الخميس 12 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
روزفلت.. والطريق إلى عالم واحد

روزفلت.. والطريق إلى عالم واحد

فى السنوات الأخيرة، ومع تصاعد النزاعات فى مختلف أنحاء العالم، تعالت الأصوات المطالبة بإصلاح ميثاق الأمم المتحدة ليصبح أكثر فاعلية فى مواجهة التحديات المعاصرة. لكن وسط هذا الجدل، يبقى السؤال الأهم: مَن صاحب الشرارة الأولى لإنشاء هذه المنظمة الأممية؟



لم يكن تأسيس الأمم المتحدة مجرد خطوة سياسية أعقبت الحرب العالمية الثانية، بل كان ثمرة لرؤية بعيدة المدى حملها رجل واجه فى حياته صراعات لا تقل قسوة عن الحروب التى اجتاحت العالم.

فى عام 1882، وُلد «فرانكلين ديلانو روزفلت» بقصر فخم يطل على نهر «هدسون» فى بلدة «هايد بارك» بولاية «نيويورك» الأمريكية، لعائلة ثرية لا ينقصها شىء من المال أو النفوذ، ولم يكن أحد يعلم أن هذا الصبى، الذى نشأ محاطًا بالترف، سيحمل يومًا ما هموم العالم على كتفيه، ويسعى لإنشاء منظمة تحمى الشعوب من ويلات الحرب.

لم تكن طفولته مليئة بالصعوبات المألوفة للكثيرين، بل كانت مريحة، يسافر مع والديه عبر أوروبا، يتعلم اللغات المختلفة، ويشاهد كيف تعيش الشعوب الأخرى. وبينما كان أقرانه يلعبون فى أزقة المدن، كان روزفلت يجلس مع نخبة المفكرين، يستمع إلى أحاديث السياسة والاقتصاد، دون أن يدرك أن هذه الرحلات ستزرع فيه بذور رؤيته المستقبلية للسلام والتعاون بين الأمم.

 

 

 

كبر روزفلت وهو معجب بشخصية ابن عمه، الرئيس «ثيودور روزفلت» - الرئيس الـ 26 لأمريكا، الذى كان ينتمى للحزب الجمهورى، الرجل القوى الذى لا يعرف المستحيل. كان ثيودور يؤمن بأن العالم يُدار بالقوة والدبلوماسية معًا، وكان هذا الفكر يثير فضول روزفلت الصغير. لكنه، على عكس ابن عمه، لم يكن يميل إلى الصراع، بل رأى أن القيادة الحقيقية تكمن فى القدرة على توحيد الناس لا فى السيطرة عليهم. ومع مرور السنوات، بدأ هذا الفتى يتحول إلى شاب طموح، يسعى ليكون جزءًا من مستقبل بلاده.

خلال رحلته السياسية كان سيناتور فى مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك لفترة قصيرة من عام 1911 إلى عام 1913، وبعدها شغل منصب مساعد لقائد البحرية الأمريكية من 1913 إلى 1920.

وحسب مقال بموقع «مركز ميلر» أن روزفلت فى عام 1921، أى وهو فى عمر التاسعة والثلاثين، أصيب بمرض شلل الأطفال، ذلك المرض الذى سرق منه قدرته على المشى، وكاد أن يسرق معه أحلامه. لكنه لم يستسلم، واختار طريقًا آخر. بدلاً من أن يكون العجز حاجزًا، جعله درسًا فى الصبر والقوة. بدأ يفهم ما تعنيه المعاناة، كيف يشعر الإنسان عندما يفقد شيئًا أساسيًا فى حياته، وكيف يحتاج إلى دعم الآخرين للنهوض مجددًا.

ورغم مرضه، ففى عام 1929، أصبح الحاكم 44 لولاية نيويورك. 

وفى مارس 1933، دخل روزفلت إلى البيت الأبيض كالرئيس 32 للولايات المتحدة الأمريكية، منتميًا للحزب الديمقراطى، حيث امتدت ولايته إلى أربع فترات رئاسية متتالية، قاد البلاد خلال مرحلتين من أصعب الفترات هما «فترة الكساد الكبرى» التى بدأت عام 1929، وكذلك اثناء «الحرب العالمية الثانية». ولكن لم يكمل فترته الرابعة حيث توفى فى شهر أبريل من عام 1945، ليستكمل نائبه الرئيس «هارى ترومان» الفترة. أثناء توليه قيادة الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، رأى الدمار الذى حلّ بالعالم، ورأى الملايين الذين فقدوا كل شىء بسبب النزاعات والصراعات. أدرك أن الحرب ليست مجرد أرقام وخسائر سياسية، بل هى معاناة إنسانية لا يمكن أن تستمر. كان يؤمن أن العالم بحاجة إلى نظام جديد، إلى مؤسسة تجمع الأمم تحت راية واحدة، حيث يمكن للدول أن تحل نزاعاتها بالكلمات لا بالسلاح.

لم تكن الفكرة جديدة تمامًا، فقد سبقته عصبة الأمم، لكنها كانت ضعيفة وغير قادرة على منع الحروب. وقرر روزفلت أن الوقت قد حان لبناء منظمة أقوى، مؤسسة يمكنها أن تمنح العالم فرصة حقيقية للسلام، وأقنع القادة بأن العالم يحتاج إلى تعاون حقيقى، لا مجرد معاهدات مؤقتة.

وفى عام 1942، وسط نيران الحرب العالمية الثانية، طرح روزفلت رسميًا فكرة «الأمم المتحدة»، الاسم الذى كان يرى فيه مستقبلًا جديدًا للبشرية. لكنه لم يعش ليرى حلمه يتحقق، فقد توفى قبل أن تُفتتح رسميًا فى أكتوبر 1945.

قصة روزفلت ليست مجرد قصة زعيم سياسى، بل درس فى كيفية تحويل التحديات الشخصية إلى قوة دافعة للتغيير. إن نشأته، ومعاناته مع المرض، وخبرته فى الحرب، كلها عوامل صاغت رؤيته للسلام والتعاون الدولى، مما جعله أحد الآباء المؤسسين للأمم المتحدة.