توافق سياسى.. وشراكة اقتصادية

حوار: خلود عدنان
فى ظل الزخم المتنامى الذى تشهده العلاقات المصرية- الروسية على مختلف الأصعدة، وزيادة التعاون الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين أجرت «صباح الخير» حوارًا خاصًا مع جيورجى بوريسينكو، سفير روسيا لدى جمهورية مصر العربية والذى تحدث عن طبيعة العلاقات الروسية- المصرية، والمجالات التى يشملها التعاون بين البلدين، وأبرز الملفات السياسية والاقتصادية والثقافية التى تجمعهما، بالإضافة إلى الموقف الروسى من القضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية.
وفى سياق العلاقات الدولية، وصف السفير العلاقات مع الولايات المتحدة بأنها «صعبة ومعقدة»، مع وجود رغبة روسية فى تعاون متكافئ دون ضغوط، مشيرًا إلى وجود قوى سياسية فى واشنطن تعرقل مساعى تحسين العلاقات.

وتطرق السفير الروسى إلى الحديث عما تواجهه موسكو من تحالف غربى يقود حملة عقوبات اقتصادية وسياسية بهدف عزلها وتقويض قوتها، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبى وبريطانيا اختارا سياسة العزلة التى تضر بالاقتصاد الأوروبى أكثر مما تؤثر على روسيا، فيما أثبتت موسكو قدرتها على تجاوز هذه التحديات وتحقيق نمو اقتصادى مستقر رغم العقوبات.
وعن الأزمة الأوكرانية، أكد السفير الروسى أن بلاده منفتحة دائمًا على الحوار، مشيرًا إلى المبادرات التى قدمتها موسكو فى 2021 لتجنب التصعيد العسكرى والتى رفضتها الولايات المتحدة وحلف الناتو، كما تحدث عن دور تركيا كشريك إقليمى مهم، لافتًا إلى التعاون الثلاثى ضمن إطار «أستانا »لتسوية الأزمة السورية، مع تأكيد موسكو أهمية سيادة سوريا ووحدتها، ودور أنقرة فى دعم إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار فى المنطقة.. وإلى نص الحوار:

مصر وروسيا
■ نلتقى بكم اليوم، فى وقت تشهد فيه العلاقات المصرية - الروسية زخمًا ملحوظًا وتعاونًا متزايدًا على مختلف الأصعدة. بدايةً، كيف ترون مستقبل التعاون الاقتصادى بين البلدين، وخاصة فى مجالات الاستثمار والتبادل التجارى؟
- بالفعل، لدينا تعاون اقتصادى نشِط ومتنوع مع مصر. نعمل حاليًا على إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التى من المتوقع أن تُسهِم فى جذب استثمارات روسية جديدة قد تصل إلى 7 مليارات دولار.
وحاليًا، تُقدَّر قيمة الاستثمارات الروسية القائمة فى مصر بنحو 3 مليارات دولار، وتشمل مجالات متعددة، أبرزها النفط والغاز، حيث تنشط عدة شركات روسية فى هذا القطاع الحيوى.
كما أن لدينا شركات صناعية كبرى، مثل «ترانسماش هولدينج»، المتخصصة فى تصنيع عربات السكك الحديدية، وهى بصدد إنشاء مصنع خاص بها فى مصر لتوطين إنتاج هذه العربات محليًا.. وكل هذا يؤكد أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل الشركات الروسية بالسوق المصري، واستعدادًا فعليًا لتوسيع نطاق التعاون الصناعى والاستثمارى بين البلدين.
■ السياحة الروسية إلى مصر لطالما كانت من الركائز المهمة فى هذا القطاع. ما الفرص التى تراها روسيا لتعزيز التعاون السياحى مع مصر وهل هناك جهود مشتركة لزيادة التدفقات السياحية بين البلدين؟
- حققنا رقمًا قياسيًا فى التجارة الثنائية العام الماضي، حيث تجاوز حجم التبادل التجارى 9 مليارات دولار. أما بالنسبة للسياحة، فهى أيضًا تشهد نموًا ملحوظًا. ففى عام 2023، زار مصر حوالى 1.6 مليون سائح روسى.
