الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عندما تتحدث الأيادى

كان الهدف من إنشاء الاتحاد العالمى للصم عام 1951، التوعية بقضايا الصم وحقوقهم والتحديات التى يواجهونها، إذ تمثل «لغة الإشارة» التى يعتمدها ذوو الاحتياجات الخاصة المصابون بالصم وضعف السمع نافذتهم على الحياة، وتبقى وسيلتهم الوحيدة فى التواصل عبر إيماءات ورموز بالأيدى مع الآخرين، لكن هؤلاء الآخرين غالبيتهم يجهلون تلك اللغة، ما ينعكس على تلك الفئة بالعزلة فى غالب الأحيان، ومن ثم الحرمان من الحقوق، التى فى مقدمتها وأبسطها يأتى التفاعل المجتمعى.



يستخدم لغة الإشارة 70 مليون أصم حول العالم، يعيش 80 فى المئة منهم فى البلدان النامية، وتصل إلى نحو 300 لغة، تعترف بغالبيتها 71 دولة، بوصفها «جزءًا من إطارها القانونى»، وفق ما ذكرته منظمة الأمم المتحدة.

ووفقاً لتقرير أصدره المركز القومى للأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر فإن لغة الإشارة ظهرت للمرة الأولى على يد طبيب أمريكى يدعى دى ليبيه فى القرن الـ18، حينما حاول ابتكار طريقة للتواصل مع أطفال من الصم كان يتعامل معهم، وتطورت لغة الإشارة وجرى اعتمادها بصورة رسمية عام 1975، وبدأت فى الانتشار بأمريكا والدول الأوروبية، ومن ثم انتشرت بالدول العربية، وأصبح متعارفًا عليها عالميًا.

الحرمان من التواصل

تقول مترجمة الإشارة ورئيس المؤسسة المصرية لحقوق الصم والمترجمين نادية عبدالهادى: «لغة الإشارة ليست موحدة كما يعتقد الكثيرون، لكن تختلف من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، وهناك بعض الجهود حاليًا لتوحيد لغة الإشارة فى العالم العربى، فاللغة العربية بصورة عامة شديدة الثراء، وبها كلمات تحمل أكثر من معنى، أو قد تحمل معانى مختلفة تمامًا فى البلدان العربية المختلفة، بالتالى عند ترجمتها للغة الإشارة لا يكون الأمر سهلًا».

​​​​​​وتضيف عبدالهادى، «لغة الإشارة هى الوسيلة الوحيدة للأصم للتواصل مع العالم، وفى حال لم تهتم أسرته بتعليمه هذه اللغة يكون فى انعزال تام عن العالم. 

وفى العالم العربى بعض الفئات ليس لديها الوعى الكافى للتعامل مع شخص أصم، ومن ثم لا يهتمون بتعليمه لغة الإشارة، ما يترتب عليه حرمانه من القدرة على التواصل، فاهتمام الأسرة ووعيها بحاجات الأصم هو الأساس الذى يحدد طريقة حياته».

وعلى رغم أنه خلال الفترة الأخيرة يبقى ملحوظًا الاهتمام الكبير من الدولة بلغة الإشارة، وكذلك بمترجم الإشارة فى البرامج التليفزيونية، وفى كثير من الفعاليات الرسمية، فإن عبدالهادى تلفت إلى أنه «تبقى كثير من المشكلات التى يواجهها مترجمو الإشارة ذاتهم تتعلق باعتمادهم وتدريبهم وهى ظروف إن توافرت بصورة جيدة سيدفع هذا مزيدًا من الناس إلى تعلم لغة الإشارة، بالتالى تكون هناك وفرة فى المترجمين، باعتبار أن هناك احتياجًا لمترجم إشارة فى كثير من المؤسسات مثل البنوك والمصالح الحكومية».

أهمية الوعى

واحد من الأهداف الأساسية التى يسعى إليها اليوم العالمى للغة الإشارة - يتم الاحتفال به بداية الخريف كل عام - هو نشر الوعى بأهميتها وبدورها فى حياة الأصم من خلال فعاليات مختلفة. يقول مراد الصوص، مذيع ومترجم لغة الإشارة ورئيس لجنة العضوية فى المنظمة العربية لمترجمى لغة الإشارة، «بحكم تجربتى الشخصية فوالدى ووالدتى وكثير من أفراد العائلة كانوا من الصم، وغالب التحديات التى يواجهها الصم فى العالم العربى بصورة عامة هى مشكلة البطالة، إذ يعانى الشخص الأصم بصورة كبيرة فى الحصول على وظيفة، وأيضًا مشكلة التعليم فغالب المناهج الدراسية لا تتناسب مع الأطفال الصم، فهى فى حاجة إلى تغيير.

ويلفت «الصوص» النظر إلى قلة المترجمين الذين يعدون همزة الوصل بين الأصم والعالم الخارجى، قائلًا: «هناك قلة لمترجمى لغة الإشارة فى كل المؤسسات والأماكن الخدمية والحكومية، لغة الإشارة تختلف من دولة إلى أخرى، وتختلف بحكم المنطقة الجغرافية، فى دول الخليج تتشابه لغة الإشارة، وفى بلاد الشام تكون قريبة من بعضها بحكم تقارب اللهجة، لكن لغة الإشارة فى دول المغرب العربى تختلف كثيرًا عن لغة مصر أو الشام، ولغة الإشارة فى العالم العربى تختلف كليًا عن لغات الإشارة فى الدول الأجنبية. وهذا الاختلاف يؤكد الحاجة إلى الاهتمام بدور مترجم الإشارة».

ويشدد الصوص على أن المجتمعات العربية ما زالت «فى حاجة إلى نشر الوعى بهذه الفئة، من خلال المنظمات المعنية بهذا الأمر، التى تساعد فى زيادة إدراك الناس أهمية لغة الإشارة ودور المترجم والدفاع عن قضايا الصم».

مشيراً إلى أن «الإعلام له دور كبير، فأصبحنا نشاهد لغة الإشارة أكثر انتشارًا على الشاشات وفى كثير من المؤتمرات والفعاليات الرسمية المختلفة، فهذا نوع من الدمج لمن يعانى الصمم، وجزء من حقهم فى الحصول على المعلومة، مثل كل فئات المجتمع».

الحروب تضاعف أزمات الصم

وعن أثر الصراعات على تلك الفئة، يقول الصوص: «الحروب تضاعف من معاناة الأصم، وتزيد من حالات الصمم والإعاقة بصورة عامة نتيجة الإصابات بالشظايا وغيرها، هؤلاء يعانون بشدة فى مثل هذه الأجواء المتعلقة بالحروب، فالأصم لا يستطيع سماع صوت الانفجارات أو الطائرات، ومن ثم تكون معاناته أكبر والخطورة التى يتعرض لها مضاعفة».

ويشدد الصوص على أهمية أن هؤلاء يحتاجون إلى آلية معينة للدعم فى هذه الأوضاع، نحو «تجميعهم فى مجموعات فى أماكن معينة، وتوفير مترجم لغة إشارة فى غالب الأوقات، أو إضافتهم إلى مجموعات على وسائل تواصل تنشر معلومات بلغة الإشارة، ليبقى الأصم على معرفة بالمستجدات».