الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تحول تاريخى لماذا ألقى «أوجلان» سلاحه؟

فى 12 مايو الماضى أعلن حزب العمال الكردستانى عن حل نفسه رسميًا ووقف نشاطه المسلح، فى خطوة وصفها الكثيرون بأنها نقطة تحول حاسمة فى الصراع الكردى-التركى، حيث جاء هذا الإعلان بعد مؤتمر عقده الحزب فى جبال قنديل شمال العراق، بدعوة من زعيمه المعتقل منذ 1999 عبد الله أوجلان إلى إنهاء الكفاح المسلح الذى استمر 40 عامًا وبدء مرحلة جديدة من النضال السياسى السلمى. 



تأتى هذه الخطوة بعد عقود من الصراع، شكل فيها الحزب تهديدًا رئيسيًا للنظام التركى فى المنطقة.

وتعرض حزب العمال الكردستانى لضغوط عسكرية من قبل تركيا، حيث تركزت الهجمات الجوية والبرية على معاقل الحزب فى شمال العراق وسوريا، من أبرز الأسباب التى دفعت إلى قرار الحل. 

 

كما ساهمت التطورات السياسية فى سوريا، فى إجراء مفاوضات بين الجانب التركى والقيادة السورية الجديدة لتنفيذ استثمارات تركية موسعة على الأراضى السورية، والتى تتطلب تقليص النفوذ الكردى فى الشمال السورى، خاصة بعد فشل تجربة الإدارة الذاتية فى شمال سوريا، ما دفعها إلى تبنى الخيار السياسى بدلًا من الحلول العسكرية. 

ويأتى هذا القرار فى وقت يتزايد فيه الضغط الدولى على الحزب بسبب تصنيفه كمنظمة إرهابية فى العديد من الدول الغربية، ما ساهم فى تسريع خطوة الحل.

وجاء مؤتمر قرار حل الحزب ووقف الكفاح المسلح، مرتبطًا بشرطين أساسيين هما إطلاق سراح عبد الله أوجلان المعروف بـ«أبو» والمحتجز فى سجن جزيرة إيمرلى المواجهة لإسطنبول، وتوفير «ضمان قانونى قوى وشامل».

ويبدو أن الأكراد يقصدون بهذا الضمان نوعًا من العفو العام يشمل المقاتلين، وإجراء تغييرات قانونية أو دستورية تمنحهم اعترافًا رسميًا.

كما طالب البيان بتأسيس جمهورية جديدة تعترف بأن «الشعبين الكردى والتركى هما مكونان مؤسسان»، مع رفض معاهدة لوزان ودستور 1924 الذى اعترف فقط بالأتراك كمؤسسين للدولة.

 

 

 

ودعا البيان أيضًا إلى تنظيم الأكراد أنفسهم ضمن إدارات ذاتية فى مناطقهم، وإنشاء مجتمع ديمقراطى، ومنحهم حق الدفاع الذاتى فى مواجهة أى هجمات.

وهو ما أثار تساؤلات فى الصحف التركية المعارضة حول ما إذا عنى ذلك تأسيس بنية إدارية موازية للدولة؟ حيث قال موقع «تى 24» بأن هذا الشرط يعنى أن يُنظم الأكراد أنفسهم بلغاتهم وهوياتهم وثقافاتهم فى مناطقهم الجغرافية، وأن يشكلوا نوعًا من «الإدارة الذاتية».

وتجاهلت الصحف الموالية للنظام التركى ما تضمنه البيان من اتهامات شديدة ضد الدولة، مثل ارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد واغتيال الرئيس الأسبق تورجوت أوزال، وهى اتهامات تثير الشكوك حول نية التعايش مع الأتراك.