صحيح أن هذا الرقم لا يُعد قياسيًا مقارنة بعام 2014، الذى شهد زيارة 3 ملايين سائح روسي، إلا أن السياحة الروسية بدأت تتعافى تدريجيًا بعد التوقف الذى استمر 6 سنوات نتيجة الهجوم الإرهابى على الطائرة الروسية، والذى أعقبه تعليق الرحلات المباشرة إلى منتجعات البحر الأحمر.
ومنذ استئناف هذه الرحلات فى 2021، نلاحظ تزايدًا مستمرًا فى أعداد السياح الروس الوافدين إلى مصر، ونحن متفائلون بأن هذه الأعداد ستستمر فى النمو، نظرًا لما تحظى به مصر من شعبية واسعة لدى الروس، ليس فقط من أجل السياحة الشاطئية، بل أيضًا لزيارة المعالم التاريخية فى القاهرة ووادى النيل والأقصر وأسوان.
باختصار، هناك رغبة متزايدة لدى الروس فى اكتشاف جمال وتاريخ مصر، ونعمل على تعزيز هذا الاتجاه من خلال التعاون المشترك بين الجانبين.

■ وفى إطار الشراكة الاستراتيجية المتعددة الأوجه بين البلدين، كيف ترون مستقبل التعاون العسكرى بين روسيا ومصر؟ وهل هناك خطط لتعزيز التبادل العسكرى أو إجراء تدريبات مشتركة خلال الفترة المقبلة؟
- لدينا تعاون جيد جدًا مع مصر فى مجالات مختلفة منذ سنوات عديدة، ويُعد التعاون العسكرى إحدى ركائز التفاعل بين روسيا ومصر. كما تعلمون، خلال رئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، كانت العلاقات العسكرية بين بلدينا مكثفة للغاية، وشملت نشر ما يصل إلى 30,000 جندى سوفيتى على الأراضى المصرية، الذين شاركوا إلى جانب الإخوة المصريين فى القتال خلال حرب الاستنزاف.
وخلال السنوات العشر الماضية، فى ظل رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قمنا أيضًا بتكثيف تعاوننا العسكرى بشكل كبير، تمتلك مصر عددًا من المعدات العسكرية الروسية، بالإضافة إلى تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة تقريبًا كل عام بين قوات البلدين، تشمل القوات البحرية وبعض القوات الأخرى مثل قوات الإنزال وقوات الدفاع الصاروخى.
لذلك، نرى أن هناك آفاقًا جيدة جدًا لمواصلة وتعزيز التعاون فى المجال العسكري، فنحن شركاء مقربون وأصدقاء قدامى، وجيوشنا تفهم بعضها البعض جيدًا.
■ كيف تقيّمون دور الدبلوماسية الثقافية الروسية فى تعزيز العلاقات بين روسيا ومصر، خاصة فى مجالات الثقافة والفنون؟
- لدينا علاقات ثقافية عميقة مع أصدقائنا العرب، وأعلم أن الأدب الروسى وبعض الأفلام الروسية معروفة جيدًا فى المجتمع العربي، خاصة فى مصر، لا سيما الأدب الروسى الكلاسيكى من القرن التاسع عشر مثل تولستوى وتورجينيف وغيرهم.
لكن روسيا تمتلك أيضًا العديد من الأعمال الأدبية الحديثة والأفلام الجديدة، ونسعى للترويج لثقافتنا بكل أبعادها، ليس فقط للأدب القديم، بل أيضًا للأدباء الجدد والأفلام المعاصرة.
فى نوفمبر من العام الماضي، نظمنا «أيام مدينة موسكو» فى مصر، مع فعاليات ثقافية نظمتها العاصمة الروسية هنا فى القاهرة.
ونتوقع أن ننظم فى نهاية هذا العام «أيام الثقافة الروسية فى مصر» بمشاركة مجموعات فولكلورية ومسرحية روسية متنوعة.
ونحن سعداء بأن أصدقاءنا المصريين يحبون الباليه الروسى والأوبرا الروسية، وفرق الباليه والأوبرا الروسية ضيوف دائمون فى دار الأوبرا بالقاهرة ويقيمون عروضهم بانتظام.
فى الوقت نفسه، يزور بعض الفنانين والموسيقيين والممثلين المصريين روسيا سنويًا تقريبًا.
