الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أندريا بيكيا.. شمس الأمل لن تغيب

أندريا بيكيا.. شمس الأمل لن تغيب

تعرفت على عدد من الشخصيات الفنية والأدبية الإيطالية الجديرة بكل احترام وتقدير، ومن حسن الحظ أن يكون إنتاجهم الفنى والأدبى ممتعًا، فيكون ذلك بمثابة الولوج الحقيقى فى عالم غربى جديد بثقافته ومعارفه، ومن ضمن هؤلاء فنان الكاريكاتير الإيطالى أندريا بيكيا، والذى زارنى بمقر الأكاديمية المصرية للفنون بروما، وأسعدنى حضوره فى عدد من الفعاليات، كما أهدانى بعض أعماله الكاريكاتيرية المتميزة، وعلاوة على ذلك فقد شارك من قبل فى معرض للكاريكاتير بوطنى الحبيب مصر، والذى تلاقينا على محبته، فرغم شخصية أندريا بيكيا الهادئة، دمثة الخلق، التى تتوفر بها سمات الشخصية الإبداعية بالكامل، إلا أنه حين تحدث عن مصر، أخذ يسترسل عن ذكرياته وعشقه لهذه الدولة ذات التاريخ العريق والحاضر الممتع.



أسعد بقاءاته والتعرف على أعماله، سواء الكاريكاتيرية المتميزة أو الأدبية.وبيكيا فنان ساخر، يمزج بين البساطة البصرية والعمق الرمزى، مع لمسة من الحلم والخيال. وتعتبر أعماله انعكاسًا لاهتماماته الاجتماعية والسياسية، حيث يستخدم الكاريكاتير كوسيلة للتعبير عن القضايا المعاصرة. وقد تلقى بيكيا تعليمه الفنى فى الديكور المسرحى فى دار الأوبرا، ودرس بمدرسة وأكاديمية الفنون الجميلة بروما، ما جعله محترفًا متفردًا فى كل ما يتناوله بمنظوره الإبداعى.

وهنا لن أتحدث عن بيكيا فنان الكاريكاتير وإنما عن كتابه النثرى الذى أهدانى إياه بعنوان «كلمات فى الحب» والمملوء بالمعاناة والحزن وخاصة فى الجزء الأول منه، متحدثًا عن خسارته لمحبوبته، والإحساس الذى انتابه نتيجة هذا الألم، وتفكيره العميق ومفهوم الحب والمشاعر المتينة، كما يتحدث عن عقله مشبهه بمدينة مليئة بالضوضاء الكثيفة، وبمنتهى الرقة وتدفق الأحاسيس عبر عن إمكانية الموت بحثًا عن خطاب الحب، ليفاجئنا بحالة الصراع المرير النفسى معبرًا عن قتله بصمت محبوبته أكثر من كلماتها.

ويقول بيكيا من وقت طويل أنتظر هذه اللحظة، لا أرغب الضحك، وأضع قناعًا، وكأنه الكرنفال السيئ بتعجب واستنكار، ومع خفوت اليأس، انتقل الكاتب فى المرحلة اللاحقة مع بصيص الأمل، لتتحول لحظات التعاسة والموت وتحل الشمس والنور محل العتمة المظلمة. ويعلن بيكيا أنه فى يوم من أيام الربيع وتحديداً فى أحد مساءات شهر مايو، رائحة الصيف تهل، ويمشى بعبير الصيف باحثاً عن رائحته المعطرة، ومن أشعة الشمس عثر على رائحة يوم جديد، وكأن هذه التعبيرات تعكس سطوع شمس الأمل بعد أن انهارت فى الماضى.

يعكس الفنان تناقضات الحياة فيشعر وكأنه بين النار والثلج، وتظل هذه المتضادات تؤرجح مشاعره التى تتجاوب داخلياً، باحثاً عن حالة التوازن الداخلى، وكأنه مهرج يبحث فى نوستالجيا الماضى. ولأن الأمل المتجدد يجب أن ينتصر، فمع مرور الأيام بدأ يشعر بالحب مجدداً من خلال وردة الخشخاش الحمراء الرقيقة من وسط حشائش الطرق المترامية هنا وهناك، وكأنها قطع صغيرة من قلبه المملوء بالحب. لكنه يعترف مرة أخرى أنه لم يقرر أن يعيش باحثاً عن وجهها، لكنه رأى رحلة طويلة، تاه خلالها فى عينيها، ووجد الابتسامة، ليؤكد سعادته برؤية محبوبته.

وقبل الختام يقول اللعب، والإرهاق، المركب والنهر، مع الحركة بينى وبينها، بطعم هذه الحياة. مشبهاً نفسه ومحبوبته بالملح والفلفل، بينما يختم كل ليلة أنه يحلم بها، ومع كل سطوع شمس وصياح الديك يستيقظ مدركاً أنها جعلته يطير.هكذا تعبيرات بيكيا عن الحب جاءت جامعة أيضاً بين المتناقضات، ممزوجة بمشاعر متدفقة وأحاسيس نبيلة. وحينما قرأت كتاباته شعرت كأننى أراه فهو لم ينفصل عما يكتبه، بل تستطيع أن تلج فى روحه الرقراقة البشوشة، وابتسامته الودودة، لكنها تظل حاملة قدرًا من التعاسة والألم الخفى، لكن دوماً شمس الأمل لن تغيب.