رغم ما وصلت إليه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان من نقطة إيجابية فى حل القضية الكردية التى لم يستطيعوا تحقيقها طوال الأعوام الماضية، ولكنها تمت بفضل أكثر كيان كانوا يعادونه، وطالما تم اتهامه بمختلف أنشطة الفساد أو الإرهاب، واعتباره المسئول عن تعكير صفو المجتمع التركى، إلا أن التساؤلات حول الخطوة التالية مازالت مستمرة فى الأوساط التركية.

انتصار كبير

ويُعتبر حل حزب العمال الكردستانى (PKK) القوة العسكرية الرئيسية للأكراد فى شمال العراق وسوريا انتصارا لأردوغان، فحسب تحليل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فقد سعت تركيا إلى تقليص هذا النفوذ، ما يُمهد الطريق لفرض سيطرتها على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، مثل حقول النفط فى شمال العراق وشمال شرق سوريا.

وهو ما رجحته وكالة أسوشيتد برس الإخبارية الأمريكية، مؤكدة أن تركيا سعت إلى تعزيز التعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق لمكافحة أى نشاطات مسلحة مرتبطة بـPKK، لأغراض تتعلق بإعادة تشغيل خط أنابيب النفط بين كركوك العراق وميناء جيهان التركى، الذى تم تعليقه منذ مارس 2023 بسبب نزاعات قانونية، وإعادة تشغيل هذا الخط يُمهد الطريق لتصدير النفط العراقى عبر تركيا، ما يُعزز من مصالحها الاقتصادية والسياسية فى المنطقة.

وحسب ما قالته صحيفة الجارديان البريطانية، تعتبر الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهى امتداد لحزب العمال الكردستانى، حليفًا رئيسيًا فى محاربة تنظيم داعش. إلا أن تركيا تسعى إلى تقليص هذا النفوذ الأمريكى فى المنطقة، خاصة فى ظل التوترات المستمرة فى المنطقة، لذا سيسهم إضعاف «قسد» فى تقليل تأثير الولايات المتحدة على الموارد النفطية فى شمال شرق سوريا.

قرار حل الحزب سيكون له تأثيرات كبيرة على الساحة السياسية فى تركيا والمنطقة. داخليًا، يمكن أن يعزز هذا القرار صورة الحكومة التركية التى كانت دائمًا تروج لنفسها كقوة فى مواجهة الإرهاب.

أمنيا، ستواجه تركيا تحديات جديدة فى التعامل مع القوى المسلحة الكردية الأخرى التى ستظهر تحت أسماء جديدة، خصوصًا فى شمال العراق وسوريا، كما أن هذا الحل سيُعيد تشكيل تحالفات تركيا الإقليمية، التى تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع العراق وسوريا لتأمين مصالحها الأمنية فى المنطقة، كما يؤثر هذا القرار على صلابة الموقف التركى فى مواجهة الدول الغربية التى طالما دعمت الأكراد، ما قد يفتح المجال لتحسين العلاقات مع بعض هذه الدول.

وفى سوريا، سيؤثر حل الحزب على الأوضاع الأمنية فى شمال شرق سوريا بشكل كبير، لما يعقبه من تغييرات فى استراتيجية تركيا تجاه الأكراد السوريين، حيث يُتوقع أن تعمل أنقرة على تعزيز وجودها العسكرى فى المنطقة، وهو ما قد يسهم فى زيادة التوترات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد). 

وفى العراق، سيعزز حل الحزب من التعاون بين حكومة إقليم كردستان والحكومة التركية فى مواجهة الفصائل المسلحة الكردية المتبقية، فهذا التعاون سيعيد ترتيب الأوضاع فى الإقليم الكردى فى العراق، لكنه من الممكن أن يثير معارضة من بعض الفصائل الكردية الأخرى.

فى الوقت ذاته، فإن الدول الإقليمية الأخرى مثل إيران قد تراقب الوضع عن كثب، حيث إن أى تحولات فى الموقف التركى قد تؤثر على مصالحها فى العراق تحديدًا وبعد خسارة كبيرة تلقتها فى سوريا، لذا ستظل إيران حريصة على التأكد من أن الحل الكردى لا يؤدى إلى تحولات غير مرغوب فيها فى المنطقة، لا سيما فى ظل دورها المؤثر فى الشئون العراقية على وجه الخصوص.

