حكايات فى عالم الشاى والقهوة الإبداع على «مَية بيضا»!

حنان أبوالضياء
المقاهى عالم له مفرداته الخاصة وأسراره التى يبوح بها بين الحين والآخر لروداه. إنه حالة من التناغم والاتساق الإنسانى والمكانى بين الأشخاص والمكان، الذى يعتادون الذهاب إليه، داخله قيلت الخطب السياسية الحماسية، وتناثرت بين جوانبه أحاسيس الشعراء، وغزلت على أضوائه أجمل الروايات، منذ أن عرفت مصر المقاهى فى القرن التاسع عشر.
وعلى المقاهى كانت تُروَى القصص الشعبية، عنترة والظاهر بيبرس وأبو زيد الهلالى، خصوصًا قهوة بشارع المجربحى بالقلعة، وقد كان لها شاعر ينشد السيرة ويحصل على أجره من الزبائن.
ومن المعروف أن قهوة «الفن» فى شارع عماد الدين، أمام مسرح الريحانى، كان يجلس فيها سيد درويش ونجيب الريحانى وزكى طليمات والسيدة روزاليوسف، وعلى مقهى «اللواء» جلس حافظ إبراهيم والشيخ عبدالعزيز البشرى، وعبدالقادر المازنى ود. محمد حسين هيكل باشا.
وكان للصحفيين قهوة «اللواء» ومن روادها الدكتور محمود عزمى وزوجته الروسية.
وعرفت مصر مؤخرًا «المقاهى النسائية»، التى يحظر على الرجال دخولها، كما عرفت «مقاهى الإنترنت»، التى يتم فيها تقديم المشروبات خلال استخدام الزبائن أجهزة الكمبيوتر المُلحقة بالمكان، والمتصلة بالإنترنت.
حكاية المشاريب
من مشاريب المقهى شاى ميزة، هو الشاى باللبن، وشاى منه فيه وهو الشاى بلبن صافٍ دون إضافة ماء، وشاى فريسكا وهو الشاى الخفيف سكر زيادة، وشاى جناينى بنعناع، وشاى فتلة وهو شاى باكت، وشاى بوستة وهو الشاى المنفصل عن السكر.
وأحيانًا يقال له «سكر بَرّة»، والشاى الكشرى لا يتم غليه فى براد المقهى الشهير، وإنما يوضع فى الكوب مع الماء الساخن.
ولو كان اللبن قليلًا فى كوباية الشاى فيصبح اسمه شاى «البربرى»، والشاى «البنور» وهو الشاى العادى وتغلى المياه فى البراد ولما تغلى توضع «التلقيمة» ويُحمل من على النار ويُصب فى الكوبايات، والشاى «العجمى» وهو الذى يُقَدَّم فى كوب زجاجى كبير، ويختلف اسمه لو وضع فى كوب صغير فيسمى «الخمسينة»، والسبب أن الكوباية تُملأ للمنتصف فقط والشاى غامق.
ويختلف الشاى فى مرسى مطروح عن أى محافظة أخرى فى طريقة إعداده، وتشتهر مطروح بالشاى الذى يسمى بـ«الشاى الزردة»، ويُقدم الشاى بعد وجبات الطعام وفى العصارى ويكون دورين، حيث يقدم مرتين، مرة تقيل وسكر خفيف، ودور خفيف بالنعناع، وشاى الزردة يعنى شاى السفارى والرحلات، لذا سُمى بين الناس بهذا الاسم.
انتشر الشاى فى مصر متأخرًا فى حوالى العام 1882 أثناء الاحتلال البريطانى، وكان مقتصرًا على البيوت الراقية والأسر الخديوية التى كانت تحكم مصر، وكان معروفًا بـ(الخروب) من ثم أصبح مشروبًا شعبيّا، وتحول اسمه إلى «شاي».
وعند نفى أحمد عرابى إلى جزيرة سيلان التقى ورفاقه بالسير الإنجليزى توماس جونستون ليبتون، الذى يمتلك مزارع للشاى واستضافهم وسقاهم من مزارعه مشروب الشاى لأول مرة وأعجبهم، وفى عام 1905 أصبح الشاى المشروب الأول فى مصر.
