الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نيران لا تنطفئ

تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان  نهاية الأسبوع الماضى، بعد أن شنّ الجيش الهندى ضربات جوية داخل باكستان أسفرت عن مقتل 21 شخصًا ردًا على هجوم مسلح دموى قبلها بأيام فى الشطر الخاضع لإدارة الهند من كشمير، مما زاد من مخاوف اندلاع حرب بين الخصمين النوويين.



وأثارت هذه الغارات التوتر فى المنطقة وحطمت وقف إطلاق النار الهش الذى صمد إلى حد كبير منذ عام 2021، مع تحذير المراقبين من تصعيد الصراع المستمر منذ عقود والذى مزق شبه القارة الهندية الجنوبية حول منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، والتى تسيطر كل من الهند وباكستان على أجزاء منها، على الرغم من أن كلا البلدين يطالب بالمنطقة بالكامل.

 

 

 

وكانت القوات المسلحة الهندية قد أعلنت فى بيان أنها استهدفت تسعة مواقع فى باكستان، واصفةً الهجمات بأنها «غير تصعيدية بطبيعتها».

ووفقًا للجيش الباكستاني، تم الإبلاغ عن 24 «ضربة» فى ستة مواقع هي: أحمدبور إيست، ومريدكى، وسيالكوت فى باكستان، وكوتلى، وباغ، ومظفر آباد فى الشطر الخاضع للإدارة الباكستانية من كشمير، ووصفها بأنها عمل حربى، وقال رئيس الوزراء شهباز شريف إن لبلاده الحق فى «الرد المناسب».

وجاءت العملية الهندية، التى استهدفت مواقع مختلفة، لم تكن أى منها مواقع عسكرية، أوسع نطاقًا بكثير مما كان عليه فى عام 2019.

ويأتى التصعيد الحاد فى التوترات فى أعقاب هجوم مميت فى 22 أبريل على سياح قرب بلدة باهالجام فى الشطر الهندى من كشمير، حيث قتل مسلحون ببنادق 25 هنديًا ومواطنًا نيباليًا واحدًا، وأصيب أكثر من اثنى عشر آخرين، ويُعد هذا الهجوم الأكثر دموية ضد المدنيين منذ هجمات مومباى عام 2008 التى شنتها جماعة «لشكر طيبة» المسلحة المتمركزة فى باكستان والتى أودت بحياة 166 شخصًا.

 الموقف الأمريكى

وبين فخ المكاسب السريعة وشبح الانفجار النووى، تجد الولايات المتحدة نفسها فى مواجهة واحدة من أعقد بؤر التوتر العالمي: جنوب آسيا. ويزداد المشهد تعقيدًا مع تصاعد التوترات فى إقليم كشمير، مُنذرة بتصاعد نزاع جديد بين الهند وباكستان، فى وقت تتحرك فيه واشنطن لحماية مصالحها الاستراتيجية فى جنوب شرق آسيا، خاصة فى بحر الصين الجنوبي.

وتعتمد واشنطن فى هذا الصراع الجيوسياسى على شبكة واسعة من القواعد والتسهيلات العسكرية، أبرزها 9 مواقع استراتيجية فى الفلبين بموجب اتفاقية التعاون الدفاعى المعزز (EDCA)، إلى جانب منشآت لوجستية فى ميناء تشانغى بسنغافورة، وقاعدة أوتاباو الجوية فى تايلاند. وتتيح هذه البنية التحتية تنظيم مناورات دورية واستعراض قدرات الردع والتدخل عند الحاجة.

وفى الوقت نفسه، قد يُنظر إلى التوتر المتصاعد بين نيودلهى وإسلام أباد كفرصة اقتصادية مهمة لواشنطن، عبر فتح أسواق جديدة للسلاح، وتعزيز شراكاتها الدفاعية مع أطراف النزاع، ما يرسخ حضورها السياسى والاقتصادى فى الإقليم، لكن يبقى هامش المناورة الأمريكية محدودًا؛ إذ تتشابك حساباتها الاستراتيجية مع أزمات أمنية مزمنة أكبر من أن تُحتوى بسهولة.

