الحب.. والخيانة وأشياء أخرى

دارين المساعد
لم يكن الذين خانوا من أهل الحب. هذا ما يمكن أن يقال عن أبسط المشاعر المبتورة فى العلاقات، التشكيك بصدق الإحساس أو وجوده من الأساس. هل كان حقيقيًا أم كيمياء فى الدماغ فرضها إعجاب بنوعية العطر وتسريحة الشعر، أم رغبة بالتعرف على شخص يشاركنا الفراغ حتى نهرب من إنكارنا لذواتنا ونتمسك به هربًا من الطَوَفَان فى العدم؟
الحب إحساس، والعاطفة حاجة، ولكن ماذا لو وجد الإحساس لكن اختفى الاكتفاء من الحاجة؟ كأن يحب أحدهم لكنه يرفض أن يكون الطرف المعطى، لا يجتهد فى المبادرة، لا يتحسس مواضع الإشباع عند شريكه ولا يفكر إلا فى دراما قيس وليلى أو تضحيات عنتر وعبلة أو تجهيزات عرس أسطورى. ماذا لو كان الحبيب يتغذى على ألمك ويستنزف وقتك ومشاعرك ويترك اسمك على أوراق مغامراته تحت بند الذكريات؟.
الحاجة قد تسقط بك فى يد نرجسى أو آخر لا يقدر قيمتك أيًا كانت العلة النفسية التى يحملها بوعى أو بدونه.
من هنا تبدأ أمنياتك تتحطم على صخور هجره وصمته وابتعاده وقلة تقديره. وتغمرك اللحظات التى لا تعرف فيها كيف تطلب حاجتك من شخص قال مسبقًا إنه يحبك. أين الحب من كل هذا؟
وتضطر آسفًا أن تحكم على رغباتك بأن تعدم على مقصلة الصبر وتعيش من أجل الحياة وتهرب من إعلان خيبتك مع الشخص الذى ظننت أنه توأم روحك.
تظهر هذه المشاكل فى العلاقات عند الشريك القلق الذى لا بد أن يقع بشريك تجنبى أو أحدهم يتبنى دور المنقذ ويحاول إصلاح الآخر والخروج من مأزق الفتور لكنه يفنى ولا تفنى المشكلة عند غياب المعرفة والسعى خلف العلاج.
ولهذا يغشى الشعور قلمى ويطلبه حثيثًا للكتابة مع انطلاق الأسئلة فى فضاء أفكارى عن الوجود الإنسانى المفطور على الترابط. لماذا خلق الله فينا هرمون (الأكسيتوسين) وخلق حولنا أشخاصًا شحيحٌ وِدُّهُم حتى عندما نرجو قربهم نتألم أكثر؟

يعانى الأشخاص العاطفيون من شركاء لا يقيمون للحب وزنًا، لأن البراجماتية تطغى على سلوكهم. ويدركنا فى هذا السطر مضمون المقال حول معرفة العلامات البارزة فى تعاملهم وكيف نتجنبها؟
نعرف أولًا الشخص العاطفى بأنه يقدس التواصل البصرى، اللفظى ويتغذى على التلامس ويطمئن به.
ويقابله الشريك المتجنب المتحفظ على هذا النوع من التواصل نتيجة حرمانه فى المراحل الأولى من الطفولة وكما يقال: فاقد الشيء لا يعطيه، أما الشريك النرجسى يحاول العطاء فى الحدود التى تبقى شريكه تحت وطأة العوز ويبتز هذه الرغبة فى خدمة مصالحه ولتأديب ضحاياه وامتلاكهم تحت سطوته، وهذا ليس ذكاءً أو قوة بل مرض مستعصى الشفاء.