لدينا أيضًا منتديات ثقافية دولية ندعو فيها أصدقاءنا المصريين، ونأمل أن يلعب التبادل الثقافى دورًا مهمًا فى تعزيز الفهم المتبادل بين الدول والشعوب، إذ من خلال التبادل الثقافى يتعرف الناس على بعضهم البعض، ويرون طبيعة الآخر، ونلاحظ فى كل مكان تشابه الناس، ومواجهتهم نفس المشكلات، وحملهم نفس الرغبات، لذا، من المهم جدًا تقديم الثقافة الروسية فى مصر، وكذلك الثقافة المصرية فى روسيا.

القضية الفلسطينية
■ يشهد قطاع غزة تصعيدًا خطيرًا منذ أشهر، وسط تدهور الأوضاع الإنسانية وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين. كيف تقيّم روسيا ما يجرى هناك؟ وما هو الموقف الروسى من هذا النزاع؟
- دعمت روسيا الموقف الفلسطينى منذ البداية، واتخذت خطوات ملموسة للتأكيد على هذا الدعم فى المحافل الدولية. فقد كانت أول عضو فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قدّم، فى أكتوبر 2023، مشروع قرار يدعو إسرائيل إلى وقف العمليات العسكرية ضد قطاع غزة. لكن للأسف هذا القرار، إلى جانب عدد من المشاريع الأخرى التى تقدمت بها روسيا فى مجلس الأمن، واجهت اعتراضًا من قبل الدول الغربية وتم تعطيلها.
ومنذ اندلاع التصعيد المؤسف فى غزة، تطالب روسيا بوقف فورى لإطلاق النار، وتطالب بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بالكامل إلى داخل غزة. ونعتقد أن الطريقة الوحيدة لحل المشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين هى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
وقد كانت روسيا من أوائل الدول التى اعترفت بفلسطين كدولة مستقلة، حين كانت لا تزال تُعرف بالاتحاد السوفيتي، وذلك فى عام 1988 فور إعلان الرئيس ياسر عرفات قيام دولة فلسطين.
ولذلك، لدى روسيا علاقات دبلوماسية مع فلسطين كدولة مستقلة منذ 37 عامًا وحتى الآن. فى المقابل، لا تزال العديد من الدول الغربية ترفض الاعتراف بدولة فلسطين أو إقامة علاقات دبلوماسية رسمية معها. أما الموقف الروسي، فهو واضح وثابت: فلسطين يجب أن تكون دولة مستقلة ذات سيادة، تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وترفض روسيا رفضًا قاطعًا أى محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية. فالفلسطينيون يجب أن يعيشوا فى دولتهم، وعاصمتها القدس الشرقية.
■ كيف تصف العلاقات الحالية بين روسيا والولايات المتحدة حاليًا، فى ظل التوترات الدولية القائمة؟
- العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة صعبة ومعقدة للغاية، وهناك العديد من المشكلات فى تلك العلاقات. نرى أن الإدارة الأمريكية الحالية تتصرف بحذر أكبر، وتسعى لإقامة علاقات أفضل مع روسيا، كما كان الحال خلال إدارة الرئيس بايدن.
نحن نرحب بمثل هذه الجهود من الإدارة الأمريكية، ونعترف بأن للولايات المتحدة مصالحها الوطنية الخاصة، ونعترف أيضًا بأن لشركائنا الأمريكيين مشاكلهم الخاصة.
ولكن فى الوقت نفسه، نتوقع من الأمريكيين أن يعترفوا بالمصالح الوطنية الروسية كذلك، ولهذا السبب نقول دائمًا إن الشراكة المتكافئة فقط هى الممكنة بيننا.
روسيا لا تحتاج إلى قيادة من أحد، ونحن مستعدون للتعاون مع الجميع كشركاء متكافئين، لتطوير الروابط الاقتصادية، والعلاقات الثقافية، والتواصل بين الشعوب.
ونحن سعداء بأن نكون شركاء جيدين وأصدقاء مع الأمريكيين، ولكن يجب أن يكون هذا التعاون متكافئًا، دون أى محاولات للضغط على روسيا، لأن مثل هذه المحاولات لن تنجح.
