لَحْظَةُ صَفْوً

محمد الشحات
وَضَعَ المَاءَ بِجَانِبِهِ
واسْتَبْشَرَ خَيرًا
مِنْ دَفَقَاتٍ
كانَتْ تنقُرُ عَتَبَاتِ القَلبِ
فَأَغْلَقَ عَيْنَيهِ وَرَاحَ يُحَمْلِقُ
فِى سَقْفِ الغُرْفَةِ
شَعَرَ بِأنَّ أنَامِلَهُ لنْ تُسْعِفَهُ
كَيْ يَنْقُشَ فَوْقَ جِدَارِ الوَرَقِ
بِيُوتًا وَقَصِيدةَ عِشْقٍ
غَابَ بِدَاخِلِهِ الشَّوقُ
ورَفَضَ بِأنْ يُفْصِحَ
عَنْ مَكنُونِ مَشَاعِرِهِ
كانَ يَحُسُّ بِأنَّ المَاءَ السَّاكِنَ
بَدَأ يُغَادِرُ مَكمَنَهُ ويَفُوُرُ
فَخَافَ بِأنْ يُغْرِقَهُ
فَأمْسَكَ فَيْضَ مَشَاعِرِهِ
كيْمَا تَهْدَأَ
وَأحَسَّ بِشَيءٍ يَتَخَلّلهُ
ويَمُرُّ بَطيِئًا دُوُنَ عَنَاءٍ
دَاخِلَ أرْوِقَةِ القَلبِ
وَلمْ يَهْدَأْ
إلاَّ حِينَ اسْتَرْجَعَ جُزءًا
مِنْ رِحْلتِهِ
شَعَرَ بِأنَّ قَليِلًا مِمَّا سَكَنَ بِدَاخِلِهِ
غَابَ عَنْ الوَعْيِ
فَلمْ يَعرِفْ كيْفَ يُوَاصِلُ
خَافَ بأنْ يُسْقِطَه الحُزْنُ
فأفْرَغَ دِفءَ مَشَاعِرِهِ
وتَمَرَّغَ فِيِهَا
فَأحَسَّ بِطَيْفٍ يَعْبُرُهُ
ويَمُرّ إلىَ عَيْنَيهِ كَقَافِيَةٍ سَاكِنَةٍ
مِنْ زَمَنِ قَوَافِى العِشْقِ
فأسْكَرَهُ حتَّىَ مَالَ
فَخَافَ بِأنْ يَسْقُطَ
فتَحَسّسَ مَا بَقِيَ مِنَ المَاءِ
لِكَى يَتَوَضَّأَ
مَا إِنْ رَفَعَ يَدَيْهِ وَكبَّرَ
حَتَّىَ اسْتَشْعَرَ دِفْئًا يَعبُرُهُ
وسَاحَ كَطيرٍ فَرّ مِنَ الصَّيْدِ
وَأثْلَجَهُ رِيِحُ هَوَاءٍ
لمْ يَدْخُلْ غُرْفتَهُ
إلاَّ فِى لحَظَاتِ الصَّفْوِ العَابِرِ
فَأطَالَ مُعَانَقَةَ حُرُوُفِ كِتَابِ اللهِ
وتَمَنَّىَ لوْ طَالَ سُجُودُ جَوَارِحِهِ
فَذَابَ وشَعُرَ بِمَنْ يَحْمِلُهُ
ويَحُطُّ بهِ دَاخِلِ دَائِرَةٍ
حَتَّىَ شَعَرَ بِشَيءٍ يَتَخَطَّفُهُ
فاسْتَيْقَظَ مَا كانَ يَنَامُ بِدَاخِلِهِ
فَأيْقَنَ أنَّ الوَقْتَ قَدِ اقْتَرَبَ
لكيْمَا يُخْرِجَ
مَا قَدْ سَكَنَ بِدَاخِلِهِ مِنْ نُوُرٍ
واشْتَمَّ رَوَائِحَ عبَقٍ
تَخْرُجُ مِنْ مَلبَسِهِ
فتَيَقَّنَ أنَّ مَوَاجِعَه قَدِ انْفَرَطَتْ
ولديْهِ القُدْرَةُ أنْ يَسْمُوَ.. ؛ فَسَمَا
دُوُنَ عَنَاءٍ
وَأحَسَّ بِأنَّ القَلْبَ قَدِ انْفَتَحَ
فلمْ يَتَقَهْقَرَ
حِينَ تَنَفَّسَ مِنْ دَاخِلِهِ
وأغْلَقَ عيْنَيْهِ
كيْمَا يُكمِلَ رحْلتِهِ.