدقيق.

الاتحادية وإراقة الدماء

عقب إعلان مرسى «الإعلان الدستورى» غضب المصريون، الأمر الذى دفع المعارضين للإعلان الدستورى للخروج فى مظاهرات أمام قصر الاتحادية والتظاهر فيه، لتأمر الجماعة شبابها بالهجوم على هؤلاء المعارضين فى مشهد أدى إلى سقوط ضحايا ومصابين.

وتُعد أحداث «قصر الاتحادية»، التى وقعت فى 5 ديسمبر 2012، من أبرز المحطات الدموية لتنظيم الإخوان الإرهابى، والتى ارتكبها فى حق المصريين.

واشتعلت أحداث الاتحادية بعد أيام قليلة فقط من إصدار الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى، للإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر 2012، الذى منح به لنفسه ولجماعته سلطات واسعة أدت إلى معارضة من القوى السياسية والحقوقية التى اعتبرت هذه الخطوة بمثابة «استحواذ» على السلطة وتجاوز للإرادة الشعبية، وخلق هذا الإعلان حالة من الاستقطاب السياسى الحاد، فبينما دعمته «الإخوان» الإرهابية وأنصار مرسى، رفضته المعارضة بشكل قاطع، ما أدى إلى دعوات لتنظيم مظاهرات كبيرة فى جميع أنحاء البلاد.وفى يوم 5 ديسمبر، تجمّع الآلاف من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية فى القاهرة احتجاجًا على السياسات الرئاسية، خاصة الإعلان الدستورى، ومع مرور الوقت، تدهورت الأمور بشكل كبير، ونشبت اشتباكات عنيفة، أسفرت عن سقوط 10 وفيات على الأقل، من بينهم الزميل الصحفى الحسينى أبوضيف، الذى اغتيل فى أحداث الاتحادية، أثناء تصويره الأحداث. وكذلك إصابة أكثر من 700 جريح، تم اختطاف معظمهم من أمام القصر وأدخلوهم فى خيم أقامها الإخوان وتناوبوا الاعتداء عليهم وتعذيبهم تحت اشراف قيادات الجماعة ومباركة مرسى.. وبعضهم أصيبوا بإصابات خطيرة، وكانت تلك الأحداث بمثابة مسمار آخر فى نعش نظام الإخوان، وكشف للوجه الحقيقى للجماعة، التى تميل للعنف وقمع معارضيها، حيث عززت تلك الأحداث انفصال القوى الثورية والسياسية عن الإخوان.

الارتماء فى أحضان أردوغان

زيارة الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد، لمصر خلال عهد محمد مرسى، ولقاؤه بالرئيس المعزول بجانب قيادات بجماعة الإخوان ودعوته لتوثيق العلاقات مع مصر، كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير بين الإخوان والسلفيين، الذين يرفضون التطبيع مع إيران، حيث أعقبت الزيارة دعوة لوزير السياحة فى عهد مرسى لتشجيع السياحة الإيرانية إلى القاهرة وهى الدعوة التى لاقت هجوما شديدا، خوفا من تمدد الفكر الشيعى لمصر، وهو ما دفع قطاعا كبيرا من الشعب بجانب التيار السلفى للصدام مع الإخوان، والتمهيد لإسقاط الجماعة، بعدما اكتشفوا العلاقة القوية التى تربط بين التنظيم وإيران التى لها مطامع توسعية فى المنطقة، ليس هذا فحسب بل تجلى ميول الإخوان لرجب طيب أردوغان وتسليمه مفاتيح مصر.

 

 

 

ومن المهم هنا الإشارة إلى تواطؤ نظام الحكم الإخوانى فى عهد محمد مرسى، لتسهيل استيلاء تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، على نحو 70 كيلومترًا من مناطق النفوذ الاقتصادى المصرية فى البحر الأبيض المتوسط، لتوسيع مساحة الحقوق التركية فى امتيازات حقول الغاز الطبيعى.. وذلك من خلال خريطة قدمها أردوغان، لمرسى، لإعادة ترسيم الحدود البحرية فى المتوسط، ووافق حزب الحرية والعدالة الإخوانى على المشروع التركى وحاول تمريره عن طريق مجلس الشورى وحكومة الدكتور هشام قنديل، لكن وزارة الدفاع واللجنة العليا لأعالى البحار رفضت المقترح فى مارس 2012 لأنه يضر بأمن مصر القومى.

