
د عزة بدر
على فكرة
وصفة للحياة
تتميز كتابات د. ناهد الطحان المسرحية بالجمع بين إلقاء نظرة طائر على أوضاع المرأة الاجتماعية بشكل عام ثم التحليق على مسافة مرتفعة ثم التقاط قضاياها المسرحية برهافة ومهارة.
وقد فاز كتابها «دمية ومسرحيات أخرى» بجائزة محمد سلماوى للنص المسرحى، وهى إحدى جوائز نقابة اتحاد كتّاب مصر .
ويحتوى الكتاب على خمس مسرحيات :
«دمية» مونودراما، و«بروفايل»، ديودراما، و«أوموجا» أو «قرية النساء»، و«رفات بلا وطن»، و«عودة نفرتيتى».
وتصور الكاتبة لحظات فاصلة فى حياة شخصياتها، وتحولها إلى مشاهد مكثفة، ومن زوايا مؤثرة ترصد حياة «أمينة» زوجة سى السيد، بطلة نجيب محفوظ الشهيرة فى الثلاثية، أمينة التى شكلت خيالاتنا عن صورة المرأة الاجتماعية لحقبة زمنية طويلة بمبخرتها ، ودعواتها لأبنائها وزوجها، وطيبتها، واستسلامها لظروفها، وتغاضيها عن نزوات سى السيد.
فتعيد ناهد الطحان النظر إلى «أمينة» المعاصرة، وتحدق فى صورتها عن قرب، فهل لا تزال هى أمينة محفوظ أم تغيرت؟ فتضفر رؤيتها المسرحية عبر شخصيتين: «أمينة المعاصرة»، و«ميديا» الإغريقية التى خانها زوجها فانتقمت منه انتقامًا مروعًا، وتجعلها كاتبتنا تخفى أولاده عنه على سطح القمر، حتى يشعر بالفقدان والألم، وفى مواجهة بين «أمينة» و«ميديا» ترفض أمينة وجهة نظر «ميديا»، ولا تفكر فى الانتقام مثلها، وإن كان سى السيد فى أحداث المسرحية يستغلها ماديًا، فهو يحثها على عمل برامج «التيك توك» على قناتها، ويحصد هو الأموال، بل يطلب منها مصاغها ليسدد ديونه التى تسببت فيها زوجته الثانية!.
وفى صراع محتدم بين «ميديا» و«أمينة» التى كادت أن تلمس بيديها مركبة «ميديا» الصاعدة إلى القمر، تتراجع «أمينة» لكنها تتغير، فترفض استغلال سى السيد وسيطرته على محتوى برنامجها «وصفات للطهى» فقط، فتقدم وصفة أخرى للحياة من أجل أوضاع أكرم.
وتمضى الكاتبة فى مسرحياتها «دمية» لتؤكد حق بطلتها فى استعادة طفولتها، وتحقيق ذاتها، من خلال الكشف عن المونولوج الداخلى لبطلتها ومعاناتها.
وتتوج الكاتبة هذا المنحى المهم فى معالجة قضايا المرأة بمسرحيتها «أوموجا» أو قرية النساء ، وهى قرية حقيقية فى إفريقيا، تهرب إليها النساء بعيدًا عن مظاهر القسوة والتنمر حتى من الأزواج، وتمضى «أوموجا» بطلتها بمشروعها فى عزل النساء عن عالم الرجال حتى تتمتع قريتها بالأمن والسلام النفسى من وجهة نظرها لكن النساء اشتقن للحب، فاستسلمن للرجل الوحيد البعيد قليلا عن القرية، رجل الحقل، فعشقته النساء، وحملن فى بطونهن أجنة أشواقهن، وولدن ذكورًا على عكس ما تمنت «أوموجا»، لكن بعد إزهاق روح الرجل الوحيد!، ووفاة النساء، ذبلت أشجار القرية، وهجرها الأبناء، وينتهى المشهد الأخير بكلمات «أوموجا» وهى تدعو الأبناء إلى تعلم فن معاملة المرأة، وتكريمها واحترامها، وتصبح القرية للنساء والرجال معًا.
وتستخدم الكاتبة الرموز الدالة فى لغة مسرحية تعتمد على التكثيف، والمشاهد التى تتنامى وتتطور، فتصل إلى قارئها بمضمونها العميق عبر كلمات موحية، وشخصيات آسرة.