الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عادل ثابت والموروث الحضارى للفن الشعبى

فى معرضه الاستيعادى الذى أقيم بمناسبة 60 عامًا من احترافه الفن.. احتفل الوسط التشكيلى مع الفنان الكبير  عادل ثابت - وهو أيضًا واحد من أهم المخرجين الفنيين فى الصحافة المصرية، وأحد أعمدتها المهمة وله بصمة فنية وإخراجية متميزة فى هذا المجال.



لوحات عادل ثابت فى معرضه الاستيعادى الأخير والذى قدم فيه أكثر من 60 عملًا فنيًا تميزت بموضوعاتها الشعبية التى عكست الحكاوى الشعبية المصرية الأصيلة وببساطة مطلقة نرى شخوصه فى حركة متواصلة مفعمة بدراما الحياة لنجد فيها الفرقة الموسيقية الشعبية بآلاتها البسيطة - الأوكورديون والناى - تنبض بالحياة تتوسط منمنمات موسيقية زخرفية وكأن متعة الموسيقى تحتضن أفرادها.

حين يرسم عادل ثابت قرى ومدن أسيوط - وهى البيئة التى عايشها فى طفولته وصباه ومثَّلت له مخزونًا بصريًا هائلاً وعاطفة قوية يستمد منها موضوعات لوحاته - والتى حين يبدأ فى الرسم لا ينسى بيوتها وأشجارها التى تحيط البشر وكأنها تبعث إليهم رسائلها ليمرح الأطفال فى بهجة وأمان وكأن هذه الأرض الطيبة ترعاهم وتحمى مسيرتهم فى الحياة.

 

 

 

وببساطة مدهشة يرسم الفلاحات بملابسهن التى تزينها نقوش الورود والأزهار لنجد البائعة بشالها الملون الزاهى وتحمل فوقه «مشنة الفاكهة» وقرص الشمس بجانبها يحرسها ويبعث فى أوصالها الدفء لتواصل مشوارها.

فى أغلب أعمال الفنان نجد تفاصيل الحياة اليومية للإنسان المصرى بمكنوناته البسيطة فنشاهد التحطيب بالعصى وبائع الترمس وبهجة الأطفال فى الأعياد والمناسبات الخاصة بهم.

عادل ثابت فنان أصيل فهو ابن الأرض الطيبة وريث الحضارات الثلاث المصرية القديمة والحضارة القبطية والإسلامية والتى نرى تأثره الواضح بتلك الحضارات العظيمة التى تتشارك فى بعض ملامحها.. نجد فى لوحاته تلخيص الخطوط وتحديدها، فى لوحته الرائعة «امرأة فى المدينة» والتى تحمل دلالات فنية تعكس أصالة متوارثة فتحمل فى طياتها عناصر الفنون الثلاثة مجتمعة فى تكامل، فالنقوش والمنمنمات وألوان المصرى القديم وهيمنتها على سطح اللوحة - الأزرق والأحمر والأخضر - ولا ينسى - وهو وريث الحضارة القبطية - أن يرسم المساجد والأهلة فى أعلى اللوحة تمامًا كما إيزيس وهى تحيط بالأرضين لتحميهما من الشرور.. وتصويره البديع لـ «التنورة» وما تمثله من تجريدات صوفية وروحية.

وكأغلب المصريين نجد العشق الكامن فى القلوب لصوت «أم كلثوم» والتى رسم لها الفنان العديد من اللوحات منفردة أحيانًا وأخرى تتوسط فرقتها الموسيقية بأسلوبه المميز.

 

 

 

خلال احتفالية المعرض التقينا بالفنان الكبير وبعض التساؤلات عن مشواره الفنى الطويل وعن بداية المشوار قال:

- كنت أجلس مع أخى الأكبر وهو يرسم، كان موجهًا عامًا بالتدريس وهو خريج كلية الفنون التطبيقية وبدأت مسألة الفن تكبر شيئًا فشيئًا إلى أن وصلت للمرحلة الثانوية العامة وبدأت أقدم فى التنسيق وكان لدىَّ إصرار على الالتحاق بإحدى الكليات الفنية، وقدمت فى المعهد الفنى التجارى.