وفى ضوء هذه التطورات تكشف لنا من نيويورك، إيرينا تسوكرمان، عضو الحزب الجمهورى الأمريكى ومحامى الأمن القومى الأمريكى وعضو مجلس إدارة مركز «واشنطن أوتسايدر للحرب المعلوماتية»، المكاسب الزائفة، والتحالفات المهددة، والفراغات الجيوسياسية التى قد تعصف بمصالح أمريكا فى آسيا والشرق الأوسط والعالم.

وأوضحت تسوكرمان، لمجلة «صباح الخير» أن واشنطن قد تميل فى الوهلة الأولى إلى اعتبار اندلاع حرب شاملة بين الهند وباكستان مجرد تشتيت إقليمى له بعض الآثار الجانبية المفيدة، خصوصًا فى ظل توجه أمريكا نحو اعتماد سياسة استراتيجية أكثر تركيزًا على الموارد. 

وتضيف: «من الناحية النظرية، فإن جنوب آسيا غير المستقرة تخلق فرصة لسوق السلاح قد تستغلها قطاعات الدفاع والاستخبارات الأمريكية، لكن خلف هذه المناورات المغرية تكمن مستنقعات جيوسياسية لا يملك الكثيرون فى واشنطن أدوات التعامل معها».

وفيما يخص البُعد الاقتصادى للنزاع المحتمل، لفتت تسوكرمان إلى أن هناك من يرى فى الأمر «بارقة أمل اقتصادية»، لما يحصده مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية من ازدهار مؤقت فى حال زيادة التصدير، لا سيما مع اعتماد الهند على أنظمة تسليح غربية بدلًا من الروسية، التى ستتعرض لعقوبات أو اختناقات بسبب الحرب. وتتابع: «حتى باكستان، فى لحظة يأس، قد تصبح أكثر مرونة تجاه دعم غربى مشروط، ولو لأسباب تتعلق بالبقاء. كما يمكن لشركات الطاقة الأمريكية أن تستفيد من ارتفاع أسعار النفط عالميًا، مما يعزز صادرات الغاز الطبيعى الأمريكى ويمنح المنتجين المحليين أرباحًا استثنائية».

وعلى صعيد التنافس الجيوسياسي، تقول تسوكرمان إن فكرة زعزعة استقرار شركاء الصين وروسيا الإقليميين تحمل إغراءً خاصًا يعيد أجواء الحرب الباردة، لما تمثله من ضغط على استثمارات بكين داخل باكستان، وتشتيت لانتباه الصين عن المواجهات فى المحيط الهادئ، أما موسكو، التى فقدت نفوذها تدريجيًا فى الهند واستثمرت فى باكستان، فستخسر المزيد.

 

 

 

وحذرت عضو الحزب الجمهورى الأمريكى، من الانخداع بهذه المكاسب المؤقتة، وتؤكد أن هذه «الفوائد» هشة وعابرة، فمن الناحية الاستراتيجية، فإن حربًا بين جارتين نوويتين تقعان خارج نطاق النفوذ الأمريكى المباشر تُعد كابوسًا فى ضباب كثيف من الإنكار المحتمل، لما يتبع هذا الصراع من موجات لجوء، عنف طائفي، وتعبئة جهادية قد تعيد إحياء شبكات الإرهاب العالمية، فى وقت تعانى فيه قدرات مكافحة الإرهاب الأمريكية من تراجع منذ عودة ترامب.

وتوضح تسوكرمان كذلك أن التكاليف الدبلوماسية ستكون فادحة، إذ تعتبر الهند ركيزة استراتيجية لواشنطن فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، ومفتاحًا لفك الارتباط مع سلاسل الإمداد الصينية، وشريكًا رئيسيًا فى السباق التكنولوجى والاقتصادى، لذا اندلاع الحرب سيقوض نموها الصناعى ويعطل مشاريع مشتركة كبرى فى الدفاع والبنية التحتية، كما سيضر باستقرارها الداخلى ويبعدها عن طموحاتها القيادية الإقليمية.