 وحاولت حكومة أردوغان إقناع الحكومة المصرية خلال حكم الإخوان بإعادة رسم حدودها البحرية طبقًا لتصوراتها التى تخالف القانون الدولى، أملًا منها فى تعظيم ثرواتها البحرية المحدودة من غاز المتوسط على حساب دول الجوار وتحديدًا قبرص واليونان، وهو ما تصدت له وزارة الدفاع المصرية بقيادة وزير الدفاع وقتها «عبدالفتاح السيسى»، فى مارس 2012 لعدم قانونيته ولكونه يمثل تعديًا صارخًا على مناطق الامتياز الخاصة بمصر. وكان المقترح ينص على مد حدود «تركيا» إلى داخل حدود اليونان بنحو 50 كيلومترًا، ويعتدى على مناطق الامتياز المصرية بنحو 70 كيلو بالإضافة إلى استيلائها على 274 كيلومترًا من حدود قبرص داخل المتوسط.

 وقد سارعت وزارة الدفاع وقتها، بإرسال الخريطة «الأصلية» التى توافق نصوص قانون البحار الدولى لوزارة البترول، حتى تكون الخريطة المرجع الذى تستند إليه الوزارة فى طرح المزايدات البترولية.

حرس ثورى لحماية الجماعة

محاولة تفكيك مؤسسات الدولة، وعمل مؤسسات بديلة، هو ما كشفه عاصم عبدالماجد ـــ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عندما أكد أن الجماعة الإسلامية كانت تتناقش مع جماعة الإخوان تدشين ما أسماه «الحرس الثورى» على غرار الحرس الثورى الإيرانى، إلا أن الفكرة فشلت فى النهاية.

المثير وقتها حدوث لقاءات بين قيادات من التنظيم الدولى للإخوان والإيرانيين فى دول ثالثة مثل تركيا ولبنان، وغزة، كما كانت التعاملات المالية، تجرى عبر وسطاء من لبنان وقيادات من حماس ينقلون الأموال والتدفقات النقدية من الجماعة لحساب قيادات من الحرس الثورى الإيرانى، كل ذلك من أجل تنفيذ اتفاق حول إنشاء حرس ثورى لحساب الإخوان فى مصر.

وكشفت المعلومات التى حصلت عليها أجهزة الأمن المصرية أن الإخوان، خلال وجودهم فى حكم مصر سربوا لإيران وثائق مهمة عن قوات الأمن المصرية، وتشكيلاتها، ومهامها، بل كانت بعض الوثائق والمستندات التى ترد لمؤسسة الرئاسة والرئيس محمد مرسى تصل نسخ منها لإيران أيضا، وقد تبين لاحقا أنها كانت تنقل عبر أمين عبدالحميد الصيرفى القيادى فى الجماعة، الذى كان ضمن الحملة الانتخابية للرئيس الإخوانى محمد مرسى، ثم شغل منصب سكرتير رئيس الجمهورية.

كما تبين أن الجماعة اتفقت خلال حكمها مصر، مع إيران على تشكيل حرس ثورى على غرار الحرس الثورى الإيرانى، وقد قدم قاسم سليمانى ـــ قائد فيلق القدس حينها عدة اقتراحات، طالبا منهم تنفيذها فى مقدمتها إدخال عناصر من الجماعة لكليات الشرطة والكليات العسكرية.

وقد حاول الإخوان بالفعل تنفيذ النصيحة، لكن أجهزة الأمن «قامت باستبعاد 70 طالبا من المتقدمين لكلية الشرطة فى العام 2012 لعدم الصلاحية» بعدما تبين انتماؤهم للإخوان، وبعضهم من أقارب قيادات الجماعة خيرت الشاطر وسعد الكتاتنى.

كما تم استبعاد أعداد أخرى كانت تقدمت للالتحاق بالكليات العسكرية، فيما طلب سليمانى إقامة معسكرات فى الصحراء لتدريب العناصر الإخوانية المزمع ضمها للحرس الإخوانى على أن يقوم بتدريبهم عناصر من الحرس الإيرانى وحزب الله وحركة حماس.

الأكثر إثارة أن الجماعة خصصت بالفعل 4 معسكرات تدريب فى سيناء، والبحيرة، وطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، وكان يشرف عليها بشكل مباشر محمود عزت ـــ القائم بعمل المرشد، وفى إحدى المرات رصدت الأجهزة الأمنية زيارة لمحمد بديع ومحمود عزت وتفقدهم لعمليات التدريب بها.

وللتغطية على دخول عناصر الحرس الثورى الإيرانى إلى مصر لتدريب الإخوان ولعدم رصدهم من قبل السلطات المصرية، جرى الاتفاق على إدخالهم ضمن الأفواج السياحية الإيرانية التى بدأت تتوافد وفقا لاتفاق بين الحكومتين فى البلدين، منذ أبريل من العام 2013، وجرى الاتفاق كذلك على تسهيل تدفق الأسلحة الإيرانية المتعاقد عليها بين الجانبين من خلال الأنفاق فى سيناء وعبر المتوسط على أن تتولى تلك المهمة حركة حماس.