ولا زلنا نأمل أن نتمكن من تجاوز جميع المشاكل فى علاقاتنا. كما ذكرت، نرى أن الرئيس ترامب كان يرغب فعلًا فى تحسين العلاقات مع روسيا. فى الوقت نفسه، هناك قوى سياسية أخرى فى واشنطن تحاول عرقلة كل التحركات التى قامت بها إدارة دونالد ترامب تجاه روسيا وتحسين العلاقات. نحن فى روسيا منفتحون تمامًا على أى نوع من التعاون مع الولايات المتحدة، شرط احترام مصالحنا، وبالأخص مصالح الأمن القومى الروسي، وفهمها من قِبل شركائنا الأمريكيين.
■ ما مدى إمكانية عودة العلاقات بين روسيا والدول الأوروبية إلى مسارها الطبيعى فى ظل التطورات الراهنة؟
- الوضع مشابه تمامًا لما هو قائم مع الولايات المتحدة. نحن جاهزون تمامًا لبناء علاقات طيبة مع شركائنا فى أوروبا، ونرحب بالاستثمارات والتقنيات التى يمكن أن توفرها تلك الدول، ونتطلع إلى تعزيز التعاون الاقتصادى المشترك.
ومع ذلك، للأسف، قرر الاتحاد الأوروبى وبريطانيا العظمى زيادة العقوبات تجاه روسيا والابتعاد عنها، مع عزل أنفسهم اقتصاديًا وسياسيًا. الأمر لا يقتصر على رغبتهم فى الانعزال فقط، بل يهدف إلى تقويض قوة روسيا.
فى الواقع، تواصل أوروبا الغربية سياسة قديمة تعود لقرون فى محاولة إضعاف بلادنا. لقد شهدنا سابقًا غزوتين كبيرتين قادتهما جيوش أوروبا الغربية ضد روسيا، الأولى فى عهد نابليون خلال القرن التاسع عشر، والثانية على يد هتلر فى القرن العشرين. فى كلتا الحالتين، لم تكن القوات تتألف من جنود فرنسيين أو ألمان فقط، بل ضمت ممثلين من عدة دول أوروبية، حاولوا التوحد لغزو روسيا إما مع نابليون أو هتلر.
الآن، نرى محاولة من جانب الدول الغربية لتشكيل تحالف مناهض لنا، مستعينين فى ذلك بأوكرانيا كوكيل فى الصراع القائم. نعتقد أن هذا النهج غير حكيم، خصوصًا أن العديد من الدول الأوروبية تتكبد خسائر اقتصادية كبيرة تفوق المكاسب السياسية التى تحققها من وراء العقوبات.
كمثال على ذلك، توقفت ألمانيا عن استيراد الغاز الروسى بأسعار مناسبة، وتعانى حاليًا من تبعات اقتصادية سلبية، حيث تُجبر على شراء الغاز المسال من الولايات المتحدة ودول أخرى بأسعار مرتفعة تتجاوز ثلاث أو أربع مرات تكلفة الغاز عبر الأنابيب الروسية.
هذا القرار أدى إلى تدهور مستوى المعيشة لدى المواطنين الأوروبيين، مع ارتفاع تكاليف الكهرباء والوقود، إضافة إلى ضعف تنافسية الاقتصاد الأوروبى فى الأسواق العالمية.
إلى جانب ذلك، تواجه الشركات الأوروبية تحديات كبيرة فى المنافسة مع نظيراتها الأمريكية، التى تستفيد من توفر الغاز الطبيعى الرخيص محليًا، بينما تضطر الأوروبية إلى استيراد موارد باهظة الثمن، ما يحد من قدرتها على المنافسة.
من وجهة نظرنا، هذه السياسات غير مدروسة، إلا أنها شأن داخلى تعتمده الدول الأوروبية. ومع ذلك، نظل منفتحين على تعزيز الشراكة وتنفيذ المشاريع المشتركة، ولكن إذا اختاروا الاستمرار فى سياسة العزلة، فهذا قرارهم.
روسيا قادرة على الاستمرار والتطور بدونهم، واقتصادنا يسير نحو النمو بثبات، وبالفعل أصبحنا أكبر اقتصاد فى أوروبا من حيث تعادل القوة الشرائية منذ العام الماضي، رغم العقوبات المفروضة علينا.