احتدام المواجهة

وعن باكستان، فتشير المحللة الأمريكية إلى أن تجاهل أهميتها رغم تعقيدات علاقاتها مع واشنطن سيكون خطأ فادحًا، إذ لا تزال إسلام أباد متشابكة فى مصالح أمريكية حيوية لما تقدمه من دعم لوجستى لمهام مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات عن إيران وأفغانستان، واندلاع الحرب سيدفع نخبها العسكرية والاستخباراتية للتحول بشكل نهائى نحو الصين وإيران، ما يُنتج تحالفًا ثلاثيًا معاديًا للغرب يصعب على واشنطن مواجهته فى بيئة محدودة الموارد.

ورغم المكاسب اللحظية من صادرات السلاح والغاز، فقد تعانى الأسواق العالمية فوضى تعصف بوول ستريت، وتضرب سلاسل الإمداد الحيوية المرتبطة بالهند، وسيتأثر بدوره التحالف مع الدول الأوروبية واليابان، بسبب موقف واشنطن السلبى وتراجعها عن استراتيجيتها المُعلنة فى المحيطين الهندى والهادئ.

وتطرقت المحللة السياسية الأمريكية إلى مشروع «الممر الاقتصادى الهندي-الشرق أوسطى-الأوروبى» IMEC، المدعوم من واشنطن كمنافس لمشروع طريق الحرير الجديد. وتقول: «الحرب ستوجه ضربة قاضية لهذا المشروع، إذ يصعب تعويض الدور الهندى المحوري. وإذا تم توجيه موارد الهند نحو الحرب أو تراجعت ثقة الخليج فى الهند كشريك تجارى موثوق، فسينهار الممر بأكمله، بينما ستتخلى أوروبا عنه لصالح طرق أكثر استقرارًا».

وتؤكد أن دعم واشنطن لأى طرف   ولو إنسانيًا   قد يكون له ثمن سياسى باهظ، فالهند ترفض أى تدخل فى قراراتها، وأى دعم مشروط لباكستان سيكون غير مقبول فى نيودلهى وفى الكونجرس الأمريكى كذلك، والأسوأ هو التصعيد النووى فى هذا الصراع فلا تحكمه قواعد عقلانية واضحة، بل توجهه حساسيات عاطفية وخطابات غامضة، ما يجعل خطر استخدام الأسلحة النووية أمرًا واقعيًا.

وتختتم إيرينا تسوكرمان بالقول: «رغم أن الحرب بين الهند وباكستان قد تبدو مغرية ببعض المكاسب السريعة، فإنها ستفقد أمريكا إحدى أبرز أدواتها الجيو-اقتصادية لمواجهة صعود الصين».

ومن نيودلهي، قال السفير الهندى السابق أنيل تريجونايات فى تصريحات لـ«صباح الخير» إن الهند عانت من الإرهاب العابر للحدود من باكستان لأكثر من أربعة عقود، ولم يدرك العالم ذلك إلا بعد أحداث 11 سبتمبر. ومع استمرار المعايير المزدوجة، كان لا بد للهند من الرد على هجوم باهالجام فى كشمير، الذى نفذته جبهة المقاومة الباكستانية «TRF» المدعومة من الخارج. وأكد أن الهند لطالما وقفت مع السلام والاستقرار والحوار والدبلوماسية.

وبشأن أزمة المياه بين البلدين، أشار إلى أن الهند دولة عليا على نهر السند، وقّعت معاهدة المياه بنية حسنة، مانحة باكستان 62 مليون جنيه إسترلينى و80% من مياه الأنهار الغربية الثلاثة. لكنه شدد على أن «الدم والماء لا يجريان معًا»، معتبرًا أن تعليق المعاهدة خطوة دبلوماسية مشروعة للضغط على الدولة العميقة فى باكستان.