وعقب وصول الأسلحة لمصر يتم تخزينها فى مزرعتين بالبحيرة والإسكندرية يمتلكهما قياديان بالإخوان بمحافظة كفر الشيخ هما شكرى نصر محمد البر ورجب عبده كما تم الاتفاق على أن يتم تدريب العناصر الإخوانية على تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة فى أنفاق أسفل المزرعتين حتى لاينكشف الأمر لو حدث انفجار أو خلافه خلال عمليات التدريب على صناعة المتفجرات.

كما أوضحت المعلومات أن الحرس الثورى الإيرانى زود الجماعة بأسلحة ضخمة تولى سداد قيمتها المالية التنظيم الدولى، من أجل تنفيذ هذا المخطط، ومن هذه الأسلحة ألغام أرضية مضادة للأفراد، وبنادق آلية وجرينوف وطبنجات 9 مللى وكميات كبيرة من مادة نترات الصوديوم وبنادق القنص أى إم 50، ومادة ى سى دى ركس شديدة الانفجار التى تستخدم فى تصنيع العبوات الناسفة والمتفجرة.

الإرهابيون يحتفلون بانتصارات أكتوبر

كانت تلك الطامة الكبرى التى كشفت حقيقة الإخوان وتعاونهم مع الإرهابيين، خلال احتفالات أكتوبر، فوجئ الجميع باستضافة الجماعة ورئيسها محمد مرسى شيوخ الإرهاب الذين تورطوا فى قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل حرب 1973، وكان على رأسهم عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية وطارق وعبود الزمر، وقيادات بارزة بالجماعة الإسلامية، وهو ما دفع أبناء الشعب المصرى وشهداء أكتوبر لمقاطعة الاحتفالات، وأثار هذا المشهد سخطا كبيرا من جانب طوائف كثيرة من الشعب التى استنكرت استضافة المتورطين فى عمليات إرهابية فى مثل تلك المناسبات.

وبدا المشهد عبثيا لأقصى درجة..ففى احتفالات الذكرى الـ39 لانتصارات أكتوبر عام 2012، جلس الارهابيون فى الصفوف الأولى على مقاعد من المفترض أنها كانت مخصّصة لأبطال نصر أكتوبر، وكان من أبرز الحاضرين حينها طارق وعبود الزمر وصفوت عبدالغنى، فى حين لم يكن هناك أحد من عائلة الرئيس الشهيد، فى مشهد أثار غضب جموع الشعب المصرى، ووصفه البعض بأنه إهانة لهذا الحدث المهم فى تاريخ مصر، وتقليل من قيمة جنودها البواسل.

لم تكتفِ الجماعة بذلك، بل سبق هذا المشهد قرار محمد مرسى بالعفو عن 572 معتقلًا بمناسبة رمضان، شمل 25 قياديًا من جماعتى الجهاد الإسلامى والجماعة الإسلامية، منهم الإرهابى محمد الظواهرى، شقيق زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أيمن الظواهرى، وكذلك الإرهابى رفاعى طه، الذى قُتل فيما بعد فى سوريا.

عدة مرات كان يدعو فيها محمد مرسى قيادات شيوخ الإرهاب للقائه داخل القصر الرئاسى، وبالتحديد قيادات الجماعة الإسلامية، وكان من بين نتائج تلك اللقاءات قرارات العفو الرئاسى التى أطلقها «مرسى» بشأن إرهابيين متورطين فى أعمال عنف، وكان الرئيس المعزول يستضيف دائمًا طارق الزمر وعاصم عبدالماجد داخل القصر الرئاسى، لطرح مبادرات، كما أنه كان يدعو قيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد فى الحوارات مع الأحزاب التى كان يدعو لها خلال عهده.

ومن المشاهد السيئة، التى كانت مسمارًا فى نعش حكم الجماعة، التهاون فى كرامة الجندى المصرى، ولم يسبق لمصر أن تهاونت مع من يقوم بالمساس بجنودها أو حدودها، ففى منتصف مايو 2013، تعرّض 7 جنود مصريين للاختطاف خلال تأديتهم عملهم فى شمال سيناء، تلك الواقعة التى كان لها أثر كبير.

ولكن رد «مرسى» جاء مخيبًا لكل الآمال، وزاد النار اشتعالًا، حيث خرج بيان رسمى حينها من رئاسة الجمهورية، يؤكد فيه ضرورة الإفراج عن الجنود المخطوفين مع الحفاظ على سلامة الخاطفين ودون المساس بهم، ومن أشهر الجمل التى وردت فى هذا البيان، وأثارت غضبًا كبيرًا فى الشارع المصرى هى: «الحفاظ على سلامة الخاطفين والمخطوفين»، وهو ما أكد تواطؤ الجماعة مع الفاعل واستسلامها للواقعة مع عدم السعى لرد كرامة الجندى المصرى.