■ فى سياق التوترات القائمة بين روسيا والدول الغربية، وفى ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة
والتحديات الأمنية المستمرة، ننتقل إلى أحد أكثر الملفات تعقيدًا وتأثيرًا على الساحة الدولية... وهى الأزمة الأوكرانية التى تظل فى صميم هذه العلاقة المعقدة.. هل لا تزال روسيا ترى أن هناك مجالًا لحل تفاوضى مع أوكرانيا؟ رغم استمرار التصعيد والدعم الغربى لكييف؟
- بالتأكيد، من الواضح أن موسكو دائمًا منفتحة على الحوار. فى الواقع، كنا نأمل من البداية فى تفادى اندلاع الأعمال العسكرية. فى ديسمبر 2021، قدمنا مقترحات للغرب، سواء للناتو أو للولايات المتحدة، تضمنت توقيع اتفاقيات تضمن عدم توسع الحلف وعدم انضمام أوكرانيا إليه. للأسف، فى ذلك الوقت، رفضت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن، وكذلك الناتو، هذه المبادرة، مما أدى إلى انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة فى فبراير 2022.
مع بداية العمليات، بدأنا مفاوضات مباشرة مع الجانب الأوكراني، واستمرت لفترة تزيد على شهر، حيث وصلنا إلى مسودة اتفاق لحل جميع النزاعات القائمة، وكنا على استعداد للتوقيع عليها. الوفد الأوكرانى بدوره وضع توقيعاته، مما يدل على موافقته، لكن تدخل رئيس الوزراء البريطانى آنذاك، بوريس جونسون، فى أبريل 2022، أثر سلبًا على المسار، حيث حث زيلينسكى على عدم التوقيع على أى اتفاق مع موسكو ومواصلة القتال. بناءً على ذلك، أوقف الجانب الأوكرانى المحادثات بشكل نهائى. ومؤخرًا، فى 16 مايو الماضي، أعدنا إطلاق المفاوضات، ونحن مستعدون لاستئنافها، وحتى أبدينا استعدادنا لوقف إطلاق النار إذا انسحبت القوات الأوكرانية من جميع المناطق الروسية المحتلة، بما فى ذلك لوجانسك، دونيتسك، زابوروجيا، وخيرسون.
إضافة إلى ذلك، نطالب بإجراء عملية نزع السلاح ونزع النازية داخل أوكرانيا، ورفض الانضمام إلى الناتو، وكذلك عدم نشر أى قوات تابعة للحلف على الأراضى الأوكرانية.
■ فى هذا السياق، كيف تنظرون إلى المبادرات التى تطرحها بعض الدول – مثل تركيا – لتنظيم غرفة مفاوضات بين الطرفين؟ وهل ترون أن هذه الجهود يمكن أن تشكل أرضية واقعية للحوار؟
- نعم، من المحتمل ذلك. جرت جولة المفاوضات الأخيرة فى 16 ديسمبر فى إسطنبول، وحتى الآن لم يتحدد مكان الجولة القادمة، وقد تكون أيضًا فى هذه المدينة. نحن لا نعارض المكان، فالمهم هو محتوى النقاشات والموضوعات التى يتم التطرق إليها. لدينا مطالب واضحة لا تتغير، وهى ذاتها التى قدمناها عام 2022 فى بوتشا. بالطبع، هناك تغييرات على الأرض؛ فالقوات الروسية الآن منتشرة فى مناطق أبعد، وبعض الأراضى التى كانت تحت سيطرة أوكرانيا أصبحت جزءًا من الاتحاد الروسى وفقًا للدستور. ومن هنا، نتمسك بضرورة انسحاب القوات الأوكرانية من كافة هذه المناطق.
■ وبالحديث عن تركيا، كيف تصفون طبيعة العلاقات الراهنة بين موسكو وأنقرة، خاصة فى ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، ومنها التغيرات الميدانية والسياسية فى سوريا؟
- علاقاتنا مع تركيا قديمة ومعقدة أيضًا، شهدت فترات من الصعود والهبوط، إضافة إلى نزاعات وحروب عبر الزمن. مع ذلك، خلال السنوات الأخيرة تطورت الشراكة بيننا بشكل جيد نسبيًا، ونحن نقدّر دور شركائنا الأتراك كوسطاء فى ملف أوكرانيا، حيث نواصل التفاوض على الأراضى التركية. رغم ذلك، لا يخلو التعاون من بعض الخلافات السياسية، لكننا نسعى لبناء علاقة تعاون ودية ومثمرة.