فالعائلة لم تكن تريد أكثر من فنان بها على اعتبار أن أخى الأكبر يكفى وامتحنت فى المعهد التجارى وسئلت فى امتحان القبول به سؤالا كانت لدىّ إجابته، لكنى تعمدت أن تكون إجابتى خاطئة، وبالطبع لم يتم قبولى لأذهب لكلية التربية الفنية ونجحت فى اختباراتها، وكان لى زملاء فى الدفعة أصبحوا نجومًا فى الفن التشكيلى بعد ذلك مصطفى الرزاز وفرغلى عبدالحفيظ.. أما شفيق رزق -رحمه الله- فكان رسامًا وملونًا «هايل» وألوانه المائية عظيمة، وكان يمر على أتيليهات الكلية ويرى ما أرسمه وكنت للأسف وقتها «بأزوغ» من المحاضرات وأشرب سجائر خارج الأتيليه وفى إحدى المرات قصدنى وقال لى بعض النصائح فى الفن والحياة، وقال لى وقتها: لو شربت سجاير دلوقتى هتندم بعد كده، أنت رسام كويس ولازم تحافظ على صحتك وفعلاً بطلت سجاير من وقتها بنصيحة مهمة لشفيق رزق.

■ كيف كانت الحياة العملية بعد التخرج؟

- اشتغلت فى التدريس شوية وبعدها استقلت وعملت كسكرتير تحرير لمجلة «الكواكب» بقسم الإخراج الفنى، ثم المدير الفنى للمجلة بعد ذلك لأستمر 30 عامًا فى «الكواكب» وكنت أقدم صفحتين بها. كانت صفحات ملونة أسميتهما «فنون جميلة» وكانت تغطى الحركة الفنية باتجاهاتها المختلفة، وكان ذلك فى السبعينيات.

■ وماذا عن الفن التشكيلى، وهل شغلك العمل الصحفى عن الرسم؟

- ابتديت أرسم وأشارك فى المعارض، ولم أنس نفسى كرسام، وقد أخذنى من الفن لبعض الوقت، ولكنى تنبهت سريعًا بأنى لا بد أن أرسم وأشارك فى المعارض الفنية.

■ وماذا عن التطور فى أعمالك الفنية خلال مشوارك الفنى والممتد خلال 60 عامًا؟

- طالما يوجد رسم يكون معه تطور وفى هذا المعرض لدىَّ مرحلتان فنيتان.. المرحلة القديمة كانت بالألوان الزيتية.. أما المرحلة الحديثة فكانت أكريليك على قماش والذى يحتاج إلى بعض التجديد فى التلوين على التوالي، ومع استمرار الفنان بالعمل من الطبيعى أن يكون هناك تطور، فبجانب هذه الأعمال لدىَّ بعض اللوحات التجريدية.

■ لوحاتك تتميز بالحس الشعبى؛ فما سر حبك لهذا النوع من الموضوعات؟

- لوحاتى كلها مصرية.. أنا عشت فى أسيوط فترة طويلة، ولها أثر قو لدىّ بمعنى أن المناظر اللى أنا عشت معها مش قادرة تسيبنى أنا مش قادر أسيبها هى مسيطرة علىّ.. وأنا بارسم أجد نفسى بشكل تلقائى بأرسم أشياء من الصعيد نخيل وفلاحات وموسيقيين.

 

 

 

■ نرى الألوان المبهجة فى لوحاتك الأخيرة؟

- لا أقصد فى لوحاتى أن تكون ألوانها مبهجة، ولكن هناك بالطبع تطور فى تصميم اللوحة.

■ هل أثرت الصحافة على أعمالك الفنية؟

- لا العمل الصحفى كان ممتعًا جدًا بالنسبة لى، اشتغلت فى الإخراج الفنى 30 عامًا، صحيح يوجد كاتب ومصور للموضوعات، ولكنى كنت المسيطر الأخير على الصفحة.. أما اللوحة فتختلف اختلافًا كبيرًا فهى ملك لى وسيطرتى عليها كاملة.

انتهى الحوار مع الفنان الكبير ولم تنته المسيرة الفنية، تركناه وسط لوحاته وزائريه فى معرضه الاستيعادى والمقام بقاعة «نوت» بالزمالك والمستمر حتى 14 يونيو.