وحول ما يُثار عن رغبة الهند فى حرب محدودة لتحقيق نصر، نفى تريجونايات ذلك، مؤكدًا أن بلاده لا تسعى للحرب، لكنها تلتزم بتحديد هوية منفذى هجوم باهالجام ومعاقبتهم، بمن فيهم الممولون والداعمون، مشيرًا إلى أن الهند انتصرت فى جميع الحروب السابقة مع باكستان.

ومن لاهور، قال الدبلوماسى الباكستانى السابق جاويد حفيظ لـ«صباح الخير» إن باكستان سترد بشكل حاسم إذا فرضت عليها الحرب، لكنها تسعى للسلام وتتجنب التصعيد، مدركة خطورة العداء بين الطرفين.

وأكد أن إسلام أباد اقترحت تحقيقًا محايدًا فى حادث كشمير «المحتلة»، حيث تستمر مقاومة محلية ضد الاحتلال الهندى منذ إلغاء الحكم الذاتى للإقليم قبل ست سنوات.

وبشأن الاستثمارات الصينية فى بلوشستان، أشار إلى أنها بدأت قبل أكثر من عقد وتركزت على مشاريع البنية التحتية، كالمطار الدولى والتعدين، وستستمر حتى فى حال اندلاع الحرب. مرجحًا أن الاستثمارات الأجنبية الضخمة فى الهند ستكون الأكثر تأثرًا، فمن المتوقع انسحاب رؤوس الأموال فى حال الحرب، وهو ما تدركه نيودلهي.

وحول الموقف الدولي، نوه حفيظ بالدور الإيجابى للولايات المتحدة فى التهدئة، ودعم الصين لموقف باكستان المتوازن، إضافة لجهود دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات وقطر، لتجنب الحرب.

واختتم بالتأكيد على أنه لا يتوقع حربًا شاملة، رغم التصعيد الهندى الأخير المتمثل فى تعليق اتفاقية المياه، التى تراها باكستان «خطًا أحمر»، وتؤكد أنها سترد بقوة إذا قُطع الماء عن شعبها.

ومن بكين، قالت المحللة السياسية الصينية سعاد ياى شين هوا لـ «صباح الخير» إن اندلاع صراع مسلح بين الهند وباكستان ستكون له تداعيات مباشرة على الاستثمارات الصينية فى إقليم بلوشستان، الذى يُعد مركزًا حيويًا للممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى، نظرًا لمعاناته من نشاط الانفصاليين المسلحين، ما يدفعهم لشن هجمات على المشاريع الصينية مثل ميناء جوادر ومحطات الطاقة، مما سيدفع بكين إلى إعادة تقييم وجودها الفنى والاستثمارى فى المنطقة، كما حدث فى مرات سابقة حيث انسحب بعض الفنيين الصينيين.

وأضافت إن تصاعد الأزمة سيُستغل من الغرب، خصوصًا واشنطن، للضغط على مؤسسات التمويل لوقف الدعم لباكستان، مما يعرقل مشاريع الصين، ويضر بسلاسل الإمداد المرتبطة بالممر الاقتصادى.

كما نبهت إلى أن «اندلاع الصراع سيؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين وسلاسل الإمداد المرتبطة بالممر الاقتصادي، بما فى ذلك تأخر تمويل مشروعات البنية التحتية والطاقة، واضطراب الإمدادات اللوجستية».

لكنها أشارت إلى امتلاك البلدين استراتيجيات لمواجهة هذه التحديات، منها تعزيز التعاون الأمني، وتشكيل وحدات حماية خاصة للمشاريع، واستخدام أدوات مثل التأمين السيادى، والتوسع نحو دول كإيران وأفغانستان لتقليل الاعتماد على مناطق النزاع.