فى سياق سوريا، نعمل منذ عقد من الزمن ضمن صيغة أستانا بالتعاون مع تركيا وإيران لتسوية الأزمة هناك. الوضع تغير مؤخرًا، ونلاحظ أن تركيا تؤثر بشكل كبير على السلطات السورية الحالية، ونأمل أن يسهم هذا التأثير فى تحقيق مصلحة الشعب السورى. نحن نؤمن بسيادة سوريا ووحدتها واستقلالها، ونتطلع إلى دعم إعادة إعمار الاقتصاد وتطوير البلاد، ونثق فى أن تركيا يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا فى هذا المسعى. شراكات استراتيجية
■ بعدما تحدثنا عن العلاقات مع الغرب ودول الجوار، ننتقل إلى الشرق... كيف تقيمون الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكل من الصين وكوريا الشمالية خصوصًا فى ظل المتغيرات الدولية الحالية؟
- تربطنا مع الصين أطول حدود برية فى العالم، تبلغ نحو 5000 كيلومتر، مما يجعلنا جيرانًا وشركاء مهمين. نحن أعضاء مؤسسون فى مجموعة «البريكس»، حيث نلعب أدوارًا قيادية، خاصة فى تبنى استخدام العملات الوطنية فى التجارة الثنائية. أكثر من 90% من التبادل التجارى بيننا يتم بالروبل واليوان، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين حوالى 200 مليار دولار أمريكي، وهو رقم يعكس عمق العلاقات الاقتصادية. نعتبر الصين صديقًا وشريكًا مقربًا، ونلاحظ ازدياد دورها العالمى بشكل مستمر، إذ أصبحت أكبر اقتصاد عالمي، ونتوقع نمو العلاقات الثنائية ضمن أطر دولية متعددة.
أما بالنسبة لكوريا الشمالية، فلدينا علاقات متينة وعميقة، حيث وقعنا فى العام الماضى اتفاقية شراكة استراتيجية. ومن خلال هذه الشراكة، قدم أصدقاؤنا الكوريون دعمًا مؤخرًا فى مواجهة العدوان الأوكرانى فى منطقة كورسك الروسية، ونحن نثمّن تضحياتهم ومساندتهم فى التصدى للقوى النازية الأوكرانية.

■ فى ضوء النزاع الأخير بين الهند وباكستان، كيف ترى روسيا تأثير هذا التصعيد على استقرار منطقة جنوب آسيا؟ وهل لدى موسكو دور أو رؤية لدعم الاستقرار بين الجانبين؟
- نحن نعتبر أن الوضع كان خطيرًا جدًا أثناء النزاع بين الهند وباكستان، وروسيا دعت فورًا الطرفين إلى تجاوز الخلافات وتسويتها عبر المفاوضات الدبلوماسية السلمية. تربطنا علاقات ودية قوية مع الهند منذ سنوات طويلة، ونحن أعضاء فى مجموعة البريكس، مع تعاون وثيق فى مجالات متعددة، منها الاقتصادية والعسكرية. وفى الوقت ذاته، نتمتع بعلاقات جيدة مع باكستان، ونتمنى أن يتم حل النزاعات بين هذين الصديقين بطريقة سلمية.
المشكلات بين الدول المجاورة أمر شائع بسبب القرب الجغرافي، وغالبًا ما تكون محلية، إلا أن إيجاد حلول عملية ضرورى. لدينا تجربة ناجحة فى تجاوز الخلافات الحدودية مع الصين، بما فى ذلك حادثة عام 1969 التى تلتها اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين. بناءً على هذه الخبرة، نأمل أن يتمكن أصدقاؤنا فى الهند وباكستان من الوصول إلى اتفاقات مماثلة، كما نؤمن بأن الحوار والتفاهم يمكن أن يؤدى إلى استقرار دائم فى المنطقة.
■ هل هناك خطط أو توقعات لإجراء زيارة رسمية للرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى مصر فى المستقبل القريب؟
- إن شاء الله، نعم، نأمل أن تتحقق هذه الزيارة قريبًا. لقد زار الرئيس بوتين مصر ثلاث مرات، وكانت آخر زيارة له فى عام 2017، لذا من الممكن أن تتاح فرصة للقاء جديد. كما سعدنا مؤخرًا باستضافة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى موسكو خلال احتفالات يوم النصر.