تعميرة الدماغ
المصريون من أكثر الشعوب إدمانًا للشاى، فنحن نأتى فى المرتبة الخامسة على مستوى العالم فى تناول الشاى، فهو «تعميرة الدماغ» لديهم كما يطلقون عليه، ومع ذلك لا يستطيعون أن يُقلعوا عن تناوله. وسَمّاه عبدالناصر فاكهة الفقراء.
من المفارقات أن مشروب القرفة یقول عنه الذى یحضر الطلبات «عندك واحد فانیلیا مكحل وصایة».
وكلمة مكحل تعنى اللبن، والفانیليا هى القرفة ، وكلمة وصاية تستعمل عندما یكون الزبون غریبًا لإثبات حُسن النوايا.
ومشروب الكاكاو يقال عنه كریما ویوصف السحلب بأنه بندق، وزجاجة البیبسى واحد نوال نسبة إلى نوال الزغبى التى تظهر كثيرًا فى دعایات البیبسى.
وتُعد مصر من أولى الدول التى عرفت القهوة.
وظهرت القهوة بمصر فى القرن السادس عشر الميلادى، حين لاحظ طلبة الأزهر المصريون أن زملاءهم المغتربين من اليمن يتناولون مشروبًا فى أثناء الليل للمذاكرة، وتذوّقوها وأخذوها عونًا لهم فى السهر على المذاكرة، وبدأ الأمر ينتشر شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى البيوت والمقاهى.
وانقسم حينها شيوخ الأزهر بين مؤيد ومعارض، ولم يتقبلها المجتمع المصرى إلا بعد جدال عنيف بين العلماء، حيث شَنّ أحد فقهاء المذهب الشافعى حملة عنيفة ضدها، بعد أن طرح عليه أحد السائلين سؤالًا بشأن جواز شربها.
وفى أوائل القرن الثامن عشر، أفتى الشيخ على أحمد السنباطى بتحريم شرب القهوة باعتبارها «مادة مُسْكرة مُخدرة للعقل»، الأمر الذى لاقَى ردود فعل سلبية كثيرة، وأدى إلى مهاجمة رئيس الشرطة لمستهلكى القهوة وحبس بعضهم، كما هاجم الأهالى بعض المقاهى وحطموها واعتدوا على روادها، وأغلقوا أماكن تقديمها وكسروا أوانيها، ومنع استعمالها أو الجهر بشربها.
وحاول تجار البن ومنتجو القهوة، إثناء الشيخ عن فتواه، بينما استمر مؤيدوه فى إيذاء كل من يشربها، حتى قتل أحد تجار البن على أيديهم، وهرب الشيخ إلى أحد المساجد مع مؤيديه، الأمر الذى دفع التجار لمحاصرة الشيخ وأعوانه فى المسجد، وأقاموا صوانًا للاعتصام شربوا فيه القهوة دون سكر على روح القتيل نكاية فى الشيخ وفتواه، وعندها جاءت عادة تقديم القهوة السادة فى العزاء.
واستمر الوضع متضاربًا فى مصر، حتى أفتى القاضى الحنفى محيى الدين بن إلياس بجواز شربها، وأصبح لدى الأهالى حكمان متضاربان، أحدهما يُحرم شرب القهوة والآخر يُبيحها، حتى فرضت القهوة نفسها كمشروب يساعد على النشاط والسهر، بعد أن تشكلت لجنة من المتخصصين لبيان فوائدها، وأصبح البن يأتى علانية من اليمن إلى مصر، وأطلقوا على محال بيعها بـ«خان البن».
ويبلغ حجم استهلاك المصريين من البن نحو 40 ألف طن سنويّا، وفقًا لإحصائيات صادرة من شعبة البن بالغرفة التجارية.
وتضاعف استهلاك مصر السنوى خلال السنوات الماضية، نتيجة دخول أنواع جديدة مثل الكابتشينو، والقهوة بالمكسرات، والبندق، لكن مصر لا تزال أقل استهلاكًا من لبنان ودول الخليج.