 

 

 

انتظار المستقبل

فى هذا السياق، قال الخبير السياسى التركى، مهند حافظ أوغلو، إنه بعد ما حدث فى السابع من أكتوبر بهجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة بدأت التغيرات الحقيقية والإسراع فى تشكيل نظام عالمى جديد، لإنهاء كل العوامل اللا دولتية تحديدا فى الشرق الأوسط، للتخلص من كل أذرع إيران فى الدول العربية، وبناء عليه كان لا بد من اتخاذ قرار بإنهاء الحركات والجماعات المسلحة.

وأوضح أوغلو فى تصريحات خاصة لـ«صباح الخير»، أن تصفية حزب العمال الكردستانى جاءت كحلقة متتابعة بعد تصفية قادة حماس وحزب الله، وسقوط النظام السورى الذى كان يعتبر العامل غير المباشر للذهاب نحو تغيير الموقف فى كل من سوريا والعراق وتركيا.

وأشار إلى أنه قد جاء دور حزب العمال الكردستانى، بعد توافقات بين العواصم العربية وأنقرة، وبالتالى تم الوصول إلى حل هذه الجبهات اللا دولتية، فكان لا بد أن يكون هناك طرح من القوميين الأتراك بشكل خاص ليس من حزب العدالة والتنمية «الحاكم» لفتح الباب لهذه المبادرة.

وتابع: حاول الأكراد المماطلة حتى يتم إيجاد نوع من التغيير أو أن تطغى أى قضية أخرى على الساحة مثل ملف غزة أو جنوب لبنان أو الحوثى فى اليمن والبحر الأحمر وإغلاق باب المندب، لكن بعد أن أجبرت إيران على التفاوض مع الولايات المتحدة والقادة الكبار لحزب العمال تم اتخاذ قرار حل الحزب.

وأضاف الخبير التركى أن قادة الحزب تعرضوا لتهديدات مباشرة من مسعود بارزانى الرئيس السابق لإقليم كردستان، إذا لم يقبلوا بحل الحزب, فيما لم يعلن أكراد سوريا وأكراد العراق بعد تسليم السلاح أو إخلاء مواقعهم لذا هذه العملية ستأخذ وقتا أطول.

وعن توقيت القرار، قال الخبير التركى إن القرار جاء قبل يومٍ من زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للمنطقة، ولقاء الرئيس السورى أحمد الشرع، استجابة لرغبة ترامب فى إنهاء النزاع فى الشمال السورى تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد لتحل تركيا فى هذه المنطقة كركيزة أساسية تسيطر على هذا الإقليم بالكامل.

فيما قال الخبير السياسى التركى جواد جوك إن الأجواء داخل تركيا بعد قرار حل الحزب إيجابية للغاية، وهناك احتفالات داخل المدن الكردية، رغم ما أشيع عن شكوك فى ترك الجماعات الكردية المسلحة لسلاحها أمام القوات التركية.

وأضاف جوك لـ«صباح الخير» أن المعارضة التركية تطالب بالتعاون مع الأكراد لإعطائهم امتيازات خاصة، وهو ما قد تتجاهله الحكومة التركية، وهنا تعود المخاوف إلى الواجهة؛ حيث سيعود الأكراد إلى طلب الاستقلال الذاتى.

وعن احتمالية إطلاق سراح أوجلان، أوضح «جوك»، أن أوجلان قد يحصل على تسهيلات يتم نقل سجنه إلى منزله حيث يتم تحديد إقامته، بعفو صحى، وسيأتى ذلك فى قرار بالإفراج الجماعى عن السجناء الأكراد، وهو ما طالب به الحزب فى بيانه الأخير.