فى المراحل الأولى لأى علاقة يجب أن تعيشها بقلب الراغب لكن بعقل المفتش، واسأل نفسك ما أول ذكرى لى عن الحب أو العلاقة العاطفية فى الطفولة؟ وكيف شعرت حينها؟
تأمل إجابتك ومنها تحدد الصورة الأصلية لفهمك للحب وادرس مشاعرك حينها.
ثم اسأل هل أختار شركائى بناءً على ما أحتاجه حقًا، أم على ما اعتدت عليه أو ما يبدو مألوفًا وساهم المجتمع فى برمجتى عليه؟
تأمل أيضًا لتفرق بين الحب الواعى والرغبة فى مواكبة القطيع. واسأل أيضًا هل أعيش الحب كشعور حرّ وصادق، أم كواجب ووسيلة لأثبت ذاتي؟
هذا السؤال يحدد إن كنت مكتملًا بذاتك ويمكنك تبادل العطاء بطريقة متوازنة وصحية أو تكمله بالآخرين وهذا يجعلك الطرف المتسول فى العلاقة.
كلما اكتشفت ذاتك زاد فهمك لرغباتك وعرفت الصورة التى ترضيك عن الشريك ثم تختاره بعناية ووعى لا لتكتمل به بل لتكمل حياتك معه.
فى كل تجربة حب كان محركها الرغبة فى إيجاد القبول من الآخرين سترتدى من أجلها كل ثياب المهرجين حتى تحظى بالنظرة والابتسامة، ولن تكتفى حتى لو عاقرت الذل والإهانة كمشروب روحى لرؤية نفسك فى موضع المحبوب.
لا أحبذ فكرة التطرق للطفل الداخلى لأن الأشخاص متفاوتون فى قدرتهم على مواجهة الماضى. إن كنت الشجاع فأنت ممن يتعافى الآن لينتقل الى مستوى أعلى من الرؤية وينكشف أمامه العميق والسطحى. أما الخائف سيبقى أسيرًا للشراكات الزوجية المبنية على الأفكار المجتمعية المقلوبة. لقد تلاشت فكرة الزوجة الحاضنة لكل المشاعر عندما صدَّر كثير من الرجال سلوك الإهمال والتجفيف.
لم تعد الأدوار صحيحة ويرتدى كل منهما ثوب الآخر، حتى صار الرجل أو المرأة أصحاب العاطفة والحنان مخلوقات تائهة لا تستطيع تغيير موجة التجارب المرتفعة بين جموع المتزوجين سابقًا وحاضرًا نظرًا لكثرة الجروح والحدود، ولأن الفشل تفشى بين القلوب ثم لم يبق أحد إلا ويستأثر بألم عميق ويتلقف ثقته بنفسه كلما حاول الصمود والبدء من جديد. ولا ملامة أو حكمًا، لأن الطعنات العميقة لا ينجو منها أحد.
يرى البعض أن الحب جواز العبور إلى المحرمات، ويرى آخرون أنه أكذوبة تسويق للهدايا والفلانتاين، وترى شريحة كبيرة من المتزمتين أنه شعور تخلقه العشرة من العدم بين شريكين لم يكن أحدهم يومًا كفوًا للآخر.
وأرى أن الحب يحتاج روحًا متوقدة وقلبًا معطاءً، ونفسًا تُشْرِك مع حب نفسها حب كل شيء. وتبنى بيت المودة على أسس الاهتمام
وتحيا تحت راية الكرامة والتقدير. الحب إقامة طويلة المدى تحت مظلة الوفاء مهما تغيرت الأزمان وتبدلت الأحوال.
إن الإنسان كائن مستأنس وإن لم تكن تسعى للأنس وتنمو به فأنت خارج الإنسانية ويمكنك ضم نفسك لأى مملكة حيوانية أقل من الثدييات وقبل أن تختار تذكر أن كل العوالم تعيش أزواجًا وهذه السُنة الإلهية درس فى البناء والأعمار خلقه الله حولك حين اختار أن تكون خليفته فى الأرض. فلتتفكر وتُبصِر.